كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”: “المعلومات عن المفاوضات مع الأميركيين حول العقوبات المحتمَلة على “حزب الله” لا توحي بنتائج ملموسة. وفيما تتحرك الوفود لتعطيل هذه العقوبات، سُمِع مَن يطرَح السؤال الآتي: هل صحيحٌ أنّ اللبنانيين يتحايلون على قانون العقوبات الحالي لتدبير أمور “حزب الله” وصفقاتٍ أخرى؟ يجزم خبيرٌ أميركي متابع لملف العقوبات على “حزب الله” أنّ هناك عقوبات جديدة قيد الصدور، ويتم التحضير لها في الكونغرس. ويرى أنّ الوفود اللبنانية تجهد عبثاً لتعطيل العقوبات، لأنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب واضحة في توجّهاتها وماضية في تحقيق أهدافها، وهي تفكيك المنظمات الموصوفة بأنها إرهابية، وبينها “حزب الله”.
ويقول: “يحاول “حزب الله”، عبر حلفائه، أن يصوِّر للبنانيين أنّ العقوبات الجديدة ستضرب الاقتصاد اللبناني. لكن هذا ليس صحيحاً، لأنّ العقوبات ستقتصر على الذين يتشاركون مع “الحزب” عمليات تبييض الأموال، وحدهم دون سواهم”.
وتأكيداتُ الخبير الأميركي، من واشنطن، لا تنفيها أجواء الوفدين اللبنانيين، النيابي والمصرفي، العائدين من المفاوضات هناك. فما أعلنه النائب ياسين جابر، على رغم مظهره الإيجابي، لا يوحي بالتفاؤل. وبين سطوره، يتأكد الاتجاه الأميركي إلى مزيد من العقوبات على “حزب الله”.
وفي المقلب اللبناني من الصورة، يتوقف المتابعون عند معطيات أخرى. ففي الأسابيع الأخيرة، زار لبنان وفد أميركي من 9 أعضاء، يتَمَثَّل فيه الحزبان الجمهوري والديموقراطي، في مَهمّة بقيت بعيدة عن الأضواء، وتندرج في سياق سعي الإدارة الأميركية إلى بناء توجّهاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
وقد تمّ تبديل بعض أفراد الوفد، بعد أيام من بدء جولاته في لبنان، ليضمّ تقنيين في الشأن الأمني، بهدف الوقوف عند حاجات المؤسسات الأمنية ومواجهة التحديات في المرحلة الراهنة. وقد زار الوفد مسؤولين ومرجعيات سياسية وعسكرية واقتصادية، بينها رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الانطباعات التي تشكّلت لدى الفريق الأميركي الزائر هي الآتية:
1- إنّ لبنان بلد جدير بالدعم والإنقاذ. ولكن، من أجل تحقيق هذا الهدف، هو يحتاج إلى ما سمّاه البعض “الحبّ التأنيبي” أي التنبيه من سلوكه الخيارات الخاطئة، خصوصاً لجهة الالتباس في الموقف من “حزب الله”.
فإذا كان الخطاب الرسمي اللبناني يعتبر “الحزب”- لا الطائفة الشيعية- جزءاً من النسيج الوطني اللبناني الذي لا يجوز استهدافه بالعقوبات، فهذا يعني أنّ اللبنانيين وضعوا أنفسهم جميعاً في مركب واحد. ولا غرابة في أن تستهدفَهم العقوبات معاً في هذه الحال. ويقول البعض: “هذا المنطق خطر أيضاً في ظل المخاوف من مواجهة عسكرية بين إسرائيل و”الحزب”، والتي يُشاع الحديث عنها، لأنّ لبنان عندئذٍ سيكون في مأزق”.
ففي حرب تموز 2006، أعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أنّ ما يقوم به “حزب الله” لا يمثّل لبنان الرسمي. ولذلك، ربما، لم تُستهدَف المرافق العامة كالمطار أو المرفأ أو سواهما. ومن الخطأ اليوم أن يغامر لبنان الرسمي بإعلان تماهيه الكامل مع سياسة “الحزب”.
2- تشفع بلبنان القدرة التقنية العالية التي تتمتع بها المؤسسات العسكرية والأمنية، من قوى أمن وأجهزة، والتي هي محطّ إعجاب الأميركيين، خصوصاً لجهة الاندفاع القتالي. لكنّ الارتياح، على المستوى العسكري والأمني، لا يكفي لتعويض الاشمئزاز الذي يميِّز النظرة العامة في الكونغرس والبيت الأبيض إلى غالبية الطاقم السياسي اللبناني.
3- يسجِّل الأميركيون وجود مستوى عالٍ من الفساد الإداري في لبنان. وهذا الفساد يخلق أرضية خصبة للتجاوزات المالية التي تستفيد منها المنظمات التي تستهدفها الولايات المتحدة بعقوباتها.
4- النقطة الأهم ربما هي شكوك بعض الأوساط الأميركية في أنّ هناك مؤسسات لبنانية تمارس التحايل على قانون العقوبات الأميركي الحالي، الصادر في العام 2015، بهدف تسهيل أمور “الحزب” وإمرار بعض الصفقات التي تخدم مصالح الطاقم السياسي المحلي.
بناءً على هذه المعلومات والأجواء، فإنّ الاتجاه الأميركي إلى تعديل قانون العقوبات الحالي، الرامي إلى تجفيف منابع تمويل “حزب الله”، قد لا ينصّ بالضرورة على تدابير دراماتيكية كما يتوقع البعض. وكثير من الأقنية اللبنانية تلقّى تأكيدات في هذا الشأن. وهنا يبدو منطقياً حديث سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد عن وجود مسوَّدات متعددة للقانون الجديد لم يتم اعتماد أيّ منها.
المتابعون يقولون: “على الأرجح، قد يكون الاتجاه الأميركي في ملف العقوبات على “حزب الله” هو الآتي: عدم رفع منسوب العقوبات التي ينصّ عليها قانون 2015، ولكن، توسيع اللائحة لتشمل أسماء وجهاتٍ جديدة يُشتَبَه في أنها ترتبط بـ”الحزب” مالياً، ولها ضلع في العمليات غير المشروعة المُتَّهَم بها.
لكنّ الأهم هو تشديد الرقابة على لبنان للتثبّت من التزام مؤسساته الرسمية والخاصة ضوابط العقوبات الحالية، الأمر الذي تحوم حوله الشكوك.
وقد يشمل ذلك، عند الاقتضاء، مطالبة لبنان الرسمي بإبراز وثائق كافية تتعلق بالشفافية، خصوصاً في ما يتعلق ببعض جوانب القطاع المصرفي. وفي هذه الحال، لن يكون لبنان قادراً على التهرُّب أو الإخفاء. وأما الفساد الذي يغطي العظائم على أنواعها فله حسابات أخرى”.
(الجمهورية)