من النادر ألّا يرتبط اسم الموارنة في لبنان بالدفاع عن الحرية في هذا الشرق، فمع بطريركهم الأوّل يوحنا مارون 685 م، والموارنة يخوضون في لبنان أشرس مقاومة للبقاء في هذه البقعة من الأرض.
“لبنان أكثر من بلد إنه رسالة” هذا ما قاله البابا يوحنا بولس الثاني يوم زار لبنان وهو أحبه جداً لدرجة شبّهه ببلده الأم.
عشرات المرات ذكر اسم لبنان في الكتاب المقدس، وموارنته يكرمون والدة الله، ومن عنايا فاح عطر قداسة مار شربل الى العالم كله.
تأسس لبنان عام 1920، استقل عن فرنسا عام 1943، ومن وقتها أراد المسيحيون والمسلمون العيش سوياً فكان الميثاق الوطني الجامع بين الطوائف، لكنّ هذا التعايش اهتزت ركائزه مع اشتعال الصراع العربي – الإسرائيلي وهجرة الفلسطينيين إلى لبنان وتنظيم الوجود الفلسطيني المسلّح فيه و الذي سمح به اتفاق القاهرة عام 1969 فكانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير وبدأت الاحتكاكات الداخلية في لبنان، فرأى البعض بذلك فرصة للانقضاض على الوجود المسيحي في هذا البلد الصغير الذي يرأسه ماروني وما زال.
بدأت الحرب الفعلية في لبنان عام 1975 وحمل المسيحيون البندقية دفاعاً عن وجودهم وهم الذين يذكرون جيداً تصريحات القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات “طريق القدس تمرّ بجونيه” وأيضاً كلام وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وقتها كيسنجر الذي عرض على المسيحيين الهجرة الى امريكا وسواها مقابل توطين الفلسطينيين.
لم تهدأ الحرب العسكرية في لبنان بل تأزّم الوضع ونظّم المسيحيون صفوفهم أكثر فأكثر ولم يصطدموا بالفلسطينيين وحدهم بل ايضاً بالجيش السوري وقتها بقيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد وبدت الحرب كأنها حرب طرد المسيحيين من لبنان، فكان توحيد البندقية على يد بشير الجميّل عام 1976 قائد القوات اللبنانية الذي استشهد بتفجير في الأشرفية – لبنان بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بعدة اسابيع، واستمرت القوات اللبنانية كمجموعة مقاومة إلى أن استلم القيادة الدكتور سمير جعجع من بشرّي شمال لبنان.
الحروب اللبنانية مع الجيران لم تهدأ، وحروب اللبنانيين في ما بينهم لم تهدأ أيضاً، وعلى الرغم من حرب بشعة في المناطق المسيحية بين القوات اللبنانية والجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون وقتها (رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي)، استطاع سمير جعجع من الاعتذار عن الحروب الماضية ووضع يده بيد أخصامه السياسيين وأصبح سمير جعجع اسم مناضل لبناني وليس مسيحي فقط وهو كان ركناً صلباً في ثورة 14 اذار لاستعادة استقلال لبنان وحريته ضمن مسار احتلال طويل سجن الدكتور جعجع بسبب معارضته اياه لمدة 11 سنة، ونفي الجنرال عون الى فرنسا، وانتهت باستشهاد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وعشرات المناضلين السياسيين والمدنيين والعسكريين.
بعد مقابلتها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال في روما والغوص في حياته المسيحية، ارادت اليتيا الغوص أيضاً في حياة مقاوم مسيحي عرفته جبهات القتال في الدفاع عن مناطق المسيحيين في لبنان، عرفته السياسة في تنظيم حزب سياسي يضم شريحة كبيرة من عنصر الشباب، وعرفته زنزانة وزارة الدفاع في لبنان لمدة 11 سنة خرج منها سمير جعجع “ناسكاً” مارونياً قرأ خلالها عشرات الكتب الروحية وتعمق في سير القديسين واستطاع العيش حراً ولم يساوم على قضيته وخرج منتصراً بريئاً من اتهامه بتفجير كنيسة سيدة النجاة التي راح ضحيتها عشرات المسيحيين والتي اتُهم اعداء لبنان وقتها بفبركة التفجير لحل حزب القوات وادخال جعجع الى السجن.
صعوداً نحو معراب في جرود كسروان المطلّة على البحر الابيض المتوسط مروراً بمزار سيدة لبنان – حاريصا، وصل فريق عمل أليتيا إلى مقرّ حزب القوات اللبنانية وهو أشبه بقلعة صامدة في جرد لبنان يلفها الضباب وفيها لم يسلم الدكتور جعجع من محاولة اغتيال بعد أن حاول قناصون قتله عن بعد ولم يفلحوا.
كان في استقبالنا فريق الدكتور جعجع الاعلامي، الآنسة انطوانيت جعجع مديرة المكتب الاعلامي ومساعدها الاستاذ برنارد رزق.
تدخل غرفة استقبال واسعة، فجأة يطل عليك الدكتور جعجع مبتسماً وبعفوية، استقبلنا لمدة 55 دقيقة كانت بمثابة لقاء تعارف ومصارحة أكثر من مقابلة روتينية.
أسئلة عديدة كانت في جعبتنا حاول الدكتور جعجع اختصار الأجوبة السياسية والتوسّع في حديثه عن حياته المسيحية خلال الحرب، الاعتقال والآن في معراب.
خلال المقابلة وقف الدكتور جعجع وأتى بكتاب عن مكتبه يحكي فيه عن فترة الاعتقال، استأذناه اخذ صورة للكتاب، فضّل ابقاء نشر الكتاب لوقت يحدده هو، بل قال لنا، ستحبون هذا الكتاب جداً.
كان سؤالنا الأول تقليدياً، منه يتعرف القراء غير اللبنانيين على نظرة الدكتور جعجع السياسية وننطلق الى صلب الموضوع.
سألناه: وسط الأحداث الدّامية التي تعصف بالشّرق يعاني مسيحيو المنطقة وتحديدًا في سوريا والعراق من ما قد نسميه إضطهادًا جماعيًّا؛ ما هي بنظركم الخطة الواجب وضعها لضمان حماية هذه الجماعات وعودتها إلى أراضيها؟
جاء رده أنّه قبل الدّخول في صلب هذا الموضوع إسمحوا لي بإجراء تعديل بسيط على كيفية التعاطي مع هذه القضية. فالمقاربة التي تحصل ليست دقيقة أو صحيحة برأيي. الجميع يعانون في سوريا والعراق وسائر مناطق النّزاع في الشّرق. إذا ألقينا نظرة نسبية على عدد الضحايا من المسلمين فسنلاحظ أن عددهم هو أكثر بكثير من عدد الضحايا المسيحيين.
هناك أزمة كبيرة في سوريا وأخرى أكبر في العراق. لنبدأ من سوريا حيث هناك أزمة نظام قائم ألقت بظلالها على المسيحيين والمسلمين . قد يخيّل للبعض من خلال طريقة معالجة الأمور أن هناك حرب تشن ضد المسيحيين وهذا الأمر ليس صحيحًا. هناك حرب قائمة في سوريا بين فكرين الأول متطرّف ودكتاتوري والثّاني معتدل وديمقراطي.
ومن هذا المنطلق يتعرّض المسيحيون والمسلمون على حد سواء للعنف. لذلك علينا البحث عن مقاربة لإخراج الجميع من الأزمة التي يمرّ بها الشّرق الأوسط. لا يوجد حلّ للمسيحيين فقط. لا يمكن مثلا العمل على عودة المسيحيين إلى أراضيهم في سوريا قبل إيجاد حل للأزمة السورية ككل والبحث في سبل إعادة إعمار تشمل كافة الأراضي السّورية.
حاولنا فهم نظرته بشكل اعمق فسألناه: لا يخفى على أحد وجود نوع من خلل في العلاقات ما بين المسلمين والمسيحيين وسط النّزاعات التي تضرب المنطقة ما قد يعرّض العيش المشترك إلى الخطر. اليوم كيف يمكن لنا ترميم هذا العيش المشترك وهل لديكم إقتراح ما لتعزيز هذه القيمة الاجتماعية التي لطالما ميّزت الشّرق؟
اجاب الدكتور جعجع: نعاني اليوم من مشكلة تعايش بين مختلف مكونات المجتمعات لا بين المسيحيين والمسلمين فقط. هناك أزمة تعايش ما بين المسيحيين والمسيحيين والمسلمين والمسلمين وبين عدد من المسيحيين وعدد من المسلمين.
لترميم هذه العلاقات لا بد من ترميم الوضع ككل في سوريا من خلال الانتقال من النظام القائم الآن في سوريا إلى آخر تعددي ديمقراطي حرّ.
لا يوجد حلّ يطال المسيحيين فقط في سوريا. لا يمكن عزل الأزمة التي يتعرّض لها المسيحيون عن إجمالي ما يحصل في سوريا فهي جزء من كل ما يحصل. لذا لا بد من معالجة كاملة تشمل كل الفئات.
أمّا على الصّعيد الإنساني فلا بد من دعم جمعيات تعنى بأوضاع المهجرين والنازحين المسيحيين الفارين من مناطق الاقتتال.
انتقلنا الى سوريا لنسأله: هل تعتقدون أن المسيحيين في سوريا يريدون قيام هذه الدولة الجديدة التي تحدّثتم عنها أو أنهم مقتنعون بالوضع السياسي القائم حاليًّا؟
أجاب الدكتور جعجع: من المؤكد أن مسيحيي سوريا يريدون دولة جديدة إلّا أن الأكثرية الموجودة في مناطق النّزاع مغلوب على أمرها وبالتالي لا يمكنها التّعبير صراحة عن رغبتها أو تطلعاتها للمستقبل السياسي في البلاد. ولكن بالنّظر عن قرب إلى أحوالهم أعتقد أنّهم يريدون هذا التّغيير السّياسي.
سألناه: كقائد مسيحي وسياسي في لبنان والشّرق لا شك انّ خطابكم السياسي يؤثر على وضع المسيحيين في سوريا وباقي مناطق النّزاعات. إلى أي مدى تأخذون هذا الموضوع في عين الإعتبار كي لا تؤثرون سلباً على المسيحيين في سوريا؟
أجاب: إسمح لي بالعودة قليلًا في التاريخ وتحديدًا إلى أحداث الحرب العالمية الثانية. خلال هذه الحرب حرص البابا بيوس الثاني عشر على عدم إصدار أي موقف للفاتيكان حيال الأحداث الدّامية التي تضرب العالم. برغم كل السنوات التي مضت لا يزال الإعلام العالمي يلقي نوعًا من اللّوم على البابا لعدم اتخاذه موقفًا مما كان يجري!
نحن هنا أصحاب فعليين للأرض ومن سكانها الأصليين لذا فمن واجبنا أن نأخذ على عاتقنا قضايا المنطقة مهما كلّف الأمر. لا بد من الثّبات على مبادئنا وطروحاتنا وأخلاقياتنا وما نؤمن به.
نحن نؤمن أنه لا بد من قيام دولة فعلية تعددية ديمقراطية حرّة في سوريا حتّى ولو كان ذلك سيكلّفنا غاليًا.
يجب أن يكون لنا رأي واضح وموقف أخلاقي دائم تجاه القضايا التي يمرّ بها الشّرق.
انتقلنا الى مصر حيث كان لقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر وسألناه: بعد لقاء البابا فرنسيس والشيخ الأزهر في مصر وصدور الإعلان المشترك لإدانة الإرهاب؛ ما هي برأيكم الخطوات العملية لترجمة هذه الإدانة وسط الأصوات المطالبة بحوار إسلامي إسلامي داخلي لإعادة النظر في الخطاب الديني التطرفي وبالتالي الإعلان عن موقف صريح في هذا الصّدد للجم الفكر التكفيري؟
أجاب: أعتقد أنّه خلال الأعوام القليلة السّابقة تم إصدار وإعلان ما يكفي من فتاوى للجم الفكر التكفيري.
أمّا الترجمة العملية للقاء البابا والأزهر وإعلانهما المشترك فتكون من خلال طرح القضية كما طرحناها الآن أي عدم القول إن المسيحيين يعانون مشكلة في الشّرق بل هناك مشكلة في الشّرق ما بين التطرّف والاعتدال تلقي بظلالها على الجميع ومن بينهم المسيحيين.
أعتقد أن المسلمين المعتدلين يفتّشون عن شريك في المواجهات الكبيرة التي يخوضونها ضد التطرّف. وجود شريك يشجّعهم ويحثّهم على إعادة النّظر في العديد من المفاهيم التي يجب أن يعاد النّظر بها لإبعاد الأجيال الجديدة عن التّفسيرات المغلوطة للقرآن أو لبعض ما جاء على ألسنة الصحابة. الحل يكمن في التعاون بين كل الجماعات المعتدلة لتقف بوجه التطرّف.
سنة لبنان مثلًا يخوضون حربًا كبيرة ضد الإرهاب لذا لا يجب أن نعزل أنفسنا كمسيحيين عن هذه الحرب. يجب أن ندخل في قلب الصراع لنقوي أكثر موقف المعتدلين.
من مسالة الشرق الأوسط الى لبنان سألناه: على مرّ السنوات إعتبرت جهات غربية أن الحرب التي خاضتها القوات اللبنانية التي يمثل المقاومة المسيحية وقتها في لبنان تندرج ضمن إطار “الجهاد الدّيني”. أي أنكم خلال الحرب اللبنانية حملتم السّلاح إنطلاقًا مما يعتبره البعض في الدّول الغربية نوعًا من التّعصّب الدّيني. ماذا تقول لهذه المجموعات الغربية التي وحتّى يومنا هذا لم تفهم أو لا تعرف لماذا حمل المسيحيون في لبنان السّلاح وهل كان ذلك نابعًا من تعصّب أم لا؟
أجاب الدكتور جعجع: أن يسيء الآخرون فهمنا بهذه الطّريقة أمر خطر فنحن لم نحمل السلاح إنطلاقًا من تعصّب ديني معيّن.
في تلك المرحلة كان هناك نظام قائم في لبنان وبطبيعة الحال من الممكن للمواطنين أن يعارضوه أو أن يتوافقوا معه ولكن من غير الممكن ومن غير المقبول أن تقود إنقلابًا عسكريًّا على الدولة.
وهذا ما فعلته مجموعات مسلحة غير لبنانية آنذاك. كانت هذه الجماعات تريد الإستيلاء على الدّولة بقوة السّلاح وأن تحوّل لبنان إلى قاعدة ينطلق منها الصراع في الشّرق الأوسط . وهذا ما لم نقبله أبدًا. لماذا حمل معظم اللبنانيون السّلاح برأيكم؟ الإجابة واضحة فلقد رأوا أن مناطقهم وبيوتهم باتت ترزح تحت خطر الاجتياح. لو لم يحمل اللبنانيون السّلاح لكانت قوات الاجتياح استولت على عدد كبير من المناطق اللبنانية. ألم يقل أحد القادة الفلسطينيين ان طريق القدس تمرّ بمنطقة جونية؟ إذًا إنطلاقًا من حقّ الدفاع المشروع عن الذّات حملنا السّلاح وليس إنطلاقًا من تعصب ديني معيّن.
إذًا هل يمكن أن يخوض المسيحيون جهادًا معيّنًا ويقاتل دفاعًا عن نفسه؟
بالتأكيد! أجاب الدكتور جعجع، لا بل أعتقد أن الخطأ الكبير الذي ارتكب بحق الوطن خلال عامي 1975 و1976 هو فرار البعض من لبنان ومغادرتهم لأرضهم في وقت كان اللبنانيون يتعرّضون للذّبح في أكثر من منطقة وكانت الدّولة على شفير الإنهياربهدف قيام دولة أخرى لا علاقة لها بلبنان. دولة مرتبطة بصراع الشرق الأوسط.
إذًا أخلاقيًا برأيكم من ثبت أكثر بأرضه ووطنيته؟ هل من ترك كل شيء وحمل السلاح للدفاع عن مناطقه وبلداته وشعبه أم من ترك البلاد وتوجّه إلى العاصمة الفرنسية او أي بلد أوروبي آخر وافتخر بالقول إن يديه ليست ملطّخة بالدّماء؟ مغادرة هؤلاء للبنان كانت أكبر جريمة حصلت بحق البلد.
لماذا برأيكم لم تتبلور هذه الفكرة بعد لدى المجتمعات الغربية؟
تعرضنا لوابل من الانتقادات من قبل الكثيرين ممن كانوا معارضين لمشروعنا وحتّى ممن ادّعوا أنهم معنا في الخندق عينه ليتبيّن لاحقًا أنّهم خونة. تواجد عدد من هؤلاء في الخارج ساهم بترويج هذه الصورة المغلوطة للقوات اللبنانية وربطها ببث الخراب والفساد.
إذا من الواضح أن صورتكم لدى الغرب هي نتيجة سوء تواصل ما بين المجتمعات. هل تحاولون اليوم ضمن فريق عملكم تصحيح هذا الأمر وإيصال أهدافكم الحقيقية؟
من الصّعب جدًّا تغيير صورة ترسّخت في أذهان الكثيرين. للأسف في وقت كنّا فيه في ساحة القتال دفاعًا عن هويتنا كان هناك عدد من الخونة الذين حاولوا خلق صورة غير واقعية للقوات اللبنانية في أذهان الكثيرين. لقد صوّرتنا هذه المجموعات وكأننا نريد الخراب والبؤس للبنان. وبالتالي لم تظهر صورتنا الحقيقية المتمثّلة بسعينا لعدم سقوط مناطقنا بيد الآخرين.
بعد انتهاء الحرب بدأ عهد الوصاية السورية ودخلنا السّجن. في الظاهر تم تصويرنا كمجرمين ننتظر المحاكمة ولم يدخل أحد في تفصيل القصة لمعرفة الحقيقة. أبناء جلدتنا الذين متنا لأجلهم نكرونا.
السّبب ليس خفيًّا فلطالما كان تشخيص الحرب الإعلامية وتفسيرها وسرد أحداثها التّاريخية خاطئًا!
للأسف فإن الحروب والمواجهات التي يخوضها المسيحيون في لبنان تكون دائمًا بين مجموعات متماسكة ومتكاملة ضد فريق من المسيحيين وليس المسيحيين ككل.
دخلنا أكثر في صلب العمل السياسي القواتي اليوم سيما أنّ القوات ممثلة بـ 3 وزراء في الحكومة و8 نواب في البرلمان وهي التي شكّلت الغطاء اللبناني والمسيحي الأبرز لإيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
سألناه: من العناوين البارزة في برنامج القوات اللبنانية مكافحة الفساد. ما هي البرامج التي وضعتموها لمكافحة الفساد؟ وكيف يمكن توظيف المبادئ المسيحية في هذا المسار؟
المبادئ المسيحية هي الدّافع الأساسي لمكافحة الفساد. لا يمكن أن نسكت على الفساد من أي نوع كان.
أمّا الخطط التي وضعناها فهي ببساطة أن نبقي أعيننا مفتوحة على كل ما قد يحدث في مجلس الوزراء ونتوقف عند أي أمر قد تفوح منه رائحة الفساد. نتحقق منه وإن تأكدنا من عدم نزاهته نواجهه حتّى النّهاية. مثال على ذلك ما قام به وزراء القوات اللبنانية في الحكومة الحالية. هل سمعتم بتاريخ لبنان أن عمل أحد الوزراء على طرد موظفين من وزارته؟ خلال شهرين أقدم وزير الشؤون الإجتماعية على صرف 400 موظّف كذلك الأمر في وزارة الإعلام حيث صرف الوزير ملحم رياشي 100 موظف كانوا لا يقدمون أي خدمة للوزارة. هذا ولا نغيب عن مراقبة المناقصات التي قد تحصل في البلد.
من هم حلفاء القوات اللبنانية في محاربة الفساد في لبنان؟ وما هو موقفكم من المجتمع المدني في وقت نلاحظ فيه وجود نوع من الصراع ما بين الأحزاب والمجتمع المدني؟
نحن لسنا في حالة صراع مع أحد. نحن في حالة صراع مع الوضع المتردي في الإدارة اللبنانية. نتمنى الحصول على مساعدة كل من يرغب بمد يد العون في هذا المجال. كذلك نرحب بأي طرف يخوض هذا الصّراع مع الفساد حتّى ولو لم يكن يرغب بضم جهوده لجهودنا. ولكن لكي نصل إلى نتيجة لا بد من تجمع القوى التي تسعى إلى الهدف نفسه.
أمّا عن ايمانه المسيحي فسألناه: لطالما كان الإيمان المسيحي محور مقاومتكم أثناء فترة تواجدكم في الاعتقال. كيف عاش سمير جعحع مسيحيته خلال الأعوام الأحد عشر في السّجن على صعيد ممارسة الأسرار والقراءات والتأملات؟
حياتي في السجن لم تكن فارغة أبدًا فقد أمضيت معظم الوقت في ممارسة الأسرار والصلوات والتأملات. ظنوا أنهم وضعوني في السّجن إلّا أنّي كنت أتخيّل نفسي في المحبسة مع القدّيس شربل وكنت أتصرف من هذا المنطلق. عشت حياة مسيحية غنيّة وشيقة لدرجة أنّي وبعد مرور سنتين على سجني كنت أخاف أن يتم إطلاق سراحي لمدى عمق الحالة التي كنت أعيشها.
كنت أحصل على سر الإفخارستيا مرّة في الشّهر دون أن أتمكن من ممارسة سرّ الإعتراف. كنت أتأمّل الذبيحة الإلهية مفردي وأتناول القربان الذي كان الكاهن يتركه لي خلال زيارته الشهرية. أمضيت ساعات في قراءات سير حياة القديسين كالقديس شربل وسانت اليزابيت للثالوث، والكتب الروحية والكتاب المقدس.
هل تعتقدون أن المبادئ المسيحية ضرورية خلال ممارسة المهام السياسة؟
أنا مع إبعاد الكنيسة عن السياسية والسياسة عن الكنيسة ولكن أشجع تطبيق الفكر الديني والأخلاق الدينية التي ترسّخ المبادئ أثناء ممارسة السياسة. كم جميل أن نعيش وفي ذهننا عبارة الأخ إسطفان نعمة “الله يراني”.
ماذا تقول لقرّاء أليتيا؟
لا تخافوا ففي نهاية المطاف لا يصح إلّا الصحيح ومهما حصل فالله موجود وإرادته ستتغلّب على كل شيء.
لم ينته الحديث مع الدكتور جعجع هنا، فقام فريق عملنا بزيارة مبنى الزنزانة في معراب وهو مطابق للزنزانة التي وضع فيها الدكتور جعجع، بقربها كنيسة المقرّ وتمثال القديس شربل جالساً وفي يده الانجيل.
انتهى اللقاء، غير إنّنا أردنا من خلاله معرفة لماذا حمل مسيحيو لبنان السلاح وكيف يمكن للانسان أن يتصالح مع ذاته ومع الآخر سيما اذا عاش تجربة قلّ نظيرها كتلك التي عاشها الدكتور جعجع.
(أليتيا)