نبيل هيثم :
إقرارالقوى السياسية صراحةً بفشل محاولات استيلاد قانون جديد للانتخابات ليس مفاجِئاً، بل هو متوقع ربطاً بالافتراق الكلّي في نظرة تلك القوى إلى القانون الانتخابي. لكنّ المفاجأة تجلّت في مسارعة بعض «المطابخ السياسية» الى إعادة نفخ الروح في قانون الستين، وبِدء الهَمْس حوله بوصفه «الخطوة الإنقاذية» التي لا بدّ من الذهاب اليها لكسر الإنسداد الحالي، ولكن مع شيء من «المكيجة» التجميليّة وبعض الديكور.
هو بلا شك همسٌ يستوجب التوقّف ملياً عند دلالاته والتعمّق في أبعاده، خصوصاً وأنه يأتي في موازاة هَمْسٍ من نوع آخر، يجزم بأن لا عودة إلى الستين، بل ذهاب إلى قانون جديد على أساس النسبية الكاملة قبل 20 حزيران، وبالتالي لا تأهيل ولا تفضيل ولا أيّاً من الصفات المرادِفة لهما».
قد يُتهم المنطق القائل بالعودة الى الستين بالهلوسة السياسية، نظراً لانعدام سُبل العودة، وقد يُتهم المنطق الجازم بالذهاب الى النسبية الكاملة، باستسهال الذهاب الى هذا الخيار إنطلاقاً من خلفية الكيد والتحدي لأطراف معيّنة، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين سبق وتبنّوا النسبية ثمّ ما لبثوا أن عادوا عنها.
يتسلّح المنطق الأول، بعجز القوى السياسية على التوافق على صيغة إنتخابية جديدة، بما يجعل من الستين أمراً واقعاً وشراً لا بد منه لدرء مخاطر ما بعد 20 حزيران، لكنّ المنطق الثاني يدفع عنه تهمة الاستسهال، بتدعيم نفسه بـ»اللاءات الثلاث» التي صارت ثابتةً في أذهان السياسيين وغير السياسيين؛ لا للستين، لا للتمديد، ولا للفراغ.
فالنسبية، كما يراها المنطق الثاني، تتقدّم على الستين، لأنّ اعتماده صار يشكل خطراً على التركيبة الداخلية، ذلك أنه يعيد توليد الأكثرية الحالية نفسها، مضافاً اليها عضو جديد ينتمي اليها هو «التيار الوطني الحر»، تبعاً للتحالف السياسي والانتخابي مع «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل». ما يعني توليد أكثرية جديدة، تكون صاحبة الكلمة العليا في كل شيء؛ في المجلس النيابي والحكومة وغيرهما.
في الإدارة وسائر المؤسسات.
والنسبية تتقدم على التمديد لمجلس النواب، لأنّ هذا التمديد هو «ستينٌ مقنّع» يؤدّي الى الصورة ذاتها التي يفرزها الستين، بحيث يفرز أكثريةً جديدة بانتماء «التيار الوطني الحر» الى الأكثرية الحالية الى جانب حليفَيه «القوات» و«المستقبل». والنسبيةُ تتقدّم أيضاً على الفراغ، لأنّ هذا الفراغ يهدم الدولة، ولا تقوم لها قيامةٌ خلاله.
منذ أن امتنع رئيسُ الجمهورية ميشال عون عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبمعزل عمّا إذا كان هذا الامتناع مخالفاً للقانون والدستور أم لا، اتُخذت تلك الجملة الرئاسية التي قيلت آنذاك: «إن خُيِّرت بين الستين (والتمديد) والفراغ أختار الفراغ»، ورقة ضغط على الآخرين، وإشهار لـ«سلاح الفراغ» في وجوه بعض الأطراف وتخييرهم بين فراغ يقضي عليهم سياسياً ومعنوياً ويُخرجهم من منطقة القرار، وبين القبول بقانون مفصَّل على مقاس حاملي هذا السلاح عنوانه العدالة وتصحيح التمثيل، ومقرون بتحقيق ما أمكن من مكاسب إضافية وفي مقدّمها مجلس الشيوخ…
والواضح أنّ التهويل والتلويح بالفراغ، لم يحقق الغاية المتوخّاة منه، إذ فوجئ المهوِّلون بأنّ المهوَّل عليهم اعتمدوا ما سمّوها «الواقعية»، قالوا النسبية هي الحل، ولا حل غيرها. وقُرن ذلك بنصيحة تحذيريّة «لا تلعبوا بمصير البلد».
وسكت هؤلاء عن الكلام المُباح، وأطفأوا محرّكاتهم، واضعين المهوِّلين أمام فرصة للتراجع نحو التوافق على قانون موضوعي، يلبّي فعلاً عنوانَي الشراكة والتمثيل الصحيح أي النسبية الكاملة، وليس القانون الحصري المقرون باحتكار مكتسبات في أمور ليست حكراً على طرف واحد. وبنتيجة هذا الرد استُفِزّ فريق التهويل، وانتابه الانفعال وصار يعبّر عنه يومياً بخطاب ناري وكلام فوق السطوح.
ما يزيد من انفعال هذا الفريق أنّ المهوَّل عليهم وبدل أن يلينوا ويماشوه، يبقون الكرة في ملعبه، رافضين كل الطروحات التي قدّمها وتصب في مصلحته وحده ومصلحة الحلفاء الجدد: «أيُعقل أننا قدّمنا أكثر من عشرين صيغة، ولم يأخذوا ولو بواحدة منها، هذا تعطيل… وعلى أيّ حال 20 حزيران يقترب وليتحمّلوا مسؤوليّتهم بعد هذا التاريخ».
وقد رُدّ على هذا المنطق «عيّنت نفسك في موقع الذي يريد كل شيء ولا يعطي شيئاً، تريد أن يتنازل الآخرون وتأخذ منهم قانون انتخاب يناسبك، ولا تريد أن تعطيهم شيئاً.. تريد مجلسَ شيوخ بشكلٍ أنت ترسمه، وبرئاسة له أنت تحدّدها، وبصلاحيات فوق صلاحيات مجلس النواب، وفي المقابل لا تريد أن تعطي الآخرين شيئاً، وترفض حتى أن تسمع ملاحظاتهم وتحفّظاتهم.. كل هذا المنحى مرفوض ولن يكون له مكان على الطاولة».
على أنّ الجانب الأساس من هذا الرد، هو الذي لم يُقلْ علناً بعد، وقد لا يطول الوقت حتى يُجاهَر به ويُلقى في أيدي المهوّلين وفيه: «لا توجد أسرار في البلد، كل الناس يعرفون كل الناس، وكل الناس يعرفون ما يجري في الخفايا والغرف المغلقة، وكل الناس على اطّلاع تام ببنود الاتفاقات المعقودة بين بعض الاطراف قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، وفيها التمديد سنة لمجلس النواب، وإجراء الانتخابات على اساس قانون الستين، وتوافق على تعيينات، وملفات مشترَكة وأمور اخرى كثيرة جداً… كل يوم تصعَدون الى قانون السقف الأعلى… لذلك توقفوا عند هذا الحد الذي لن يوصل الى مكان، ولا تهوِّلوا علينا بالفراغ، فإن كنتم تعتقدون أنكم تمسكوننا في اليد التي تُؤلمنا، فأنتم مخطئون.
لذلك لا تخوّفونا بالفراغ، وإن كنتم مصرّين عليه، فليكن، لا تضيعوا الوقت، تفضلوا اذهبوا اليه واسقطوا فيه، ونحن معكم، وعندها هاتوا ما عندكم، وارسموا خريطة الخروج من هذا المأزق، ولا تنسوا أن تطمئنونا عن حال البلد وعن حالكم في تلك الفترة… وقبل ذلك لا تنسوا أن تضعونا في حجم تداعيات هذا السقوط، وكذلك في أجواء خطتكم لمواجهتها».
هذا الكلام يُقال في المجالس الداخلية، ولم يُقل علناً بعد، صحيح أنّ الصراخ مستمر، والانفعال والغيط يزدادان تورّماً ولغة التحدّي هي الحاكمة حتى إشعار آخر، لكن مع ذلك، الجرّة لم تنكسر بعد.
وما زال هناك أمل، وهنا ينبغي التوقف ملياً عند ما صرَّحت به كتلة الوفاء للمقاومة، لناحية «القبول بصيغة النسبية الكاملة من قبل الجميع»، واعتبارها هذا القبول «مؤشراً إيجابياً»، فهل معنى ذلك أنّ هناك مَن قرّر أخيراً أن ينزل عن شجرته؟ الجواب في المقبل من الأيام.. حتماً.
قد يُتهم المنطق القائل بالعودة الى الستين بالهلوسة السياسية، نظراً لانعدام سُبل العودة، وقد يُتهم المنطق الجازم بالذهاب الى النسبية الكاملة، باستسهال الذهاب الى هذا الخيار إنطلاقاً من خلفية الكيد والتحدي لأطراف معيّنة، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين سبق وتبنّوا النسبية ثمّ ما لبثوا أن عادوا عنها.
يتسلّح المنطق الأول، بعجز القوى السياسية على التوافق على صيغة إنتخابية جديدة، بما يجعل من الستين أمراً واقعاً وشراً لا بد منه لدرء مخاطر ما بعد 20 حزيران، لكنّ المنطق الثاني يدفع عنه تهمة الاستسهال، بتدعيم نفسه بـ»اللاءات الثلاث» التي صارت ثابتةً في أذهان السياسيين وغير السياسيين؛ لا للستين، لا للتمديد، ولا للفراغ.
فالنسبية، كما يراها المنطق الثاني، تتقدّم على الستين، لأنّ اعتماده صار يشكل خطراً على التركيبة الداخلية، ذلك أنه يعيد توليد الأكثرية الحالية نفسها، مضافاً اليها عضو جديد ينتمي اليها هو «التيار الوطني الحر»، تبعاً للتحالف السياسي والانتخابي مع «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل». ما يعني توليد أكثرية جديدة، تكون صاحبة الكلمة العليا في كل شيء؛ في المجلس النيابي والحكومة وغيرهما.
في الإدارة وسائر المؤسسات.
والنسبية تتقدم على التمديد لمجلس النواب، لأنّ هذا التمديد هو «ستينٌ مقنّع» يؤدّي الى الصورة ذاتها التي يفرزها الستين، بحيث يفرز أكثريةً جديدة بانتماء «التيار الوطني الحر» الى الأكثرية الحالية الى جانب حليفَيه «القوات» و«المستقبل». والنسبيةُ تتقدّم أيضاً على الفراغ، لأنّ هذا الفراغ يهدم الدولة، ولا تقوم لها قيامةٌ خلاله.
منذ أن امتنع رئيسُ الجمهورية ميشال عون عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبمعزل عمّا إذا كان هذا الامتناع مخالفاً للقانون والدستور أم لا، اتُخذت تلك الجملة الرئاسية التي قيلت آنذاك: «إن خُيِّرت بين الستين (والتمديد) والفراغ أختار الفراغ»، ورقة ضغط على الآخرين، وإشهار لـ«سلاح الفراغ» في وجوه بعض الأطراف وتخييرهم بين فراغ يقضي عليهم سياسياً ومعنوياً ويُخرجهم من منطقة القرار، وبين القبول بقانون مفصَّل على مقاس حاملي هذا السلاح عنوانه العدالة وتصحيح التمثيل، ومقرون بتحقيق ما أمكن من مكاسب إضافية وفي مقدّمها مجلس الشيوخ…
والواضح أنّ التهويل والتلويح بالفراغ، لم يحقق الغاية المتوخّاة منه، إذ فوجئ المهوِّلون بأنّ المهوَّل عليهم اعتمدوا ما سمّوها «الواقعية»، قالوا النسبية هي الحل، ولا حل غيرها. وقُرن ذلك بنصيحة تحذيريّة «لا تلعبوا بمصير البلد».
وسكت هؤلاء عن الكلام المُباح، وأطفأوا محرّكاتهم، واضعين المهوِّلين أمام فرصة للتراجع نحو التوافق على قانون موضوعي، يلبّي فعلاً عنوانَي الشراكة والتمثيل الصحيح أي النسبية الكاملة، وليس القانون الحصري المقرون باحتكار مكتسبات في أمور ليست حكراً على طرف واحد. وبنتيجة هذا الرد استُفِزّ فريق التهويل، وانتابه الانفعال وصار يعبّر عنه يومياً بخطاب ناري وكلام فوق السطوح.
ما يزيد من انفعال هذا الفريق أنّ المهوَّل عليهم وبدل أن يلينوا ويماشوه، يبقون الكرة في ملعبه، رافضين كل الطروحات التي قدّمها وتصب في مصلحته وحده ومصلحة الحلفاء الجدد: «أيُعقل أننا قدّمنا أكثر من عشرين صيغة، ولم يأخذوا ولو بواحدة منها، هذا تعطيل… وعلى أيّ حال 20 حزيران يقترب وليتحمّلوا مسؤوليّتهم بعد هذا التاريخ».
وقد رُدّ على هذا المنطق «عيّنت نفسك في موقع الذي يريد كل شيء ولا يعطي شيئاً، تريد أن يتنازل الآخرون وتأخذ منهم قانون انتخاب يناسبك، ولا تريد أن تعطيهم شيئاً.. تريد مجلسَ شيوخ بشكلٍ أنت ترسمه، وبرئاسة له أنت تحدّدها، وبصلاحيات فوق صلاحيات مجلس النواب، وفي المقابل لا تريد أن تعطي الآخرين شيئاً، وترفض حتى أن تسمع ملاحظاتهم وتحفّظاتهم.. كل هذا المنحى مرفوض ولن يكون له مكان على الطاولة».
على أنّ الجانب الأساس من هذا الرد، هو الذي لم يُقلْ علناً بعد، وقد لا يطول الوقت حتى يُجاهَر به ويُلقى في أيدي المهوّلين وفيه: «لا توجد أسرار في البلد، كل الناس يعرفون كل الناس، وكل الناس يعرفون ما يجري في الخفايا والغرف المغلقة، وكل الناس على اطّلاع تام ببنود الاتفاقات المعقودة بين بعض الاطراف قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، وفيها التمديد سنة لمجلس النواب، وإجراء الانتخابات على اساس قانون الستين، وتوافق على تعيينات، وملفات مشترَكة وأمور اخرى كثيرة جداً… كل يوم تصعَدون الى قانون السقف الأعلى… لذلك توقفوا عند هذا الحد الذي لن يوصل الى مكان، ولا تهوِّلوا علينا بالفراغ، فإن كنتم تعتقدون أنكم تمسكوننا في اليد التي تُؤلمنا، فأنتم مخطئون.
لذلك لا تخوّفونا بالفراغ، وإن كنتم مصرّين عليه، فليكن، لا تضيعوا الوقت، تفضلوا اذهبوا اليه واسقطوا فيه، ونحن معكم، وعندها هاتوا ما عندكم، وارسموا خريطة الخروج من هذا المأزق، ولا تنسوا أن تطمئنونا عن حال البلد وعن حالكم في تلك الفترة… وقبل ذلك لا تنسوا أن تضعونا في حجم تداعيات هذا السقوط، وكذلك في أجواء خطتكم لمواجهتها».
هذا الكلام يُقال في المجالس الداخلية، ولم يُقل علناً بعد، صحيح أنّ الصراخ مستمر، والانفعال والغيط يزدادان تورّماً ولغة التحدّي هي الحاكمة حتى إشعار آخر، لكن مع ذلك، الجرّة لم تنكسر بعد.
وما زال هناك أمل، وهنا ينبغي التوقف ملياً عند ما صرَّحت به كتلة الوفاء للمقاومة، لناحية «القبول بصيغة النسبية الكاملة من قبل الجميع»، واعتبارها هذا القبول «مؤشراً إيجابياً»، فهل معنى ذلك أنّ هناك مَن قرّر أخيراً أن ينزل عن شجرته؟ الجواب في المقبل من الأيام.. حتماً.