رندة تقي الدين:
روى العميد الراحل ريمون إدة يوماً لـ «الحياة» في باريس، ماذا حصل عندما تعرضت شركة «طيران الشرق الأوسط» لهجوم إسرائيلي وحشي على مطار بيروت عام 1968 وتم تدمير طائرات الشركة، وكيف توجه إلى مطار بيروت وطلب لقاء الجندي اللبناني المسؤول عن الأمن آنذاك الذي منع المصورين والصحافيين الأجانب من تغطية الهجوم وتصويره. وقال إده بصراحته المعهودة: صفعته وصرخت في وجهه. وكنت في ذروة الغضب والحزن بسبب منع الإعلام العالمي من تصوير هذه الوحشية التي استهدفت البلد وشركة طيران عريقة حملت راية لبنان وأرزته عالياً في العالم وبناها رجل كبير عملاق هو رئيسها الراحل الشيخ نجيب علم الدين ثم دمرتها إسرائيل. واستمرت الحرب الأهلية في تدمير الشركة، على غرار ما حدث من خراب للبلد.
واليوم وقد عادت شركة «طيران الشرق الأوسط» إلى الانتعاش وتحقيق أرباح فاقت بليون دولار منذ ٢٠٠١، ماذا كان سيقول العميد الراحل الذي كان وجدان لبنان عن استهداف رئيس الشركة الناجح محمد الحوت من جهات سياسية تريد المنصب لحزبها وطائفتها؟
لسوء حظ لبنان، كثيراً ما نرى أن بعض الأحزاب والمسؤولين يستخدمون الإعلام للقيام بحملات خبيثة وكاذبة ضد شخصيات القطاع العام الناجحة بهدف النيل من المنصب الذي تنجح فيه لاستبدالها بـ «زلمة» هذا أو ذاك من طائفة ينتمون إليها. هكذا رأينا في الآونة الأخيرة مقالات تشهير بمحمد الحوت رئيس مجلس إدارة «طيران الشرق الأوسط» الذي استطاع منذ تسلم الشركة في ١٩٩٨ مع مجلس إدارة مؤلف من أشخاص كفوئين أن يعيد للشركة رونقها، وأن يجعلها -على رغم كل مصاعب لبنان السياسية والاقتصادية والأمنية في أحلك الظروف الإقليمية- شركة رابحة يرفرف العلم اللبناني عليها وتتألق في معظم مطارات العالم. ففي ١٩٩٨، عندما اختار الرئيس الشهيد رفيق الحريري محمد الحوت لإدارة الشركة كانت الأموال الخاصة سلبية. واستطاع الحوت في ٢٠٠١ تنفيذ خطة إصلاحية لم يكن سهلاً في بلد مثل لبنان إنجازها، إذ إن كل سياسي وحزب في لبنان له موظف محمي فيها كان من الصعب تقليص عددهم. والحملة على رئيس ناجح لشركة وطنية يفتخر بها اللبنانيون كما كانوا في عهد رئيسها الراحل اللامع الشيخ نجيب علم الدين مثيرة للغضب والتساؤل حول خفايا من يدفع إليها، فللحوت إنجازات عديدة خلال رئاسته الشركة، منها في عام ٢٠٠٦ عندما أنقذ طائرات الشركة من الغزو الإسرائيلي وتم تشغيل الطائرات من قبرص وسورية والأردن. ومنذ ٢٠٠٢ قام بتحديث أسطول الشركة. وتم شراء طائرات «إرباص»، وأصبحت «طيران الشرق الأوسط» تملك ١٨ طائرة حديثة وانضمت إلى تحالف «سكاي تيم» العالمي في ٢٠١٢، ما أتاح للمسافر أن يصل إلى ١٨٧ بلداً. وقام ببناء مركز الشحن الجوي وفق المواصفات الدولية وتم افتتاحه في ٢٠١٥ كما أنجزت المرحلة الأولى من مركز التدريب الدولي الذي يتم الانتهاء من العمل فيه قريباً. وتم تزويده بأحدث جهاز طيران تشبيهي أثار إعجاب الذين أتيحت لهم الفرصة لزيارة المرحلة الأولى منه.
أما الانتقادات لارتفاع كلفة بطاقات السفر فيرد عليها الحوت بالقول إن سعر بطاقة السفر انخفض ذهاباً وإياباً، بما فيها علاوة فروقات أسعار النفط من دون الضرائب التي تفرضها الدولة بنسبة ٣٩ في المئة منذ ٢٠٠٨، حيث كان معدل سعر البطاقة ٥٣٠ دولاراً وأصبح ٣٢٤ دولاراً في ٢٠١٦، ومعدل سعر البطاقة إلى العواصم الأوروبية مثل باريس وروما ولندن ذهاباً وإياباً مع علاوة أسعار النفط (fuel surcharge) من دون الضرائب أصبح ٤١٠ دولارات في ٢٠١٦ وانخفض بنسبة ٤٠ في المئة مقارنة مع ٢٠٠٨، وفي منطقة الشرق الأوسط انخفضت الأسعار بنسبة ١٩ في المئة، وفي الخليج ٢٨ في المئة وأفريقيا ٣٥ في المئة.
عندما تسلم الحوت رئاسة مجلس إدارة الشركة في ١٩٩٨ كانت على أبواب الإفلاس واستطاع إعادة بنائها بمهارة، تحت إشراف حاكم البنك المركزي الناجح رياض سلامة. ويستحق الحوت التحية والبقاء على رأس شركة جعل منها مع موظفيها وطياريها رمزاً للقدرة على النجاح في القطاع العام. فبدل حملات التشهير ينبغي توجيه الشكر لمثل هذا الإنجاز في الدولة اللبنانية.