… إلى الانتخابات النيابية دُر. فبعدما اكتمل أمس النصاب الدستوري لإقرار قانون الانتخاب الجديد في لبنان مع المصادقة عليه في البرلمان قبل أربعة أيام من انتهاء ولايته، تَدْخُل البلاد في «مدار» الاستحقاق النيابي الذي سيجري في مايو 2018، أي بعد نحو 11 شهراً هي فترة التمديد الثالث على التوالي لمجلس النواب الذي انتُخب العام 2009 ويُعتبر «الأطول عمراً» منذ «برلمان الحرب الأهلية».
ولم تَحمل الجلسة التي عقدها البرلمان بعد ظهر امس، وأقرّ فيها قانون الانتخاب أي مفاجآت تشكّل خروجاً على «التفاهم الكبير» الذي وُلد في رحمه «قانون اللحظة الأخيرة» الذي أَدخل نظام الاقتراع النسبي (ضمن 15 دائرة) الى الحياة السياسية اللبنانية للمرة الاولى منذ ما قبل الاستقلال، وجنّب البلاد أزمة كبرى جرى اللعب «على حافتها» رغم إدراك الجميع بأن السقوط في «هاوية» الفراغ ممنوعٌ.
داخل البرلمان، ونتيجة «عدم ممانعة» رئيس البرلمان نبيه بري، جرتْ، أمس، مناقشاتٌ من بعض النواب ركّزت (ولا سيما من حزب «الكتائب») على ما اعتبره الحزب «القانون الصفقة الذي فرّغ النسبية من مضمونها (…) ولا سيما بربْطه الصوت التفضيلي بالقضاء وليس الدائرة»، و«القانون الذي يفتقد الى المعايير الموحدة في تقسيم الدوائر» مع طرْح علامات استفهام حول البطاقة الممغنطة «وتلزيمها لشركة معيّنة»، فيما حاولتْ مداخلات أخرى إدخال بعض التعديلات التي لا تمسّ جوهر القانون و«توازناته».
وفيما كان البرلمان في الطريق لإقرار القانون بمادةٍ وحيدة قبل نشْره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً، فإن محيطه شهِد تحركاتٍ لمجموعات من «المجتمع المدني» حملتْ اعتراضاتٍ على نواحٍ في القانون لم يجرِ الالتزام بها، مثل «الكوتا» النسائية وبنود إصلاحية أخرى الى جانب تكرار «الرفض المبدئي» للتمديد، في خطوةٍ اعتُبرت بمثابة إعلان «نحن هنا» من جماعات «الحِراك المدني» التي سـ «تُنازِل» الطبقة السياسية التقليدية في صناديق الاقتراع وسط تَرقُّبٍ لمدى قدرتِها على تحقيقِ اختراقاتٍ لـ «تجديد دم» الحياة السياسية وتالياً مستوى تأثيرها في المشهد اللبناني الذي تتحكّم به عصَبيات طائفية ومذهبية ذات وجه حزبي.
وفي موازاة هذه «المشهدية» في البرلمان وخارجه، فإن وطأةَ التمديد الثالث التي خفّف منها انه تقني ولضرورات التكيّف الإداري واللوجستي مع قانون النسبية، قابَلها مزاجٌ شاع بين اللبنانيين وعبّرت عنه «عيّنات» على مواقع التواصل الاجتماعي عكَستْ انشراحاً حيال إقرار قانون جديد للانتخاب وللمرة الاولى منذ عقود بلا أي تدخّلات أو إيحاءاتٍ خارجية مع «تسابُق» على نسْب «أبوة» هذا القانون لهذا الرئيس أو الحزب أو ذاك، وفي الوقت نفسه صعوباتِ «شرْح» أو تبسيط الجوانب التقنية في هذا القانون الذي ذهب البعض الى اعتبار أن «نسبية اينشاتين» (في الفيزياء) قد تكون أسهل منه، ولا سيما لجهة فهم كيفية احتساب الصوت التفضيلي وترتيب الأسماء في اللائحة وفق نسبة الصوت التفضيلي في القضاء وليس الصوت التفضيلي نفسه، ناهيك عن نقاط أخرى أثارتْ علامات استفهام وبينها كيفية توفير القدرة على ضمان اقتراع «جحافل» الناخبين في العاصمة خصوصاً نتيجة ما توفّره البطاقة الممغنطة من إمكان تصويت الناخبين في أماكن سكنهم من دون الحاجة للانتقال الى مناطق قيدهم.
وبأي حالٍ، ومع طيّ صفحة قانون الانتخاب المفتوحة عملياً منذ نحو 8 أعوام، تتّجه القوى السياسية والحزبية الى «تزييت» ماكيناتها الانتخابية والانخراط بعمليةِ «محاكاةٍ» في محاولةٍ لاستشراف حسابات الربح والخسارة على مستوى الكتل وأحجامها، وسط انطباعِ أوساطٍ سياسية بأن بعض الأرقام التي يجري التداول بها حول «الخاسر الأكبر» ولا سيما «تيار المستقبل» والكلام عن ان القانون الجديد سيقلّص كتلته من 33 الى ما بين 18 و21 لا يعدو كونه «إحصاءً مبكراً» للنتائج التي تبقى في جوانب منها مرتبطة بالتحالفات وامكانات التعويض في مناطق أخرى. وفي رأي الاوساط نفسها ان مثل هذه التقديرات تأتي في بعض نواحيها في سياق «حرب نفسية» ورغبة في التأثير في قواعد معيّنة عبر الإيحاء بأن زعامتها ماضية في «مسلسل التنازلات» التي يشكّل مبدأ النسبية الكاملة النقطة الجوهرية فيها، باعتبار انها «المطلب رقم واحد» لـ «حزب الله»، معتبرة ان «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) مثلاً يمكن ان يخسر بهذا القانون بين 8 و10 نواب وفق بعض القراءات الرقمية، وقد يعوّض بعضها في مناطق «جديدة».
ومن هنا، فإن مناخ ما بعد القانون سيكون محكوماً بعمليةِ تحفيزٍ تصاعُدية للناخبين، ونسْج للتحالفات «حسب الدائرة» ومقتضياتها، وسط اقتناعٍ بأن حتى القضايا المعيشية والتي تتصل بالواقع الاقتصادي والتي ستركّز عليها الحكومة والبرلمان في المرحلة المقبلة «لن تنجو» من تأثير جوّ الانتخابات.
وفي حين ساد غموض حول حقيقة ان الرئيس ميشال عون سيعمد قريباً الى إطلاق مبادرة حوارية تؤسّس للمرحلة المقبلة بعناوينها السياسية الكبرى، أكد عون امس «ان اعتماد قانون جديد للانتخابات على اساس النسبية سيحدث تغييراً مهماً في الحياة السياسية اللبنانية» لافتاً الى ان مرحلة ما بعد إقرار القانون «ستفسح المجال أمام متابعة العمل التشريعي، كما ستتحرّك أكثر عجلة التطوير والتنمية».
(الراي)