وجاء في كتاب حمادة، «إن موجبات لبنان التعليمية والوطنية تفرض إعادة محور القضية الفلسطينية إلى منهج التاريخ للصف التاسع أساسي للعام الدراسي 2017 ــ 2018، وإلغاء كل قرار مخالف صدر في بداية العام الدراسي 2016 ــ 2017، بحذف هذا المحور، واعتبار القرارات التي نصت على ذلك والتعديلات المتعلقة به في مشروع ما سمي التخفيف لاغية وكأنها لم تكن». وكلف حمادة المركز إفادته بالإجراءات المتخذة لتنفيذ مضمون الكتاب، وأرسل نسخة من هذا الكتاب إلى المدير العام للتربية للعمل بمضمونه، علما انه لم يجر التثبت من الإجراءات المنوي اتخاذها ليصبح القرار نافذا.
بو صعب: اين المنهاج؟
اما الوزير السابق الياس بو صعب، المتهم بترك الامور من دون معالجة، فقد سارع الى توضيح موقفه قائلا انه حاول القيام بالامر نفسه الذي قام به حمادة، لكن التعطيل جاء بسبب عدم صدور قرار عن الحكومة بوضع المنهاج الجديد قبل طلب تدريسه. لكن موقف بوصعب كان محل انتقاد بسبب لأنه لم يمارس الضغط الكافي في الحكومة او في وزارة التربية لتصحيح الامر.
بوصعب حاول الدفاع عن موقفه، صباح امس، بشنّ هجوم شخصي مرفوض على معدّة التقرير (الزميلة فاتن الحاج). ثم برر عدم معالجة المشكلة بأن قرار تعليق تدريس محور «القضية الفلسطينية» أصدره وزير التربية السابق محمد يوسف بيضون في 19 تشرين الأول 2000.
وقال بو صعب في بيان ارسله الى «الاخبار» إنه «لم تكن هناك دروس أصلاً لكي تُلغى، إنّما هناك قرار اتُخذ على عهد وزير التربية الأسبق محمد يوسف بيضون عام 2000، حدد بموجبه الدروس التي تعطى في مادة التاريخ وحذف بموجبه المادتين المتعلقتين بفلسطين بسبب الخلافات الحاصلة بشأن منهج كتاب التاريخ آنذاك. إنما قراري أنا عام 2016 كان محاولة لإعادة القضية الفلسطينية إلى المنهج وقد تمت إعادتها فعلاً وهذا ما تم نشره، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، لم يتم التوافق بعد في مجلس الوزراء على الكتاب الموحّد لمنهج التاريخ، بسبب الخلافات والتجاذبات السياسية، ومنها المتعلق بالقضية الفلسطينية والحرب الأهلية اللبنانية وغيرها. إذ إن كل مجموعة تابعة لحزب معيّن تصرّف التاريخ من منطلق مختلف، ما يبرر قرار الوزير بيضون آنذاك. إنما تبقى الحقيقة أن هذا القرار اتخذه الوزير بيضون عام 2000 ولست أنا من اتخذه عام 2016 كما ادعى مقالكم».
وتابع الوزير السابق «كانت هناك فترة أسبوعين للإعتراض على هذا الموضوع وأتى الإعتراض آنذاك من إتحاد المدارس الخاصة ومن معظم التربويين، الذين اعتبروا أنه لا يمكن إعادة تدريس هذه المواد إلا إذا أقرّيتم منهج كتاب التاريخ، لأن هناك خلافات وطلبوا تبرير القرار المتخذ وفق أي منهج اتُخِذ لإعادة هذه المواد. وبما أن مجلس الوزراء لم يتوصل إلى توافق لإقرار منهج كتاب التاريخ، لم نستطع حماية قرارنا بإعادة إدخال هذه المواد إلى منهج التدريس وبالتالي لم يُعد إدخالها. لكن الحقيقة الثابتة هي أني لم ألغِ أي مادة لأنها لم تكن موجودة أصلاً وما كُتب هو افتراء».
وبما خص موضوع الكتب والهبة البريطانية وما ورد في تقرير «الاخبار»، رد بوصعب قائلاً: «في العام 2014، اشترطت الحكومة البريطانية وضع اسم «إسرائيل» (لا فلسطين المحتلة) على الخريطة الواردة في كتاب الجغرافيا، وإلا فلن تصرف هبة مخصصة لدعم شراء كتاب الجغرافيا في المدارس الرسمية وبعد فترة قصيرة، قدّمت الحكومة البريطانية تمويلاً آخر لإعادة النظر في المناهج التعليمية، وأصرّت على تخصيص هذا التمويل عبر مؤسسة تدعى أديان، وعندما تسلّمتُ الوزارة من الوزير السابق، كان هناك تفاهم مع السفارة البريطانية لمساعدة الدولة اللبنانية من خلال تقديم كتب مدرسية مجاناً لجميع الطلاب النازحين والطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية. وعندما اطلعت على بنود هذا التفاهم اكتشفت أن كتاب الجغرافيا مُستثنى من هذه التقدمة، كون مادة الجغرافيا المدرّسة حسب مناهجنا تتحدث عن فلسطين ولا وجود لإسرائيل فيها. وكان الإتفاق يقضي بتقديم هبة تشمل جميع الكتب المدرسية ما عدا كتاب الجغرافيا. فكان جوابي في مؤتمر صحافي موثق نشرته صحيفتكم عام 2014 وكافة الصحف، وقلت حينها ان هذا القرار فيه تعدٍّ على السيادة اللبنانية، وأنا كوزير تربية لبنانية لا أقبل أي تقدمة تستثني كتاباً في منهجنا، وأعتبر هذا التصرف تدخلاً في شؤوننا الداخلية وبالتالي أرفض كل الهبة، فإما أن تشمل جميع الكتب ومنها كتاب الجغرافيا كما أقرته الدولة اللبنانية، أو لا نريد هذه الهبة. وكانت النتيجة أن تراجعت الجهة المانحة عن قرارها وشملت الهبة كل الكتب كاملة».
وحول عمل مؤسسة «أديان»، قال بوصعب: «لا هذه المؤسسة ولا غيرها مسؤول عن المناهج، وليست هذه المؤسسات من يوافق على المناهج، هذه الصلاحية هي مسؤولية المركز التربوي، وهو المسؤول عنها. وعندما كان هناك اعتراض أو شكوى من قبل حزب الله، تم الطلب من جميع اللجان التي تعمل على هذا الموضوع بأن تضم كل الأفرقاء السياسيين على الساحة اللبنانية بخاصة في هذه البرامج الحساسة، وقد ضمت اللجان فعلاً الأسماء المقترحة من قبل كل الأطراف بمن فيهم حزب الله».
أما في ما يتعلق بالقرار الذي أصدره الوزير حمادة امس فقد رأى بوصعب «أن من حول الوزير حمادة ضللوه وأفادوه بمعلومات خاطئة، بخاصة أنني لم أتخذ أي قرار من هذا النوع. وكان الأجدى بوزير التربية أن يتحقق من الموضوع قبل إصدار قرار لا أساس له. ونحن نؤيّد عودة هذه المواد كما طالبنا بها، ولكن على الوزير أن يرفع منهج كتاب التاريخ إلى مجلس الوزراء وأن يسعى إلى إقراره، عسى أن ينجح بذلك ويحقق ما لم أستطع فعله أنا مع الحكومة السابقة. وأقول للوزير حمادة: آمل أن لا تكون خلفية من يدفعك في هذا الاتجاه استهداف بعض المواقع الوظيفية التابعة لوزارة التربية لاستبدال القيمين عليها بأشخاص آخرين من جهة معينة كما بات معروفا، والموضوع انتهى منذ ذلك الحين وليس بجديد».
قرار بوصعب جديد ولا يمكن التذرع بقرار سابق صادر عام 2000
وختم بو صعب: «قد يكون الهدف الحقيقي استهداف المركز التربوي، وانا لدي تاريخي وحاضري ويشهدان أنني لم ولن أساوم أبداً لا في القضية الفلسطينية ولا في قضايا المقاومة أو أي قضية وطنية أخرى».
ردود فعل
وكان نشر التقرير قد اثار ردود فعل واسعة في الأوساط التربوية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وبالاستناد إلى استطلاع قامت به «الأخبار» شمل عدداً من أساتذة التاريخ في الصف التاسع، يتبين أن هؤلاء كانوا يجهلون وجود قرار صادر عن الوزير بيضون في هذا الخصوص، وبدا من إجاباتهم أنهم كانوا منقسمين بين من يدرّس محور القضية الفلسطينية كما هو في منهاج التاريخ (3 حصص)، وبين من لا يوليها أهمية، باعتبار أنه لم يحصل أن طرح سؤال عنها في الامتحانات الرسمية. المفارقة أن رابطة التعليم الأساسي الرسمي لم تكن تعلم ما إذا كان المحور مشطوباً أو لا، والسبب هو استبعادها عن كل الإجراءات المتعلقة بالمناهج والامتحانات، وهي ذهبت، بحسب رئيسها محمود أيوب، إلى الوزير حمادة لتؤكد له أنّها ترفض رفضاً قاطعاً إلغاء محور القضية الفلسطينية، وأن لبنان لا يستطيع أن يكون متناقضاً مع تاريخه، فهو دفع آلاف الشهداء في المواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني، ومن غير المسموح اللعب بهذا التاريخ.
ولفت أساتذة ممن استطلعت «الأخبار» مواقفهم إلى أن قرار بوصعب الأخير لم يكن قراراً «عاديا» يقضي بتنفيذ قرارات وزراء سابقين، بل كان قراراً جديداً بالكامل، فهو تضمن إعادة تدريس محاور كانت معلقة سابقاً، وتضمن تعليق تدريس محاور لم تكن معلقة، وأبقى على تعليق محاور كانت معلقة، وهذا يدحض أي ادعاء عن أن قرار بوصعب لم يأت بأمر جديد. ويقول بعض الأساتذة إن بوصعب كان هو الوزير، أي السلطة العليا في الوزارة، ولم يكن يوجد أي عائق أمامه يمنعه من إبقاء محور «القضية الفلسطينية»، بدليل أن الوزير حمادة اتخذ قراراً فورياً بإعادة تدريس هذا المحور اعتباراً من العام الدراسي المقبل، كون العام الدراسي الحالي انتهى.
يوضح مصدر على صلة بإعادة النظر في المناهج «أن كل محاور المنهج المكتوب في كل المواد وضعت بين أيدي اللجان التي تعمل عادة على تعديل المناهج، ولو كانت هناك نية بإعادة إدراج محور القضية الفلسطينية لحصل ذلك، لكن المسألة أن هناك عدم إرادة بتدريس هذا المحور، نظراً إلى الخلاف الذي لا يزال قائماً حول أشكال المقاومة وظهور تيار سياسي يسعى في أكثر من لجنة إلى المساواة بين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية للفلسطينيين والمقاومة ضد الوجود السوري».
موقف المركز التربوي منسجم مع موقف لبنان
أوضح الدكتور أنطوان طعمة أنّه ليس «مستشار المركز» كما ورد في التقرير المنشور في «الأخبار»، أمس، تحت عنوان «شطب القضية الفلسطينية»، بل هو أحد أعضاء لجنة الخبراء، وبهذه الصفة هو أحد المستشارين في المركز! وقال إن الموضوع الذي طُرح علينا، لمناسبة عيد المقاومة والتحرير، هو دور التربية على روح المقاومة في مشروع تطوير المناهج وإمكان ورود التراجع عنها، في ذهن البعض، باسم الدعوة الى السلام والمسالمة، ولم يتناول الحديث، لا من قريب ولا من بعيد، موضوع الدروس التي أسقطت من المناهج الحالية تحت عنوان التخفيف من كثافة محتوى مواد الامتحانات الرسمية، وهذا موضوع لم أستشر به. ورأى طعمة أنّ موقف رئيسة المركز كان واضحاً لا يقبل التأويل، ومتقدّماً وصادقاً في مبدئيته: «المقاومة حق مشروع وواجب مقدّس»، وفي توازنه لجهة احترام حقوق الإنسان وترسيخ قيم الحق والعدل والسلام، بعيداً من «روح الخنوع والاستسلام»، في إعلاء لقيم «الفداء والبطولة». وهذا الموقف منسجم مع موقف لبنان الرسمي، ومع روحية خطاب القسَم، والكلام على «العين الساهرة» في المركز التربوي والحذرة من «الخواصر الرخوة»، يندرج في هذا السياق. وذكّر بأنّ النصوص التي تصدر عن المركز التربوي بصياغة نهائية، في إطار تطوير المناهج، نصوص رسمية محكومة بالموقف الرسمي لا بوجهات نظر خاصة.
(الاخبار)