جورج شاهين:
كثرٌ يعتقدون بالمَثل القائل «ربَّ صدفة خير من ألف ميعاد»، على هذه القاعدة توقّفَ المراقبون أمام شكل وتوقيت ومضمون الإفطار الرئاسي الأول للعهد في قصر بعبدا. وإن كان مؤكّداً أنه شكّلَ هذه الصدفة التي أرجَأت أزمة قانون الانتخاب الجديد وأمدَّت المساعي بجرعة دعمٍ كانت تحتاجها، من دون التثبّت مِن أنّه قد شهدَ على الحلّ لإنقاذ العهد بكامل رجالاته.
يعتقد المراقبون أنّ ما شهده قصر بعبدا أمس الأول شكّلَ مناسبة كان يريدها أركان السلطة الجديدة لسببٍ بسيط، إذ لم يكن مقبولاً إلّا أن يشهد الإفطار السنوي الذي اعتاد رؤساء الجمهورية الدعوة إليه منذ ثلاثة عهود مِثلَ هذه «الجمعة» اللبنانية الواسعة على كلّ المستويات أمام أعضاء السلك الديبلوماسي الأجنبي والعربي والإسلامي.
وإضافةً إلى هذه الأسباب الشكلية الضرورية، يرى المراقبون أنّ العهد كان يحتاج إلى مِثل هذه الصورة الجامعة ومعه المؤسسات الدستورية كافّة، لأسباب عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– وقفُ كلّ أشكال المواجهات الإعلامية ومنعُ التسريبات المتبادلة من أن تفعل فِعلها على الأرض في مناطق ومجتمعات متداخلة يشكّل بعضها خطوط تماس بدأت تشهد مظاهرَ الفتنة.
– أيّ تفاهمٍ سيشكّل بلا شكّ فرصةً للبعض ممّن اعتلوا السقوفَ العالية سياسياً ودستورياً للنزول منها إلى حيث يجب أن يكونوا، وقطعُ الطريق على احتمال وقوع أزمات شخصية بين أقطاب السلطة عزّزتها المواقف والقراءات التي واصَلها «الجيشان» الإلكتروني والحزبي.
– تجنُّب مواجهة دستورية وسياسية بين أهل السلطة أنفسِهم والمؤسسات الدستورية، ظهرَت بوادرها من خلال حرب التفسيرات والفتاوى الدستورية التي ذهبَت بعيداً في استحضار سوابق لا يتناولها الدستور اللبناني ولا يتّسع لها بعد اللجوء إلى تفسيرات من الدستور الفرنسي على أساس أنه المصدر الأساسي للدستور اللبناني.
– إستغلال المناسبة لتحقيق بعض المصالحات الثنائية بين الأقطاب والتي ستشكّل بداياتٍ لعمل فريق من الوسطاء والأصدقاء المشتركين الذين سيتحرّكون في الأيام المقبلة لإنجاز البعض منها بعد كسرِ الجليد في أروقة قاعة 25 أيار ومحيطها.
– إنّ الفشل في التوصّل إلى قانون جديد للانتخاب من شأنه ان يشكّل «سقطة» كبيرة للعهد في بداياته وهو الذي راهنَ على أنّ حكومته الأولى هي التي تُنتجها الانتخابات النيابية المنتظرة وليست الحكومة الحالية.
– إصابة «حكومة استعادة الثقة» بانتكاسة قوية، وهي التي اعتبر رئيسها أنّ عدم التوصّل إلى القانون سيؤكّد فشلها في المهمة التي شُكّلت من أجلها.
– منعُ الوصول إلى الشغور النيابي الذي لم يشهده البلد منذ قيامه، ودرءاً لبوادر التهديدات التي أطلقها الثنائي الشيعي بأنّ مثل هذا الفراغ سيستجرّ شللاً حكومياً وصولاً إلى التشكيك في دستورية رئاسة الجمهورية.
– سيَسمح التفاهم على قانون اعتمد النظام النسبي بالكامل بالتمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً، كما يريد جميع أهل السلطة. فهُم يحتاجون إلى هذه المهلة التي تمتدّ من ستة أشهر إلى سَنة لـ«تكييف الشعب مع رغباتهم»، و«تطويع المعارضين» بسحبِ البساط من تحت أقدامِهم وإغراء «المواطنين – الناخبين» بتقديمات السلطة، ومنها إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمدنيين والعسكريين. وكلّ ّّذلك بحجّة شرحِ القواعد الانتخابية الجديدة لهم وتدريب الموظفين على إدارتها، بدلاً من «سلقِ» الانتخابات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
– الردّ المباشر على الانتقادات الدولية التي عبّرت عنها سلسلة بيانات تحذيرية صَدرت عن هيئات ديبلوماسية وتجمّعات إقليمية ودولية وهيئات مراقبة دعَت أركانَ السلطة الى إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ أياً كانت الأوصاف السيئة التي وصِف بها هذا القانون الذي لا يمكن اعتباره لاغياً قبل توفير البديل منه، واحتراماً لمبدأ التداول في السلطة في مؤسسة تسمّى أمَّ السلطات ومنشأ لآليات تركيب السلطات الأخرى والمؤسسات الدستورية.
أمام هذه الملاحظات وغيرها، كان لا بدّ مِن إعطاء مهلة إضافية تؤجّل الانفجارَ الذي كان محتملاً بين أركان السلطة، ولا سيّما في ظلّ ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحيات كانت منسيّة فاجَأ بها الوسطَ السياسي وأعطته جرعاتٍ من المعنويات غيرِ المحسوبة سابقاً رَفعت من مستوى التحدّي بين المحيطين به وحلفائه وحلفاء الحلفاء والمعارضين على السواء.
وأضيف إلى ذلك لجوء رئيس المجلس النيابي الذي يَحتسب خطواته عادة بدقّة متناهية لا تحتمل الخطأ، إلى أعراف وفتاوى لتجاوزِ ردّات الفعل على مخالفة دستورية ارتكبَها لمجرّد تأجيلِ الجلسة النيابية من نهاية العقدِ العادي للمجلس إلى عقدٍ استثنائي لم يبدأ بعد استناداً إلى وعدٍ قطعَه رئيس الحكومة لم يَكتمل فصولاً قبل وصول موعد الجلسة في 29 أيار الماضي، عدا عن تحدّيه موقفَ رئيس الجمهورية الذي أبلغَه صراحةً أنّه لن يكون هناك دورةٌ استثنائية قبل موعد الجلسة الذي كان مقرّراً في 5 حزيران الجاري، وهو ما ثبتَ من خلال فتحِها بعد يومين على الموعد المقترَح منه، وحصرها في قانون الانتخاب لتسريع التفاهمات الجاري ترتيبُها في الكواليس ومنع استغلالها في قضايا أخرى.
إلى ذلك، سيَسمح التوافق السياسي والحكومي بتوفير المخرج لرئيس مجلس النواب للعودة عن دعوته إلى جلسة 5 حزيران التي اعتُبرت وكأنّها لم تكن، من دون معرفة شكلِ ومضمون الخطوة التي سيَلجأ إليها لإمرار هذه المحطة بالحدّ الأدنى من الخسائر.
وبناءً على ما تقدَّم، وفي حال العودة إلى الممارسات السابقة التي عطّلت مساعي توليد القانون الانتخابي في اللحظات الأخيرة، لا يرى المراقبون في كلّ ما حدث إلى اليوم سوى تأجيل للمأزق الكبير وتمديد للمهل، من دون ضمان الوصول إلى النهايات السعيدة بهدف تجاوزِ الأزمة توصّلاً إلى تطويقها وإنقاذ العهد برُمَّته ومعه رجالاته بلا استثناء، فجميعُهم في مركب واحد.
وإضافةً إلى هذه الأسباب الشكلية الضرورية، يرى المراقبون أنّ العهد كان يحتاج إلى مِثل هذه الصورة الجامعة ومعه المؤسسات الدستورية كافّة، لأسباب عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
– وقفُ كلّ أشكال المواجهات الإعلامية ومنعُ التسريبات المتبادلة من أن تفعل فِعلها على الأرض في مناطق ومجتمعات متداخلة يشكّل بعضها خطوط تماس بدأت تشهد مظاهرَ الفتنة.
– أيّ تفاهمٍ سيشكّل بلا شكّ فرصةً للبعض ممّن اعتلوا السقوفَ العالية سياسياً ودستورياً للنزول منها إلى حيث يجب أن يكونوا، وقطعُ الطريق على احتمال وقوع أزمات شخصية بين أقطاب السلطة عزّزتها المواقف والقراءات التي واصَلها «الجيشان» الإلكتروني والحزبي.
– تجنُّب مواجهة دستورية وسياسية بين أهل السلطة أنفسِهم والمؤسسات الدستورية، ظهرَت بوادرها من خلال حرب التفسيرات والفتاوى الدستورية التي ذهبَت بعيداً في استحضار سوابق لا يتناولها الدستور اللبناني ولا يتّسع لها بعد اللجوء إلى تفسيرات من الدستور الفرنسي على أساس أنه المصدر الأساسي للدستور اللبناني.
– إستغلال المناسبة لتحقيق بعض المصالحات الثنائية بين الأقطاب والتي ستشكّل بداياتٍ لعمل فريق من الوسطاء والأصدقاء المشتركين الذين سيتحرّكون في الأيام المقبلة لإنجاز البعض منها بعد كسرِ الجليد في أروقة قاعة 25 أيار ومحيطها.
– إنّ الفشل في التوصّل إلى قانون جديد للانتخاب من شأنه ان يشكّل «سقطة» كبيرة للعهد في بداياته وهو الذي راهنَ على أنّ حكومته الأولى هي التي تُنتجها الانتخابات النيابية المنتظرة وليست الحكومة الحالية.
– إصابة «حكومة استعادة الثقة» بانتكاسة قوية، وهي التي اعتبر رئيسها أنّ عدم التوصّل إلى القانون سيؤكّد فشلها في المهمة التي شُكّلت من أجلها.
– منعُ الوصول إلى الشغور النيابي الذي لم يشهده البلد منذ قيامه، ودرءاً لبوادر التهديدات التي أطلقها الثنائي الشيعي بأنّ مثل هذا الفراغ سيستجرّ شللاً حكومياً وصولاً إلى التشكيك في دستورية رئاسة الجمهورية.
– سيَسمح التفاهم على قانون اعتمد النظام النسبي بالكامل بالتمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً، كما يريد جميع أهل السلطة. فهُم يحتاجون إلى هذه المهلة التي تمتدّ من ستة أشهر إلى سَنة لـ«تكييف الشعب مع رغباتهم»، و«تطويع المعارضين» بسحبِ البساط من تحت أقدامِهم وإغراء «المواطنين – الناخبين» بتقديمات السلطة، ومنها إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمدنيين والعسكريين. وكلّ ّّذلك بحجّة شرحِ القواعد الانتخابية الجديدة لهم وتدريب الموظفين على إدارتها، بدلاً من «سلقِ» الانتخابات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
– الردّ المباشر على الانتقادات الدولية التي عبّرت عنها سلسلة بيانات تحذيرية صَدرت عن هيئات ديبلوماسية وتجمّعات إقليمية ودولية وهيئات مراقبة دعَت أركانَ السلطة الى إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ أياً كانت الأوصاف السيئة التي وصِف بها هذا القانون الذي لا يمكن اعتباره لاغياً قبل توفير البديل منه، واحتراماً لمبدأ التداول في السلطة في مؤسسة تسمّى أمَّ السلطات ومنشأ لآليات تركيب السلطات الأخرى والمؤسسات الدستورية.
أمام هذه الملاحظات وغيرها، كان لا بدّ مِن إعطاء مهلة إضافية تؤجّل الانفجارَ الذي كان محتملاً بين أركان السلطة، ولا سيّما في ظلّ ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحيات كانت منسيّة فاجَأ بها الوسطَ السياسي وأعطته جرعاتٍ من المعنويات غيرِ المحسوبة سابقاً رَفعت من مستوى التحدّي بين المحيطين به وحلفائه وحلفاء الحلفاء والمعارضين على السواء.
وأضيف إلى ذلك لجوء رئيس المجلس النيابي الذي يَحتسب خطواته عادة بدقّة متناهية لا تحتمل الخطأ، إلى أعراف وفتاوى لتجاوزِ ردّات الفعل على مخالفة دستورية ارتكبَها لمجرّد تأجيلِ الجلسة النيابية من نهاية العقدِ العادي للمجلس إلى عقدٍ استثنائي لم يبدأ بعد استناداً إلى وعدٍ قطعَه رئيس الحكومة لم يَكتمل فصولاً قبل وصول موعد الجلسة في 29 أيار الماضي، عدا عن تحدّيه موقفَ رئيس الجمهورية الذي أبلغَه صراحةً أنّه لن يكون هناك دورةٌ استثنائية قبل موعد الجلسة الذي كان مقرّراً في 5 حزيران الجاري، وهو ما ثبتَ من خلال فتحِها بعد يومين على الموعد المقترَح منه، وحصرها في قانون الانتخاب لتسريع التفاهمات الجاري ترتيبُها في الكواليس ومنع استغلالها في قضايا أخرى.
إلى ذلك، سيَسمح التوافق السياسي والحكومي بتوفير المخرج لرئيس مجلس النواب للعودة عن دعوته إلى جلسة 5 حزيران التي اعتُبرت وكأنّها لم تكن، من دون معرفة شكلِ ومضمون الخطوة التي سيَلجأ إليها لإمرار هذه المحطة بالحدّ الأدنى من الخسائر.
وبناءً على ما تقدَّم، وفي حال العودة إلى الممارسات السابقة التي عطّلت مساعي توليد القانون الانتخابي في اللحظات الأخيرة، لا يرى المراقبون في كلّ ما حدث إلى اليوم سوى تأجيل للمأزق الكبير وتمديد للمهل، من دون ضمان الوصول إلى النهايات السعيدة بهدف تجاوزِ الأزمة توصّلاً إلى تطويقها وإنقاذ العهد برُمَّته ومعه رجالاته بلا استثناء، فجميعُهم في مركب واحد.