بين لبنان والخارج القريب والبعيد علاقة جدليّة بنيت بمهجيّتها ولحظوياتها المتراكمة على التأثر اكثر من التأثير، وعلى التلقّي أكثر من الابتكار، وقد وصف أحد المفكرين هذا البلد بالاسفنجة الممتصة لكلّ أنواع المياه المتجمعة، وآلا شبهه بالمرآة العاكسة لأنوار الآخرين على أرضها.
تعود تلك الجدلية إلى التمثّل في الأذهان والعقول، بفعل الاشتباك السياسيّ بين السعوديّة وقطر وقد بلغ أوجه ذروته مع قطع العلاقة الدبلوماسية من قبل السعوديّة والبحرين والإمارات ومصر من ضمن منظومة الصراع السعوديّ – الإيرانيّ المتفشيّة عموديّاً وأفقيّاً على كلّ الجبهات في مدى الإقليم الملتهب، وقد وجهت السعودية اتهاماً واضحاً إلى قطر بأنها لا تزال تدعم الإرهاب من “جبهة النصرة” إلى “تنظيم داعش”، وتدعم المنظمات التي تدعمها إيران بدورها. ليبلغ الخليج العربيّ مرحلة التوتّر الشديد كنتيجة للأحداث في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وكنتيجة أخرى لما أفرزته زيارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب إلى السعوديّة.
لاحظت أوساط سياسيّة، مفارقة واضحة تتجلّى بخطين متوازيين، ومن غير الواضح بعد إذا ما كان الخطّ الثاني سيؤثّر على الخطّ الأوّل بسيره السليم في الداخل اللبنانيّ.
-الخطّ الأوّل: خطّ التوتّر المتأجّج والمتصاعد، والذي قد ينذر بحرب وشيكة سعت الإدارة الأميركيّة مع البريطانيين والإسرائيليين إلى إشعالها، بين السعودية وقطر، لتكون الشرارة الأولى لانشطار الخليج العربيّ. والانشطار الخليجيّ بحسب متابعين كبار، ليس وليد ذاته بل هو مخطّط تمّت بلورته في مراكز أبحاث ودراسات أميركيّة قادها مفكرون كبار من هنري كيسينجر إلى برنارد لويس صاحب نظرية تقسيم الخليج وتحديدًا المملكة العربيّة السعوديّة.
-الخطّ الثاني: خطّ الانفراج اللبنانيّ المتمثّل بقانون الانتخابات وقد لاحظت الأوساط اتفاق معظم الأطراف عليه وهو النسبيّة مع خمس عشرة دائرة، بانتظار بلورة التفاصيل حول الآليات المرتبطة به، تمهيدًا لإقراره في الثاني عشر من حزيران، خلال الجلسة العامة ضمن العقد الاستثنائيّ الذي دعا إليه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون. وقد تبيّن أن الحسم المبدئيّ انطلق من اللقاء بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل ـ لتقود أجواؤه ونتائجه الرئيس نبيه برّي إلى قصر بعبدا للاجتماع بالرئيس عون والاتفاق على هذا الحلّ.
التوغّل بإزائيّة الخطّين وصولاً إلى مرحلة التأثّر باللحظة المتفجرة في جوف الخطّ الأوّل، يعود سببه وبحسب تلك الأوساط، إلى أن اعتبار ساد ظنّ كثيرين بان لبنان ساحة وملعب، وليس كياناً محصّناً ووطنّا متفاعلاً وهشاشة النظام السياسيّ أباحت بلعبة تتداخل فيها التأثيرات بقوّة وشدّة، من الانفجار إلى الإنفراج، من الاحتراب إلى التسوية. وقد لاحظت أوساط مراقبة، بأنّ اللعبة السياسيّة التي أفضت بترجمة الانفراج السياسيّ والأمنيّ بهذا القانون، قد تأمنّت بفعل الحصانة الأمنية المتشدّدة بتلاحم الجيش اللبنانيّ والمقاومة، وبفعل مبدأ الحرب الاستباقيّة في سوريا وصولاً إلى تجسيد الاتفاق القطريّ – الإيرانيّ منظومة الحماية على الحدود اللبنانيّة – السوريّة من مضايا إلى سرغايا والزبداني.
تقول معلومات واضحة بان لا خوف على أيّ اختراق يمكن أن يبدّد ما تحقّق بتماسك العناصر من جرّاء هذا التوتّر. وبحسب مصادر متابعة، فإنّ تجذير التماسك لا يفترض مراقبة الاشتباك في جرود عرسال بين «جبهة النصرة» و«تنظيم داعشّ» وهو يمثّل بكثير من جوانبه الاشتباك القطريّ – السعوديّ، بل يفترض تنظيف الجرود، وإحكام القبضة الأمنية بتشدّد عليها، وتقول المعلومات بأنّ القرار قد حسم نهائيًّا بتنظيف الجرود بحال عدم الرضوخ إلى تسوية تقضي بخروج المسلحين من جرود عرسال باتجاه إدلب. وتشير المعلومات وبحسب المصادر المتابعة بانّ الاشتباك القطريّ – السعوديّ، وهو وجه من الصراع الإيرانيّ – السعوديّ، قد يستهلك في لبنان، مسألتين بالغتيّ الدقّة:
1-مسألة المخيمات الفلسطينيّة وبخاصّة قضيّة مخيّم عين الحلوة، فالمخيّم هو المنطقة الحسّاسة لانسياب هذا الصراع إلى ساحته، وقد لاحظت بعض الأوساط الأمنية خلال اليومين المنصرمين محاولات حثيثة تجري لتوتير الوضع في المخيمات إسقاطًا لهذا الاشتباك. وقد بدا واضحًا بأنّ هذا الاشتباك يتوسّل دوائر كثيرة للانفجار فيها، وسيكون مداه من البحرين إلى اليمن وسوريا والعراق، فهل يملك لبنان القدرة على نأي ذاته عنه سيّما إذا كان متغلغلاً حتّى العظم في مواقع كثيرة ومواضع عديدة؟
2-العلاقات السياسية بين الأطراف اللبنانية، تعطي هذه المصادر مثالاً بأن لبنان انفجر سياسيّاً وأمنيّاً بعض الشيء تحت ثقل التوتّر السعوديّ – الإيرانيّ، فانساب التوتّر إلى حروب مذهبيّة بين الشيعة والسنيّة في الساحات. وبرأي هذه المصادر قد يتحوّل الاشتباك القطريّ – السعوديّ إلى الدائرة السنيّة بصورة بنيويّة وخطيرة في لبنان وفي كلّ الساحات، ففي لبنان ثمّة من يرتبط مع القطريين بمجموعة مصالح ومنافع وعلاقات مترابطة مثلما ثمة من يرتبط مع السعوديين بالعلاقات نفسها. التوتير السعوديّ – القطريّ بالنسبة لتلك المصادر خطر على السنة، بقدر ما قد يقود إلى توتّر في العلاقة سنة مرتبطين بعلاقات مع السعوديّة وحزب الله خاصّة بانّ قطر وإيران على علاقة طيبة وخلال القمة العربيّة – الأميركيّة رفضت قطر زج إيران كدولة داعمة وراعية للإرهاب.
(الديار)