اقامت “جامعة القديس يوسف” و”الهيئة الإدارية لمؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية”، حفل إفتتاح “قاعة ومكتبة سابا قيصر زريق الثقافية” في مركز الدروس الجامعية في لبنان الشمالي – جامعة القديس يوسف، في راسمسقا- الكورة، حضره الى رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش اليسوعي والدكتور سابا قيصر زريق، ممثلة الرئيس نجيب ميقاتي السيدة ندى ميقاتي، سامي رضا ممثلاً وزير العمل محمد كبارة، النائب نضال طعمة، النائبين السابقين ناجي البستاني وقيصر معوض، محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، المطرانان جورج بو جودة وإدوار ضاهر والأب سمير ياكومي ممثلاً المطران أفرام كرياكوس، رئيس مجلس أمناء جامعة العزم الدكتور عبد الإله ميقاتي، رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلا الحاماتي، مديرة مركز الدروس الجامعية في الشمال فاديا علم الجميل، رئيس إتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم، رئيسة اللجنة الوطنية للأونيسكو زهيدة درويش، نقيب الأطباء في الشمال عمر عياش، المدير العام السابق لوزارة الثقافة فيصل طالب، مديرة مؤسسة الصفدي الثقافية الدكتورة سميرة بغدادي، رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفوح المنجد، رئيس جامعة سيدة اللويزة برسا الأب سمير غصوب، وعمداء كليات وفعاليات تربوية وإجتماعية ونقباء سابقين ورجال دين من مختلف الطوائف إضافةً الى عدد كبير من رجال الفكر والطلاب.
البداية مع النشيد الوطني اللبناني ثم نشيد الفيحاء للشاعر زريق وألقت الجميل كلمة قالت فيها: إن من يجمعنا اليوم هما البروفسور سليم دكاش اليسوعي، رئيس جامعة القديس يوسف، والدكتور سابا قيصر زريق، رئيس الهيئة الإدارية لمؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية. إن ما يجمعنا هو إنفتاح الآباء اليسوعيين بشخص رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش، وعشق الدكتور سابا زريق للغة العربية.
وأضافت: سنة 1977، كانت الحرب اللبنانية في بداياتها مع قطع الطرقات والأوصال، وصعوبة التنقلات بين المناطق فقرر رئيس الجامعة اليسوعية في حينها المغفور له الأب جان دوكريه ألا يحرم طلاب الشمال من جودة التعليم العالي الفرنكوفوني، وإفتتح فرع الشمال في كانون الثاني من سنة 1977، أي منذ 40 سنة. وكانت الجامعة اليسوعية أو جامعة خاصة في الشمال. اليوم، وبعد 40 سنة جاء الدكتور سابا قيصر زريق، حفيد شاعر الفيحاء وحامل إسمه، يذكرنا أن أوائل المستشرقين هم الآباء اليسوعيون، فقدم وجهز مكتبة متنوعة باللغة العربية. “قاعة سابا قيصر زريق الثقافية” ليست قاعة ككل القاعات. إنها قاعة “تضج بالحياة”، تتنفس كلمات بلغتنا الأم، تنبض شعراً، وتتغذى فلسفة وأدب بلغتنا الجميلة. فمنم هو الدكتور سابا قيصر زريق صاحب الإسم الذي سوف نرى طيفه كل يوم، كلما مررنا أمام قاعته، والذي سيخلد إسمه في جامعة القديس يوسف؟ ولد في فيحائه سنة 1952، متأهل من السيدة أمية أبي صعب ولهما ثلاث بنات وسبعة أحفاد، أصرت البكر منهم على حضور إحتفالنا هذا، فأهلاً بأيا.
وتابعت: تلقى علومه حتى الثانوية منها في مدرسة الفرير في طرابلس ثم نال إجازتي الحقوق اللبنانية والفرنسية من كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف للآباء اليوسعيين، نال من بعد ذلك دبلوم معهد القانون الدولي والتجاري الأجنبي في جامعة جورج تاون في واشنطن وماجيستير في القانون المقارن من كلية الحقوق في الجامعة نفسها. وتابع دورة مكثفة في الإدارة المالية في معهد INSEAD في فرنسا. ومؤخراً، في سنة 2011 نال شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة بانتيون- أساس (باريس 2) وجامعة القديس يوسف. للدكتور زريق نتاج فكري غزير ومتنوع إذ له مؤلفات ومقالات ودراسات ومنشورات عديدة كما إشترك في ندوات ومحاضرات في لبنان والخارج. كتب في القانون وخاصةً في قانون الشركات التجارية والشركات العائلية والحوكمة والمسؤولية المدنية والمسؤولية التعاقدية ونشرت مؤلفاته في ككتب ومجلات حقوقية متخصصة في لبنان والخارج. وله عشرات المقالات التي نشرت في الصحف اللبنانية، كان لجريدة النهار النصيب الأوفر منها. عالجت مقالاته مواضيع سياسية وإجتماعية متنوعة. إذ تنال الديمقراطية والطائفية والآداء الحكومي والموضوعية في التعامل السياسي وإتفاق الطائف والحوار والوحدة الوطنية وإلغاء الطائفية السياسية، إلخ.. وهو مؤلف كتاب “شاعر الفيحاء سابا زريق (1886-1974) في صفحات وأعد “الآثار الكاملة لشاعر الفيحاء سابا زريق”.
أما نشاطاته المهنية فمتنوعة أيضاً. فهو، الى رئاسته للهيئة الإدارية لمؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية، وعضويته في مؤسسات غير حكومية أخرى، يتبؤ مناصب عديدة كرئيس وعضو مجلس إدارة لعدد من الشركات اللبنانية والأجنبية وككبير المستشارين القانونيين لمجموعات شركات لبنانية وأجنبية كذلك. وهو صاحب ومدير مؤسسته الإستشارية الخاصة التي أسسها منذ ثلاثة عقود في سويسرا وفي لبنان الى أن حط رحاله نهائياً في وطنه منذ عقد من الزمن. أبونا “متل ما بحب سميك”، تزورون الشمال مرتين في السنة. مرتان كافيتان لكي يصبح لحضرتك مكاناً ومكانة في قلب كل من تعرف إليكم. حضرتك، الأب اليسوعي اللبناني الماروني الذي كان موضوع أطروحته الأولى “كلام الإسلام في القرن العاشر”. شكراً من القلب على دعمكم المستمر.
وختمت: أيها الحفل الكريم، شكراً لحضوركم فرداً فرداً، أبونا دكتور زريق، مع أنكما صاحبي المشروع، إسمحا لي أن أشكركما بإسم مركز الدراسات الجامعية في لبنان الشمالي لأنه المستفيد الأول منه.
بعدها ألقى الطالب فادي ميقاتي كلمة بإسم الطلاب تحدث فيها عن أهمية اللغة العربية ومنوهاً بالشاعر سابا زريق الذي كلل بكلماته الفيحاء بزهر الليمون متحدثاً عن دور جامعة القديس يوسف في نشر الثقافة والمعرفة ومؤكداً أنها ما زالت تلعب هذا الدور بمختلف تنوعاته.
ثم كانت كلمة الدكتور سابا قيصر زريق وفيها: ادلى شاعر الفيحاء، ملهمي ومن وهبت اسمَه، منذ عقود عديدة، في سياق حديث عن اللغة عموما والعربية خصوصا، بالآتي:” لكل قوم في هذا الوجود لغة، يعرفون قدرها ويقدسونها، وكيف لا يعرِفونَ هذا القدر وهي صلة التفاهمِ والتعارف وواسطة تبادل الاميال والعواطف، تطلِعهم في طيات السطور على ما انطوى من ليالي الاجدادِ وتنشر لها صفحات الادب التليد يحمل في اعصاب مضامينِهِ الطباعَ والعاداتِ والمزايا والافكارَ والسياسات والحوادث التي عالجها الاسلاف وتكشفت عنها قرائحهم، فتشارف ارواحهم ارواحَ اولئك الذين انبتوا الارضَ التي يُنبتونها، واستنشقوا الهواءَ الذي يستنشقونه”.
واكتفي بهذه السطور القليلة من وصف مسهب ولا اروع للغة، لانتقل الى الشكوى التي أطلقَها قريضا شاعرنا آنذاك من اهمال اهل اللغة العربيةِ لها وتمسكهم بأهداب لغات اخرى طغت عليها، الى درجة كاد ان يكونَ النطق بها عيبا:
أرى لغةَ الأجداد في عقر دارها
تسام الأذى من كل أَحمق أهوج
يطلقهـا أبناؤهــا وبنـاتها
لِخطب ولاءِ الاعجمي المدبج
فصِرنا اذا يوما نطقنا بمجلس
يضم سِوانا من دعاة التفرنج
همسنا حياء بابنة الضاد بينهم
اذا نحن لم نخرَسْ حياءً ونخرجِ
أَنخجلُ بالفصحى وحـرِّ بيانها
امامَ لسـانِ العجمـة المتلجلج؟
أَنقضي عليها وهي آخر درة
بأجيادنا من عِقْدِنا المتدحرج؟
جنيـنا على أُمِّ اللغاتِ جنايةً
ستترك روضَ العز غير مسيج
وتجعلُنا مثل اليهود حزائقاً
مضيعةَ الأوطانِ تبكي وترتجي
اضاف:” شكوى ضاعت اناتها في واد سحيق، وذلك منذ اكثر من ثلاثة ارباع قرن، اي في زمن لم تكن فيه الغزوة التكنولوجيه الغربية، بسلاحها اللغويِ الاجنبي، قد شلت بعد ما تبقى لدى شبابِنا من رغبة في اتقان لغتهم الام. وعلى الرغم من ذلك، ما زلنا نتباهى بكوننا متعددي الثقافات واللغات وبات جلنا يتقن ما يتقنه من لغات غربية على حساب لغته الام.
اوليست اللغة دعامةَ المعرفة؟ أهنالك من سلاح امضى من سلاح المعرفة؟ فهيهات لو تسخر الاموال في سبيل تثقيف وتعليم البشر وتأهليهم للعب الدور المرتجى من المواطنين الحريصين على ديمومةِ وطنهم. ويا ليت العلم والثقافةَ يعمان النفوس فهما الكفيلانِ بطردِ السوءِ من اذهانِ الضعفاءِ.
لذلك، وبازاء تردي احوال لغتِنا المستمر، مدفوعا بيقين ثابت أنها هويتنا ورايتنا، مما يفرض علينا واجبَ صونها، فكلما ركنا الى كتابٍ محرر بها، اعلَيْنا شأنها وعززنا انتماءنا الى هذه الرقعة من العالم حيث هي تختال سائدة ، بادرت الى انشاء مؤسسة ثقافية ألخص اهدافَها بخمسة:
– نشر الثقافة الادبية العربية
– تشجيع الكتاب والباحثين على نشر نتاجهم باللغة العربية
– تنظيم اللقاءات والمحاضرات والندوات الادبية والثقافية حول مواضيع تتعلق باللغة العربية وثقافتها
– المساعدة على استحداثِ مكتبات او دعم مكتبات قائمة تضم مراجعَ باللغة العربية
– تنظيم مباريات سنوية ادبية بلغتِنا
كما افتتحت المؤسسة، في مركزها في طرابلس، قاعة للمحاضراتِ تضم مكتبة تحتوي على عيون المراجع باللغة العربيةِ وآدابها، سوف تفتح ابوابها قريبا لتكون مقصدا للأساتذة والطلاب والباحثين ليغرفوا من مخزونها الفريد.
ولحسن الحظ، أني لست وحيدا في حملتي الدفاعية عن لغتنا، فكثر هم الذين يشاطرونني شغفي هذا. ونحن اليومَ في كنف ابرزهم، عنيت الآباء اليسوعيين، إذ، عندما إقترحت دعمَ مكتبة هذا الصرح، الابن البار لجامعة عريقة، المتواجد في حِضن جغرافي يعير اللغة العربية شأنا اساسيا، بمراجع باللغة العربية، لقيَ اقتراحي هذا، دون اي ترددٍ، ترحيبا محمودا ومشكوراً.
وتابع:” منذ بضعة اسابيع، وبمناسبة الاحتفال باربعينية هذا المركز، اي مركز الدروس الجامعية في لبنان الشمالي لجامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين، وعلى إثر اعلانِ مديرةِ المركز، السيدة فاديا علم الجميل، في كلمتِها عن نية مؤسسةِ شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية رفدِ مكتبة المركز بمراجع باللغة العربية، اعتليت المِنبر لالقاء كلمة. ورأيت في ذلك اليوم من واجبي مشاركةَ الحضور ما آلت اليه ابحاثي حولَ دورِ الاباءِ اليسوعيين الايجابي جدا في نشر لغتِنا الام وحفظ كنوزها. واضفت في تلك الكلمة أن فضل اولئك الاباء المستمر هو دليل قاطع على ان الفرنكوفونيةَ التي اتسمت بها جامعتنا العزيزة لا تجافي قطعا العروبةَ وركنها الابرز، عنيت اللغةَ العربية. وجاءت مباركة الابِ الرئيس، البروفسور سليم دكاش اليسوعي، لمناسبتنا في هذه الامسية لتؤكد تمسكَ الجامعةِ اليسوعيةِ باللغةِ العربية، ناهيكم عن أن البروفسور دكاش مولع بها، ربما اكثر مني.
وفي 8 نيسان من السنةِ الجارية، ابرمتِ المؤسسةُ مع الجامعةِ اليسوعيةِ اتفاقياتٍ ثلاثْ:
– الاولى، افردتِ الجامعة بموجَبِها مساحة في هذا المركز، قامت المؤسسة بتأثيثها وتجهيزها برفوف تأوي حصرا كتبا ومراجع باللغة العربية وآدابها، من صرف ونحو وبيان وبلاغة وقواعد وعروض وشعر ونثر ومسرح ورواية وقصص ومعاجم وتراجم لادباء وكذلك كتبا تاريخية وفلسفية وتربوية، استقبلت القاعة لغاية تاريخه عددا كبيراً منها.
واردف:” تكرمَ الاب الرئيس باطلاق اسم “Espace culturel Saba K. ZREIK” على هذه القاعة، مطوّقا عنقي ببادرة كريمة وبجميل لن انساه أبدا ومكللا رأسي بغار لا استأهله. ولا يبقى لي سوى الامل بأن يرى رواد هذه القاعة فيها ملاذاً يلجأون اليه كلما رغِبوا في سبرِ أغوار موضوع ادبي او لغوي ما او اعداد بحث او رسالةِ ماجيستر او اطروحة دكتوراه. ان المراجع التي سوف تستقبلهم كفيلة بشفاء غليلهم المعرفي. كما وسوف تستضيف القاعة محاضرين ومنتدين حول مواضيع ادبية وثقافية ذات منفعة عامة.
– والثانية، ترمي الى تنظيم مباريات ادبية سنوية باللغة العربية، يشترك فيها الطلاب الثانوييون من كافة ارجاء الوطن؛ وسوف تطلق في شهر تشرين الاول القادم.
– اما الاتفاقية الثالثة، فتقوم المؤسسة بموجبها بالعمل على طباعة اطروحة دكتوراه سنويا، يدخل موضوعها في اطار اللغة العربية وآدابها، يناقشها طالب أو طالبة من الطلاب المنتسبين الى كلية الآداب في جامعة القديس يوسف، تنال درجة مميزة وتقوم الادارة المعنية في الجامعة بترشيحِها للطباعة. ويسرني ان اعلمكم بأن الجامعةَ قد رشحت هذه السنة اطروحةَ الدكتورة نجاح عطية حوا، التي نالت علامة مميزة جدا، والتي سوف يبصِر كتابها النور في اوائل الفصلِ الرابع من هذه السنة.
واستطرد:” عرفت الجامعة في بالامس طالبا حبيبا، يتسكع اليوم على باب العمر الثالث؛ استقبلته عاطفتها المضيافة، فعرف مقامه؛ والمأثور المعروف أن الحبيب عندما يعرِف مقامه يحق له التدلل؛ وها انا أتدلل بمطلب جديدٍ
في لقاء لنا سابق، اشرت الى جدوى توسعة تقدمات هذا المركز التعليمية لما في ذلك من فائدة لابناءِ الشمال، الذين يعانون الكثير من الاعباء المضنيةِ يحتمها انتقالهم الى العاصمة لتحصيل علمِهم في كليات الجامعات الخاصة، ومنها الجامعة اليسوعية، المنتشرة في بيروت وضواحيها. وعندما تساءلت عن سببِ عدم وجود فرع لكلية الآداب في هذا المركز، افدت بان ذلك يعو الى عدم وجود طلاب يتقدمون منه لنيل الاجازة اي الـ licence في الآداب، وهذا بالطبعِ سبب كاف وواف لصرف النظر عن انشاء مثل هذا الفرع. غير اني، استكمالا لارساء قواعد ثابتة في هذا المركز، ليس فقط للابحاث باللغة العربية، بل ايضا للدراسات العليا فيها، وبعد استشارتي لاساتذة مخضرمين في هذا المجال، تبين لي بانه، في حال افتتاح فرع لكلية الآداب هنا، يكون محصورا فقط بالطلاب الذين يرغبون في تحصيل شهادتي الماجيستر والدكتوراه، فإن الاساتذةَ والطلاب متوفرون وهم مهيأون ومستعدون لاطلاق وانجاح مثل هذا المشروع. وفي حال وافقت الجامعة مبدئيا على بحث هذا الامر، سوف يقَدم لها مشروع كامل متكامل يسمح لها باتخاذ قرار نهائي بشأنه. كما وانه في حالِ الايجاب، فإن مؤسستي تتعهد بتعزيزِ “قاعة سابا قيصر زريق الثقافية” بأية كتب ومراجع اضافية يحتاج اليها اساتذة وطلاب الفرعِ المستحدث. وانا ابقى، ابي الرئيس، رهن اشارتكم للتواصل مع من ترتؤون انتدابه لهذا الغرض، بغية ازالةِ اي عائق قد يعترض بلوغ الهدف المنشود.
وختم:” اتقدم من اركان الجامعة اليسوعية وفي مقدمتهم الاب الرئيس البروفسور سليم دكاش بخالصِ شكري وامتناني على احتضانِ مبادرتي ودعمها.
واخص بشكري السيدة فاديا علم الجميل، مديرة هذا المركز المميزة، على مواكبتها لادنى تفاصيل اعمال تأهيل القاعة وتجهيزِها، هي التي قطعت ليَ وعدا برعايتِها والسهر عليها والعمل كذلك على استقطابِ رواد لها.
ولا يسعني الا أن اسجل فضلَ معاوني السيدة الجميل ومعاوني في المؤسسة على اندفاعهم في سبيل اضفاء على القاعة ومحتوياتِها الحلةَ التي سوف ترونها بها.
وشكري موصول الى كلِ الاصدقاءِ والاحباء الذين شرفونا بحضور هذا الاحتفال، خاصة من منهم تكبد مشقةَ الانتقال الى شمال لبنان ليكونوا بيننا.
مع دعائي له عز وجل ان يمن على الجامعة الحبيبة بالمزيد من الازدهار والتقدم وعلى القيمين عليها بالعافية، وعليكم جميعا، احبائي، بالصحة وطول العمر.
بعدها ألقى البروفسور الأب سليم دكاش اليسوعي كلمة وفيها:” ها نحن مجتمعون في هذه الأمسية لنفتتح معاً في جامعتنا اليسوعية، وتحديداً ها هنا في طرابلس والشمال، قاعة “عربية الشكل والمحتوى تقدمه من مؤسسة شاعر الفيحاء طرابلس الأستاذ الشاعر والمربي سابا زريق” الذي عاش ما بين السنوات 1889 و1974 علماً مميزاً من اعلام لبنان الثقافية والأدبية والفكرية والوطنية. وإذا كان اسم سابا يعني بالسريانية الشيخ القديم والحكيم، فإن الجامعة اليسوعية، وهي التي عملت وما زالت تعمل من أجل إعلاء العربية الفصحى بياناً وبلاغةً ومعنى، فإنها تفتخر بأن تستقبل هذه القاعة، ” قاعة سابا زريق الثقافية “، بمعنى أنها سوف تمد الزائر لها، أكان أستاذاً أم طالباً ام مربياً يريد الاستزادة من العلم، بالكثير من المعرفة الإنسانية والروحية المتراكمة منذ اجيال في عالمنا العربي الاسلامي والمسيحي في ظروف اصبح العلم مجرد معلومات وظيفية وحسب، وكذلك لاكتساب الكثير من الحكمة التي هي دعوة للاحتكام الى الضمير والى اهل الخير والفضيلة والقيم الانسانية المشتركة اذ نحن بأمس الحاجة اليها في وقت طغت العصبيات لا على سلوك والممارسات فقط، بل على التفكير ايضاً وزادت على ذلك الحسابات السياسية الضيقة التي اخذت الدين والطائفية رهينة المحاصصات وطريقاً للهيمنة والتسلط.
ألم يقل شاعر الفيحاء قولاً تقافياً محقاً في النظرة إلى الدين والطائفية لا تزال وقعه بيننا حتى اليوم:
“لدين – ان كنتم على دينٍ- يحض
على التآخي، والتضامن مرشداً،
فعلام تتخذون منه عدةً
لتناحر متأصل بلغ المدى.”
اضا6:” في مكتبة ومساحة سابا زريق الثقافية، نحن على موعد مع الثقافة في زمن ضمرُت فيه المساحة الثقافية الإنسانية المشتركة لتصبح نوعاً من الاقتتال بين مساحات ضيقة تدمر البشر والشجر والتراث والتقليد الصحيح بدل العمل عل تنمية الإنسان والعلاقات البشرية بعضها مع البعض الآخر. لستُ هنا بوارد الدخول في تحديد ماهية الثقافة، وهو مصطلح له ما له من التعاريف والاستخدام. إلا ان ما نكتفي به في هذه المناسبة هو تلك الثقافة التي تهدف إلى تحسين المهارات الفردية للإنسان لا سيما من خلال التعليم والتربية وكذلك الى تحقيق قدر وافٍ من التنمية العلمية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاءٍ وسلام قومي وقيم عليا يتشارك فيها الجميع. ونقول ان مساحة زريق هي ثقافية بمقدار ما تكون عاملة على ثلاثة ابعاد هي التالية:
1-التذوق المتميز للفنون الجميلة والآداب العربية شعراً ونثراً
2-إعلاء شأن المعرفة البشرية والاعتقاد والسلوك القائم على التفكير والتعليم الإجتماعي
3-وأخيراً تأكيد الاتجاهات والقيم والاهداف والممارسات المشتركة التي تميز الجماعة اللبنانية بكل مقوماتها.
وتابع:” مقومات هذه الثقافة هي رأسمالنا في هذه المساحة الجغرافية التي أودعنا الله إياها فنعبده ونحمده ونضع معاً عليها تاريخاً مشتركاً جوهره الميثاقية اللبنانية في مختلف تجلياتها وآخرها في دستور 1989 الذي يجمع ما بين قاعدتين جوهريتين متلازمتين هما: اولاً العيش المشترك الذي يناقض التقسيم والفرز الجغرافي والتلاعب في الوضع السكاني بمختلف أشكاله.وهذا العيش المشترك هو مسؤولية المجتمع نفسه اي المجتمع الاهلي والمجتمع المدني، اي نحن، قبل ان يكون مسؤولية الدولة التي أمنت دستورياً الضمانات الحقوقية للجماعات الروحية التي تشمل ضمانات الحرية الدينية والثقافية والمشاركة، اذ ان على قيادات المجتمع المدينة والدينية ان تعمل على ارساء ثقافة الحوار الصريح والاحترام المتبادل للعقائد وللمراجع الرمزية وثقافة قبول الآخر لا كمجرد شخص هامشي في الوطن بل كشريك له كامل الحق والواجب في ان يحمل الهوية الوطنية والدفاع مثله مثل الإنسان الاخر.
اما القاعدة الثانية التي نستخرجها من دستور 1989 وهي جزء اساسي من ثقافتنا الوطنية هي قاعدة للمواطنية للجميع إذ إن للجميع، كل الجميع، الحقوق نفسها في الصحة والتعليم والتعبير والمشاركة في ادارة الحياة المدنية وان يكون لديهم مسؤولون سياسيون وحكومة يعلمون لصالح الناس وكذلك للجميع واجبات أقلها احترام رموز الدولة والاسهام بكل ما يتوجب عليهم في موارد الدوبة وتعزيز المصلحة العامة والخير العام. الى ان ما يميز مبدأ المواطنة اللبنانية هو انها، بفضل المدى الديمقراطي التي تدعو اليه والنظام الذي يترجمه الى واقع عبر قانون الانتخاب النيابي على سبيل المثال، تجعل من التعددية اللبنانية تعددية متداخلة، منفتحة على بعضها البعض، لا تعددية قبائل او مذاهب منفصلة عن بعضها البعض. فكيف لا نعمل معاً لتحقيق هذا الحلم اللبناني عبر ارساء ونشر ثقافة الاصغاء للآخر عبر الثقيف والتعليم وقراءة الاقدمين. وكيف لا نفتح أبوابنا الجامعية أمام قراءة كتب المشاهيربمختلف أنواعها الأدبية لكي نستلهم من قراءتها والبحث بين اوراقها افكاراً تساعد على صياغة تلك الابعاد والمقومات الثقافية التي تدعم الخصوصية التعاقدية اللبنانية التي قيل عنها انها تشكل بلداً اسمه لبنان هو اكبر من وطن، لا بل رسالة إنسانية في التعددية والحرية والمواطنية للعالم كله وكيف لا نفتح ابوابنا الجامعية امام مصادر الفكر والادب الكلاسيكي العربي والعالمي بالعربي الفصيح لكي يستلهم منها الهاوي والباحث والمتخصص فيكتب بدوره درراً في البيان والفكر. فيستمر النبوغ اللبناني في دفقه وعطائه، في وقت جف فيه سيل الفكر والادب والشعر امام هجمة التكنولوجيات والرقميات من كل حدبٍ وصوب فأصبيت اللغة العربية لا بل اللغات كلها إصابات هامة في الصميم فاصبحت اداة وظيفية تستخدم للتعبير الآني ليس إلا وبمختلف الاشكال البعيدة عن القواعد التي نحتتها الاجيال.
واستطرد:” اني اذ اطرح هذه الاسئلة عليكم وعلى نفسي، فإني استذكر في الوقت عينة الدور الكبير الذي قام به اليسوعين تجاه الآداب العربية حيث كانوا من الاوائل الذين حفظوا المخطوطات الثمينة. فمكتبتنا الشرقية في الجامعة في بيروت تحتوي على اكثر من خمس الآف مخطوط عربي اللغة دلالة على محبة اليسوعين لها أكانوا شرقيين ام غربيين جمعها لويس شيخو وغيره من مختلف الاصقاع والبلدان.
ولم يكتفوا بتجميع المخطوطات بل انهم نشروا منها البديع والفاخر، ومن منا لم يقرأ في ” مجاني الأدب حدائق العرب” في اجزائه السبعة وهو لا زال ينشر حتى ايامنا هذه. والى جانب شيخو من منا لم يسمع بالآباء خليل إده وهنري فليش ولامنس وبويج وخليفة وحشيمه وتوتل، مصنف اعلام المنجد، واللائحة تطول حتى إن الاب كميل حشيمه قد صنف مؤلفات باللغة العربية لأكثر من مئتي يسوعي منذ بداية القرن السابع عشر حتى اليوم.
ان اسهام اليسوعين وطلابهم في اعلاء شأن العربية الذي كان له السند الجامعي في معهد الآداب الشرقية ومعهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها يتواءم مع ما قاله يوماً شاعر الفيحاء في العربية الفصحى إذ رفع الصوت مناشداً:
” اتخل بالفصحى وحر بيانها
امام لسان العجمة المتلجلج
انقضي عليها وهي في آخره درة
بأجيالنا من عقدنا المتدحرج.”
واشار:” ان من مقومات وحدتنا اللبنانية هي هذه العروة الوثقى الثقافية التي اسمها اللغة العربية فلا غنى عنها وان اكتسبنا اللغات الاجنبية واصبح البعض منا ضليعاً بها وقادراً عليها.
وختم:” شكرا للاستاذ سابا زريق الحفيد والخريج من حقوق اليسوعية الذي تماهي اسم القاعة والمكتبة والمساحة مع اسم سابا زريق الجد الذي طبع ساحتنا الادبية العربية بطابعه وثقافته التي لم تكن ثقافة جامدة او بعيدة عن الواقع او عن الحياة بل انها تداخلت معه ومعها وفرضت نفسها ثفافة لنا نعمل بها ونستمر على خطاها.
فهنيئاً لكم ابناء الشمال وطرابلس الفيحاء،
وهنيئاً لك الجامعة اليسوعية،
بعد إنتهاء كلمته سلم الأب دكاش درع الجامعة للدكتور زريق الذي سلم بدوره دروعاً تكريمية لكل من الأب دكاش ومديرة المركز الجميل وتوجه الجميع الى الطابق الأول في الجامعة حيث قصوا الشريط التقليدي وقاموا بجولة داخل القاعة المجهزة بعدد كبير من الكتب الوثائقية والتاريخية وبالأجهزة المعلوماتية. وأقيم بعد ذلك حفل كوكتيل بالمناسبة.