غروب اليوم الخميس، يجلس «الرئيسان اللدودان»، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، جنباً إلى جنب في إفطار القصر، وهما اللذان يقفان وجهاً لوجه في معارك لا تنتهي، يختلطُ فيها السياسي والشخصي، وآخرها «الأمر لمَن» في فتحِ أبواب البرلمان اللبناني بدءاً من اليوم، أي مع انتهاء العقد العادي، ووسط ملابساتٍ دستورية تتّصل بـ«النص والاجتهاد» حيال فتح الدورة الاستثنائية كـ «فرصةٍ أخيرة» لإقرار قانونِ انتخابٍ تَجنُّباً لسيناريواتٍ سوداوية بعد 20 يونيو الجاري، موعد نهاية ولاية البرلمان.
سيتبادل فخامة الجنرال ودولة الأستاذ الابتسامات، وربما النكات، التي لا تُصْلِح في الكيْد قضية، فهما يخوضان الآن صولاتٍ وجولاتٍ من عضّ الأصابع وليّ الأذرع في معركةٍ شرسة حول قانون الانتخاب، ليست الأولى بين الرجليْن ولن تكون الأخيرة، إذ بدت بمثابة تأكيد المؤكد في «الودّ الملغوم»، وبلوغ العلاقة بينهما حدّ «حربٍ باردةٍ» غالباً ما يُستخدم فيها «غاز الأعصاب» السياسي والكمائن الدستورية وما ملكت أيديهما من «سلاحٍ أبيض»، رغم دور الإطفائي لحليفهما «حزب الله» الذي يؤدي مهمّة «قوات الفصْل» في دَوْزَنَة الاشتباك الدائم بينهما.
ولم تكن الأفخاخ الدستورية المتبادلة بين عون وبري حيال فتْح الدورة الاستثنائية، التي تشكل «الطبَق الرئيسي» على مائدة الإفطار السياسي اليوم في القصر، سوى واحد من فصول العلاقة الشائكة بين الجنرال العنيد الذي تستهويه تكتيكاتٌ قتالية خبِرها على جبهاتِ حروب التحرير والإلغاء والرئاسة، والأستاذ البارع في مناوراتٍ كسِبها في حروب الشوارع وجعلتْه مُمْسِكاً لمدى لا يستهان به بـ «خيوط اللعبة»… وها هما الآن يختبران خبراتهما في أمّ المعارك التي تَحْكم نتائجها المستقبل السياسي للبنان، أي قانون الانتخاب.
وثمة مَن يعتقد أن عون الذي اتّهم بري ضمناً بـ «اللعب بأعصابه» في جلسة «الهرْج والمرْج» لانتخابه رئيساً للجمهورية حين قال له رئيس البرلمان «النصاب في جيْبي» قبل أن يشتمّ «الجنرال» رائحة محاولةٍ لاستفزازه وتطيير الجلسة، ربما أراد الآن «ردّ التحية بمثْلها» لبري بقوله ها هو مفتاح البرلمان في جيبي، بعدما أخّر مرسوم الدورة الاستثنائية، وأوحى قريبون منه ان تحديد بري لجلسةٍ بناءً لاجتهادٍ دستوري مجرّد «هرطقة» لا طائل منها، في مشهدٍ ينطوي على محاولةِ «اللعب بأعصاب» رئيس البرلمان المتوجّس من ابتزازه على عتبة الفراغ.
بلوغ العلاقة هذا المستوى من التوتر والتحدي والتدافُع بين فريقيْ عون وبري في لحظةٍ خطرة، بدا في نظر الكثيرين «مفاجأةً غير مفاجئة» نتيجة خطٍّ بياني تصاعُدي ومُتَدَرِّج يستند الى الكيمياء المفقودة بين الرجليْن والى «هوّةٍ» في الأمزجة والمصالح، و«تراثٍ» من الخلافاتِ والكيدياتِ، رغم جلوسهما معاً الى يمين «حزب الله» ويساره كحليفيْن متباعديْن، ومكوثهما سوياً في الخيم التي احتلّت وسط بيروت على مدى نحو عامين لاسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (2006 – 2008) ومساكنتهما في إطارٍ موالٍ لخط «الممانعة».
فالرئيس بري كان واضحاً وحاسماً في معارضته انتخاب العماد عون، مرشح شريكه في الثنائية الشيعية، رئيساً للجمهورية وشكّل رأس حربةٍ في معركة إيصال النائب سليمان فرنجية الذي لم يصل، فهو كان مستعدّاً للسير بأيّ مرشح إلا عون، حسب ما كان أبلغه الى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي تفهّم بري لكنه مضى قدماً في إيصال عون الى الرئاسة لاعتباراتٍ قيل إن بعضها يتصل بـ «الوفاء» وبعضها الآخر «اضطراري» لاكتمال النصاب السياسي – الطائفي لانتخابه، إضافة الى التموْضع الاقليمي لـ «الجنرال» في المحور الإيراني.
ويحلو للبعض القول في هذا السياق، ان رئيس البرلمان الذي أُرغم على تَجرُّع كأس التسوية لانتخاب عون رئيساً ولم يَرُق له الأمر، أدار اللعبة على النحو الذي جعل فوزه من الدورة الثالثة في جلسةٍ راوحتْ بين الهزلية وحرب الأعصاب، ليعلن بعدها ومباشرةً بدء «الجهاد الأكبر» في معركة قانون الانتخاب الدائرة رحاها الآن على تخوم نهاية ولاية البرلمان الذي يستشعر رئيسه بمحاولةٍ لحشْره من عون وتياره بين مطرقة الشروط المتّصلة بقانون الانتخاب وسندان فتح دورة استثنائية، وكل ذلك على مرمى حجر من الفراغ الذي يتهدّد البرلمان في 20 الجاري.
… على المائدة الرمضانية في القصر الجمهوري غروب اليوم، سيتصافح الرئيسان وربما يتصالحان إيذاناً بصعود الدخان الأبيض… فالمسألة الآن في مرمى حليفهما «حزب الله» الذي يفترض أن يكون باشر مهمة فك الاشتباك بينهما بعدما احتكما إليه، من خلال هنْدسته لعمليةِ «تدوير الزوايا» وتوزيعه الضمانات وإخراجه لمشهد الـ «لا غالب ولا مغلوب»، فهو يحتاج الى حفْظ تحالفه مع عون الذي عرف مكانته فتدلّل، ويحرص بالتأكيد على عدم تعريض مكانة شريكه بري للاهتزاز… فهل ينجح؟
(الراي)