في المقابل، يشكو لبنان من نقص في الدعم الخارجي على مختلف المستويات، باستثناء الدعم المقدَّم للجيش والقوى الأمنية. وتبدو معظم المشاريع المحلية المموَّلة دولياً في وضعية الجمود. حتى إنّ الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى لبنان، تراجعت في الأعوام الخمسة الأخيرة إلى نحو المليارَي دولار، بعدما كانت تتجاوز الـ4 مليارات دولار سنوياً، في الأعوام 2008- 2010.
يسأل البعض: لماذا تَرِدُ المساعداتُ إلى الأردن بكثافة، وليس إلى لبنان؟
البعض يفسّر عدم الحماسة الدولية في تقديم المساعدات المالية إلى لبنان بالخوف من الفراغ في المؤسسات الدستورية: بعد عامين من الفراغ الرئاسي، وتمديد للمجلس النيابي 4 أعوام، لم تتبدّد في الأشهر الأخيرة المخاوفُ من الفراغ النيابي الذي قد يتسبّب في شللٍ حكومي.
لكنّ هناك مشكلةً أخرى تعترض المساعدات الدولية للبنان، وهي عدم اطمئنان الجهات والمؤسسات الدولية المانحة إلى سلامة الآليات والأقنية التي من خلالها يتمّ صرف المساعدات المقدَّمة إلى لبنان، خصوصاً بعد انكشاف الخلل الفادح في هذه العملية والهدر والفساد الموصوفَين في هذا المجال.
فهناك شكوى متعاظِمة في الأوساط الدولية من سوء إدارة لبنان لأموال المساعدات. والأهم، هو أنّ هذه الأوساط اكتشفت كيف يقوم الطاقمُ السياسي اللبناني باستجلاب ما أمكن من مساعدات، على رغم الشكوك التي تعتري الجهات المانحة حول طريقة صرفها.
وفي هذا المجال، يقول أحد المتابعين عن كثب تفاصيل المساعدات الدولية للبنان إنّ القيّمين على الفساد اللبناني تعلَّموا أمرَين، من خلال التجارب:
1- كيف يطوِّعون المسؤولين عن تنفيذ برامج المساعدات في المؤسسات الدولية المانحة، ويجبرونهم على الرضوخ أخيراً للأمر الواقع وإدارة المساعدات والمِنَح وفق ما يريد هؤلاء السياسيون، وعلى الطريقة اللبنانية.
2- كيف يستفيدون من الحروب والأزمات الأمنية للاستيلاء على أموال المساعدات الآتية. وفي عبارة أخرى، يقول الخبير، إنّ الطاقمَ السياسي اللبناني احترف طريقة سحب المساعدات «مِن فَمِ» الأزمات والحروب.
ويكشف العارفون أنّ السيناريو الذي يستخدمه الطاقم السياسي اللبناني لـ«تطويع» مسؤولي برامج المساعدات في المؤسسات الدولية المانحة يقوم على الآتي:
لنفترض أنّ مؤسسةً دوليّة مانحة أقرّت مبلغ 100 مليون دولار لدعم تنفيذ مشروع للبنى التحتية في لبنان، ببرنامج مدّته 4 سنوات. ويتولّى مكتب معيّن التنسيق مع الإدارة المعنيّة في لبنان وبرمجة صرف المبلغ.
طبعاً، المؤسسات والإدارات الرسمية اللبنانية ستكون في المرصاد للسطو على ما أمكن من هذا المبلغ. وفي مراحل أولى وجد الطاقم السياسي اللبناني صعوبةً في خرق آلية المؤسسات الدولية التي تقوم بالتدقيق ولا توافق على صرف المبلغ إلّا بعد توقيع المكتب المكلّف.
لكنّ عبقرية الفساد اللبنانية أتقنت، مع الوقت، كيف تُطوّع المؤسسات الدولية المانحة وتُجبرها على الرضوخ. والطريقة التي يتبعها الطاقم الإداري
اللبناني تقضي بعرقلة تنفيذ المشروع من خلال وضع العديد من العقبات أمامه، حتى يمرَّ عامٌ أو عامان مثلاً من دون أفق لتنفيذ المشروع. وهذا ما يؤدي إلى إحراج المكتب المكلّف التنفيذ ويضطره إلى مراجعة المعنيّين في بيروت واستفسارهم.
فالمكتب يهمّه أن يُثبت للمؤسسة التي يرتبط بها أنه نجح في المهمة المكلف بها، ليحظى بثقتها وبتلزيمات لمشاريع في مناطق أخرى من العالم. والفشل في تنفيذ المشروع في لبنان يعني إعادة المبلغ المرصود إلى المؤسسةِ المانحة، مع علامة استفهام حول جدارة الشخص الذي كان عليه التنسيق لإتمام العملية.
عندما يتصل هذا الشخص بالمراجع المعنيّة في بيروت، مستعجِلاً التنفيذ تحت ضغط انقضاء المهلة المحددة، يكون قد وقع في فخّ الطاقم اللبناني الذي يقوم، بـ»تبليعه» الأكلاف المضخّمة للمشروع.
وغالباً، تتم دعوته لقضاء فترة في ربوع لبنان. ويقبل بعدها بالوقائع التي يعرضها عليه اللبنانيون، ولو على مضض، خصوصاً أنّ مصلحته باتت على المحك. فقبوله التنفيذ، ولو في شكل «غير مثالي»، يبقى أفضل من ظهوره بمظهر الفاشل أمام المؤسسات المانحة.
في هذه الحال، يقوم الطاقم اللبناني، على طريقته، بتقاسم المبلغ بالتراضي، بعد أن يكون قد حظي بالغطاء اللازم أمام المؤسسات المانحة. ويروي مطلعون أنّ بعض المشاريع يكون منجزاً في وقت سابق، كلياً أو جزئياً. ويجري «تطبيق» المنحة الدولية عليه!
ويتحدث هؤلاء عن «احتراف» تطوير بعض الإدارات والمؤسسات اللبنانية لعملية ابتلاع المساعدات اللبنانية، خصوصاً بعد الضربات والحروب والخضات الأمنية، أي منذ الحروب والضربات الإسرائيلية… وصولاً إلى ملف النازحين.