وفي عام 1955 بعد وفاة ألبرت أينشتاين وأثناء تشريح جثته، قام عالم الأمراض، توماس هارفي، بإزالة دماغ الرجل العبقري العظيم والاحتفاظ به وقيل سرقته.
وفي الثمانينيات أظهر هارفي صوراً مأخوذة من الدماغ في حين أنه احتفظ بالأصل، وقد أعاده في التسعينيات إلى مستشفى برينستون، حيث كان يقوم بتشريح الجثث قبل عقود.
ومنذ ذلك الحين، أنفق الباحثون الكثير من الوقت في دراسة خلايا دماغ أينشتاين وقياس أبعاده، وغيرها من التجارب والأبحاث في إطار مقارنته بأدمغة الناس العاديين.
وكان كل ذلك بهدف التوصل إلى سرّ هذه العبقرية الكامنة، من الخيال الشاسع والقدرات الرياضية وغيرها من الأفكار العظيمة.
ولكن هناك من يرى أن ذلك ليس إلا مضيعة للوقت، فتركيب الدماغ لن يحكي الكثير عن العبقرية.
فكرة متوارثة
فكرة أن تركيب الدماغ قد يفسر ذكاء شخص ما ظلت من الأفكار المتوارثة منذ قرون، وما زال ثمة من يعتقد بها.
فعلى سبيل المثال فإن فلاديمير لينين، والشاعر الأميركي والت ويتمان وعالم الرياضيات كارل فريدريش غاوس، من بين الكثيرين، الذين أزيلت أدمغتهم بعد وفاتهم للدراسة.
وقد وقع علماء القرن التاسع عشر في جدل مرير حول: هل العبقرية تتعلق بالتشريح العضوي أم أن ثمة قوة حيوية وروح خالدة مسؤولة عن الأفكار؟
ولا تزال هناك فجوة فلسفية عميقة في هذا الموضوع. وحتى الذين يعملون على دراسة دماغ أينشتاين فهم يعلمون أنهم يحرثون في أرض مثيرة للجدل.
ما المختلف في دماغ أينشتاين؟
في عام 1985، ذكر عالم الأعصاب، ماريان دايموند، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، أن دماغ أينشتاين لديه خلايا إضافية تسمى الدبقية، وأنها هي المسؤولة عن الذكاء الفائق.
وبعد سبع سنوات، اقترح باحث في أوساكا باليابان، وجود صلة بين تلك النسبة المرتفعة من الخلايا الدبقية إلى العصبونات، وما كان يعانيه أينشتاين من مشكلة في عسر القراءة المزعوم في باكر حياته.
وفي عام 1999، ذكرت عالمة الأعصاب ساندرا ويتلسون، أنها رصدت تكويناً غير عادي في طيات وأخاديد الفصوص الجدارية وراء الأذن عند أينشتاين، مما يشير إلى أنها قد تطورت في وقت سابق من حياته، أكثر من المعتاد.
قد تساءلت عمّا إذا كان هذا التكوين قد يكون له علاقة مع مهارات الفيزيائي في الفكرالبصري والمكاني والرياضي.
وشارك الطبيب هارفي نفسه في إعداد ورقة عام 1996 تشير إلى أن ارتفاع كثافة الخلايا العصبية في الدماغ، قد يؤدي إلى سرعة الاتصال بينها وينعكس ذلك في بناء التفكير الخلاق.
وفي تحليل جرى عام 2013 لصور من دماغ أينشتاين، فقد قالت عالمة الأنثروبولوجيا “دين فالك” إنها اكتشف أربعةنتوءات غير معتادة في الفص الجبهي الأيمن من دماغ الرجل، وهي منطقة مرتبطة بالفكر المجرد.
وهذه الحالات الشاذة أيضا لا تزال مثار خلاف بين العلماء في تفسيرها أو انعكاسها على الذكاء.
مقارنة بـ85 دماغاً مرجعياً
في الآونة الأخيرة، وصفت ورقة علمية عام 2013 من قبل عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة ولاية فلوريدا المشار لها سابقا “دين فالك”، سطح دماغ أينشتاين.
وتمت مقارنة تشريح مخ أينشتاين من خلال الصور التي أتاحها الطبيب هارفي لتشريخ الدماغ بـ 85 من العقول المرجعية، وقد لوحظ جراء ذلك عدد من السمات المثيرة للاهتمام.
فعلى سبيل المثال لوحظ وجود علامة أوميغا، وهي عبارة عن عقد متعددة في منطقة الدماغ التي تسيطر على اليداليسرى، وهذه عادة تبرز عند الموسيقيين الذين يلعبون الآلات الوترية. وقد كان أينشتاين عازف كمان غير عادي.
كما تساءل العلماء من خلال الاختبارات حول الفصّ الجداري العلوي الأيمن، الذي يتلقى المعلومات البصرية والمكانية في العادة، وهل هذا المكان له دور في قدرة أينشتاين على تصور انحناء الزمكان في نظريته النسبية.
لكن كل ذلك لا يفيد أية إثباتات دامغة إلى اليوم، وحيث تبقى العبقرية هي العبقرية ذلك السر الغامض، وأنه إذا كان المرء يبحث عن أدلة فسوف يجد دائما ما يتحيز له لكي يبرهن به على مزاعمه.
ما بين دماغ أينشتاين ومدينة مانهاتن!
تقول آن ماكي، وهي طبيب أعصاب في جامعةبوسطن تخصصت في دراسة اعتلال الدماغ عند لاعبي كرة القدم، الذين عانوا من الارتجاج، إنها تشعر بالقلق من الدراسات التي تدعي أنها تنسب الوظائف الذهنية وتطورها إلى مجرد الهيكل أو الجانب التشريحي، لأن التكوين بنظرها يحكي عن جزء طفيف من القصة الكاملة.
وترى بشكل ساخر أن الأمر أعقد من ذلك، إذ يشبه ما يجري حاليا من دراسات للدماغ، بمحاولة فهم التجارة فيمدينةمانهاتن من خلال دراسة المباني، أو أنماط المرور في المدينة.
ويرى بعض العلماء أن الطريقة التي تم تقطيع دماغ أينشتاين واحتفظ بها قد لا تسمح بدراسة متعمقة.
كذلك يرون أن دراسة الدماغ أثناء عمله الفعلي، خلال حياة الشخص وبعد موته يعطي فارقا كبيرا، ما بين الأداء الوظيفي الحيوي وعضو بات معطلا عن عمله.
ويعتقد أستاذ طب الأعصاب في جامعة هارفارد ألبرت غالابوردا أنه حتى لو كنّا نستطيع إحياء أينشتاين من جديد، فإننا ما زلنا لن نستطيع أن نتوصل للحقيقة.
يقول: “فإذا كان لديه بعض الاختلافات في تشريح الدماغ، فإن ذلك لا يمكنه أن يفسر السبب في أنه أصبح ذلك الفيزيائي الكبير”، مضيفاً بشيء من النقد الخفي: “ربما لأن الأمر مترتب عما فعلته الفيزياء بدماغه وليس العكس”.