نظّم جهاز التنشئة السياسية في حزب القوات اللبنانية بالتعاون مع مصلحة الطلاب حفل تخرّج طلاب أكاديمية الكوادر، دورة شارل مالك، تحت عنوان: “لبنان، تراثٌ وأزل” في المقر العام للحزب في معراب.
بعد النشيدين اللبناني والقواتي وكلمة ترحيبية ألقاها الطالبان جولي داوود وشربل عنداري، تحدث رئيس مصلحة الطلاب جاد دميان فقال في كلمته:” هذه الأكاديميةُ، التي تقام للمرة الأولى بعدَ الدورة التثقيفية، هيَ نتيجةُ عملٍ تكامليٍّ بين مصلحة الطلاب وجهاز التنشئة السياسية في حزب القوّات اللبنانية. لقد أمضى الخرّيجون فترةً تزيدُ عن ستّة أشهرٍ في بيت الكاهن في معاد حيث اكتسبوا المعرفةَ المعمّقةَ في مختلف القضايا التاريخيّة والسياسيّة، بالإضافة الى المهارات القياديّة والجماعيّة. أيّها الخرّيجون، لقد أكملْتُم محطةً جديدةً في سلسلة محطّات مسيرتكم الحزبيّة والوطنية. واجبٌ عليكُم العملُ على ترسيخ الأفكار والمبادىء والمهارات التي اكتسبتموها بعيداً عن الديماغوجية والشعبوية التي تفتكُ بالمجتمعات. إنّ قضيّتَنا التي تمتدُّ لمئات السنين هيَ قضيّةُ تاريخٍ ومقاومةٍ ونضال. قضيّةُ عائلةٍ، وكنيسةٍ وبيت. قضيّةُ مشروعٍ لا يمكنُ أن يتحقّقَ إلّا من خلال تخّطي الذات والسعي إلى المزاوجة بين الفكر والفعل.”
ولفت الى أن “مرضَ النسيان الذي تحدّثَ عنهُ المفكّرُ شارل مالك لم يجدْ لهُ حياةً في القوّات اللبنانيّة، لذلكَ أصرّينا على أن تكونَ أوّلُ دفعةٍ لأكاديمية الكوادر في مصلحة الطلاب باسمه، عربونَ تقديرٍ بسيطٍ ومتواضعٍ لرجل خطَّ إنجازاتٍ سياسيةً وفلسفيةً وديبلوماسيةً وإنسانية.”
ووجّه دميان التحيّة “إلى كلّ مَنْ شاركَ في إنجاح هذا المشروع، وخاصةً إلى جهاز التنشئة السياسيّة في الحزب بشخص الدكتور أنطوان حبشي ومكتب الإعداد الفكريّ في مصلحة الطلاب بشخص الرفيق رامي جبور. ولا يسعُني إلّا أن أشكرَ القيمةَ المضافةَ لهذه الأكاديميّة، المفكّر أنطوان نجم، على وقته ومجهوده، إلى جانب الدكتور حبيب شارل مالك الذي أبدى كاملَ التعاون وأسهمَ في وصولنا إلى جزءٍ من أرشيف والده العظيم.”
تلاه رئيس جهاز التنشئة السياسية الدكتور أنطوان حبشي الذي رأى في كلمته “ان الطلاب في كل المجتمعات هم القوة الدافعة نحو الحداثة والتطور، وهم الطاقة الطالبية التي لديها نوع من الرفضية للواقع من أجل التغيير نحو الإيجابية”، لافتاً الى ان “كل حركة اعتراضية على الواقع دون أهداف تمنع التغيير”.
واذ شدد على وجوب العودة الى الماضي وأخذ العبر منه في اتجاه العمل نحو مستقبل جديد، أكّد حبشي “ان العمل السياسي هو كما يقول كيسينجر هو “الكلمة”، التي هي وسيلة العمل السياسي والمرادف لهذه “الكلمة” هو “الإقناع”…
وشرح أن “وسائل المعركة السياسية هي المعرفة والمعلومات وإمكانية النقاش والانفتاح على الآخر فضلاً عن الالتزام بالقضية والمثابرة والاستمرار، فأنتم ملتزمون سياسياً لتُغيّروا الصورة، فالمعرفة لمجرد المعرفة تُصبح ترفاً فكرياً ولكن نحن كحزب سياسي نستخدم الأفكار لنصل الى أهدافنا”.
أما المفكّر أنطوان نجم فعنوّن مداخلته:”شارل مالك السياسي اللبناني القواتي”، واعتبر أن “أفضل كلام يُقال عن مالك في وسط المعمعان السياسي الضاغط والخطر حيث تبرزُ في هكذا ظروف استقامة المرء باعتبار أن شارل مالك داخله هو خارجه، فهو ليس فقط سياسياً لأن “السياسي” هو عنوانٌ من عناوين كثيرة يحويها”.
وأضاف:”لقد كان فكر شارل مالك عابقاً بعطر يسوع المسيح الذي أحب، فبين عامي 1956 و1958 كان مالك ملتزماً، فعالاً، نافذاً، قوياً بالرغم من أنه كان وزيراً للخارجية وفي الوقت عينه وزيراً للتربية حتى إنه انتُخب نائباً في دورة العام 1957، أما بين عامي 1975 و1987، عاش مالك المقاومة اللبنانية في أعماق أعماقه سواء في جبهة الانسان والحرية أم ضمن القوات اللبنانية، لقد كنا الثلاثة: المفكر شارل مالك، القائد بشير الجميل وأنا، على تواصل دائم فيما بيننا بحيث كنا نحلل، نتناقش، نستنتج ونتوافق على ما ينبغي القيام به”.
وبعد أن فنّد مزايا شارل مالك وبصماته الراسخة في السياسة اللبنانية، استشهد نجم بمقطع من كتابات الراحل الكبير.
بدوره، ألقى رئيس القوات كلمة استهلها بالترحيب بالمفكر أنطوان نجم واصفاً إياه بالجندي المجهول كغيره من الجنود المجهولين في القوات اللبنانية.
وكانت مناسبة شرح فيها جعجع مفهوم السياسة، فاعتبر أنها “من أشرف وأهم الأعمال أو المهام التي يمكن للإنسان الاضطلاع بها، فالسياسة هي بالفعل صناعة التاريخ”.
وأسف جعجع لواقع السياسة في لبنان “اذ باتت عمل الذين لا عملَ لهم، ناهيك عن أنها تحوّلت الى زبائنية مفرطة بعيداً عن أي برامج سياسية فعليّة، الأمر الذي ينعكس واقعاً سياسياً تعيساً، في الوقت الذي تسعى القوات جاهدةً الى تغيير هذا الواقع من خلال ممارستها السياسية المستقيمة”.
وبعد أن هنّأ جهاز التنشئة السياسية ومصلحة الطلاب، تطرق جعجع الى مفهوم وفلسفة الحياة الذي انحدر للأسف في الوقت الراهن نحو مفهوم “حب الأنا L’amour de soi”، فأجدادنا منذ مئات السنين تعذبوا وجاهدوا وناضلوا حتى أنهم بنوا وحفروا الجبال التي لم تكن تصل إليها الطرقات وما كانوا يملكون الوسائل اللازمة لهذه الأعمال، وبقوا متشبثين بأرضهم رغم كل الظروف والمصاعب، بينما نجدُ البعض من شبابنا ما أن يواجه مشكلة بسيطة حتى يختار الهجرة وسيلة للهرب من واقعه”.
واذ اعتبر أنه “إذا لم نكن بشراً كما يجب لن نكون سياسيين كما يجب”، وصف جعجع شارل مالك بأنه “من أهم فلاسفة القرن العشرين ومن أهم الشخصيات الوطنية اللبنانية، فهو الأرثوذكسي الأصيل الذي كان من أشد المعجبين بالمارونية السياسية كتيار فكري ووطني في هذا الشرق”.
وختم جعجع كلمته بمقطع من كتابات شارل مالك:” غريب هو الكائن الانسان -غريب في امتلائه سراً وغرابة، وغريب هو في كونه متغرّباً- غريب متغرّب. وسرّ أسراره يكمن في ذلك التغرّب إياه. لذلك نسأل: متغرّب عن ماذا؟ متغرّب عن مَن؟ ونجيب انه متغرّب عن شيء كانه أو بإمكانه أن يكونه، لكنه، وهو في حالة التغرّب هذه، يكون دون ذلك الشيء أو بعيداً عنه، وحنينه الأخير هو في الرجوع إليه. فغرابة الانسان، إذن، هي في كونه متغرّباً عن شيء يحنّ للرجوع إليه. كلّنا غرباء. أنا أعرف تماماً أيّ غريب، وأزعم، أيها القارئ، أنك أنت أيضاً غريب. غرابتك انك طافح بالأسرار التي أجهل، بل، والتي تجهل أنت أيضاً. وهذا هو الأغرب. غرابتك انك تجيش بالمهام التي لست واثقاً منها أنت نفسك. انك مثلي، تتلمّس أسرارك ومعنى حياتك كلها في هذا التلمّس. ان سرّك الدفين هو أنك تريد، مثلي، إنهاء تغرّبك والعودة إلى كيانك، وتفتّش، مثلي، عن طريق العودة. متى نعود؟ وكيف نعود؟ وإلى أين بالذات؟ وإلى مَن؟ ثم هل نستطيع العودة؟ أم انه قُضي علينا بالتغرّب طيلة العمر؟ وهل من طبيعة كياننا أن نبقى غرباء، نعاني حسرات الغربة؟ تلك هي الأسئلة الأخيرة الحاسمة.”
وتخلّل الاحتفال أفلاماً وثائقية عن سيرة حياة المفكّر شارل مالك، كما وُزّعت الشهادات على الخرّيجين.