د. عامر مشموشي:
يبدو للمتابعين لخفايا وخلفيات النقاش الدائر بين القوى السياسية التي تتحكم بالسلطة ومعها الدولة حول آخر طبعة لقانون الانتخاب والمقترحة من نائب رئيس القوات اللبنانية النائب جورج عدوان، ان هذه القوى ما زالت تلعب في الوقت الضائع الذي يفصل عن تاريخ العشرين من حزيران الجاري للعودة الى قانون الستين كأمر واقع تجري على اساسه الانتخابات النيابية وتوفر على هؤلاء جميعاً فضيحة التمديد الثالث للمجلس او الدخول في الفراغ القاتل، الذي من شأنه اذا ما حصل ان يؤدي الى مخاطر كبيرة اقلها سقوط النظام الديمقراطي المعتمد في لبنان منذ الانتداب الفرنسي، ويدفع بالجميع اما الى مؤتمر تأسيسي لا يعلم إلا الله نتائجه الكارثية على الوحدة الوطنية وعلى صيغة العيش المشترك التي يتميز بها هذا البلد عن غيره من الدول ذات التعددية الطائفية.
واذا كان مثل هذا التوصيف غير مطابق على الوضع القائم وعلى الاهداف التي تسعى للوصول الى قانون انتخابي يستجيب لمطالب كل المكونات الطائفية ولا يستهدف احداً منها، فلماذا مثلاً ألمح رئيس الجمهورية الذي يرفع السيف على قانون الستين بأنه لن يسمح بالفراغ ولو كان البديل هو اجراء الانتخابات النيابية على اساس قانون الستين الذي لا يزال معمولاً به طالما ان مجلس النواب لم يقر قانونا جديدا للانتخابات، ثم لماذا ما زال الرئيس عون والتيار الوطني الحر الذي اسسه يمانع في الموافقة على اقتراح نائب رئيس القوات اللبنانية النائب جورج عدوان المبني على النسبية الكاملة التي كان التيار الوطني الحر يرفعها شعار معركته من اجل تصحيح التمثيل المسيحي الا بعد تفريغه من مضمونه من خلال الصوت التفضيلي على اساس طائفي ونقل عدد من المقاعد النيابية للمسيحيين من مناطق ذات كثافة اسلامية الى مناطق ذات كثافة مسيحية كالمقعد الماروني في طرابلس على سبيل المثال او المقعد الماروني في دائرة بعلبك – الهرمل وقِس على ذلك. وثم ايضاً لماذا انفجر الخلاف الدستوري فجأة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب حول فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب ما دام النص الدستوري واضحاً مثل وضوح الشمس لجهة نص المادة 95 من الدستوري التي تعطي رئيس الجمهورية وحده بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء حق اصدار مرسوم فتح الدورة الاستثنائية وتحديد مشاريع القوانين والاقتراحات التي يتضمنها مرسوم فتح الدورة.
وأبعد من هذا وذاك من الجدال الدستوري الذي لا مبرر له لماذا تصدى الرئيس بري وهو المتمسك بالنسبية الكاملة لأنها حسب وجهة نظره ونظر حليفه حزب الله هي وحدها الكفيلة بإنجاز قانون يحقق التمثيل العادل والصحيح ويقي الجميع شر الدخول في المؤتمر التأسيسي الذي في حال حصوله يفتح الباب امام التقسيم الذي تجاوزه اللبنانيون بعد حرب الـ75 حفاظاً على الوجود المسيحي من جهة، وعلى صيغة لبنان الفريدة التي يتغنى بها اللبنانيون.
فالرئيس بري وحليفه حزب الله لا يقبلون بأي قانون لا يقوم على النسبية الكاملة وكلاهما رفض كل مشاريع القوانين التي طرحت من الاكثري الى المختلط ومن ثم الى النسبية الكاملة المشروطة من قبل الثنائي المسيحي بالصوت التفضيلي على اساس طائفي ونقل محدود من المقاعد المسيحية من مناطق ذات غالبية اسلامية الى مناطق ذات غالبية مسيحية لأن ذلك يعدل بشكل او بآخر في التمثيل المسيحي الصحيح لمصلحة المسيحيين ويلبي من جهة ثانية مطلب الثنائي الشيعي في اعتماد النسبية كونها تعطي الجميع حقوقهم وتلغي هيمنة زعماء الطوائف على الانتخابات النيابية.
وإذا كان رئيس القوات اللبنانية المتابع للتفاصيل الدقيقة للاتصالات التي يجريها نائبه جورج عدوان مع كل من حزب الله وحركة «امل» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المستقبل» ويعترف بأنها أحرزت تقدماً كبيراً وصل الى حدود الـ 95٪ ولم يبقَ الا 5٪، فلماذا مازال يصر على الصوت التفضيلي على اساس طائفي وعلى نقل عدد من المقاعد المسيحية بدلا من ان يكتفي بالنسبية الكاملة على اساس انها تحقق التمثيل العادل والصحيح وتعيد للمسيحيين حقوقهم الكاملة وغير المنقوصة، اذا لم يكن وراء مثل هذا الاصرار كل الشياطين التي تؤدي حكماً الى العودة لقانون الستين ما دام ان الجميع متفق على منع الفراغ والتمديد الثالث للمجلس الحالي حرصاً منهم على صورة لبنان في المحافل الدولية وعلى عدم الانزلاق في المجهول الذي من اولى مؤشراته المؤتمر التأسيسي من جهة والتقسيم من جهة ثانية رغماً عما يقوله البعض ان هذا البلد اصغر من ان يقسم.