وعلى أثرها قال مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري إنّ بلاده قرّرت تغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل في سماء سوريا، فردّ وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمن أنّ تل أبيب ستردّ على ذلك، فيما لو ثبت أنه أصبحت سياسة سورية معتمَدة، بتدمير كل منظومة الدفاع الجوّي السوري.
تجدر ملاحظة تطورين اثنين حصلا أخيراً وهما على صلة بالحرب بين سوريا ومعها «حزب الله» من جهة واسرائيل وواشنطن من جهة ثانية، حول إعادة رسم قواعد الاشتباك بينهما في سوريا:
ـ التطور الاول هو انّ هجوم «التوماهوك» الاميركي على مطار الشعيرات، لم يخلّف فيه اضراراً تذكر، ولكن الاضرار الحقيقية لحقت بموقع توجد فيه منظومة دفاع جوي للجيش السوري، ويبعد عن المطار قليلاً. وتقول معلومات انّ هذا الموقع هو الذي اعترض الطائرات الاسرائيلية الشهر الماضي. وتسرّب انّ احد الضباط السوريين الكبار العاملين فيه لاقى حتفه.
ـ التطور الثاني هو إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية بعد الهجوم على مطار الشعيرات، أنّ على «حزب الله» الانسحاب من سوريا. وتزامن هذا التصريح مع اعلان اسرائيل للمرة الأولى انّ رئيس حكومتها بنيامين نتيناهو دعا الحكومة الامنية المصغّرة الى الاجتماع ومناقشة إمكانية تغيير قرار عدم التدخل في سوريا خارج نطاق ضرب قوافل أسلحة «حزب الله»، وذلك لمصلحة رسم قواعد تدخّل أبعد أثراً.
الغارتان الاسرائيليتان الاخيرتان اللتان حصلتا في القنيطرة في جنوب سوريا، وقرب مطار دمشق خلال اقل من اسبوع، تأتيان بعد اجتماع الحكومة الاسرائيلية المصغرة، ما يَشي بأنّ اسرائيل قررت فعلاً زيادة منسوب تدخلها في سوريا ضد «حزب الله» وسلاح الجو السوري، ذلك ان الغارة الاخيرة استهدفت، بحسب مصادر روسية، بالاضافة الى مخزن لـ«حزب الله»، «سرباً عسكرياً سورياً». كما ان تصريح المتحدث باسم الخارجية الاميركية يشي بأن واشنطن تدعم ضربات جوية اسرائيلية لـ «حزب الله» في سوريا.
تتزامن كل هذه التطورات التي بدأت مع هجمة التوماهاك على مطار الشعيرات واستكملتها اسرائيل بغارتين خلال اقل من اسبوع على مواقع للجيش السوري و«حزب الله»، مع تسريبات ديبلوماسية اثارت القلق في بيروت، ودفعت «الحزب» الى تنظيم جولة اعلامية على الحدود اللبنانية مع اسرائيل، ليعلن من خلالها انه يرصد نيات مستجدة لدى اسرائيل لتصعيد عسكري، قد لا يصل الى مستوى حرب شاملة، ولكنه يحاكي تدشين تل ابيب مساراً استنزافياً شبه يومي ضد الحزب في سوريا وقد يتدحرج الى لبنان.
وفي المعلومات ذات الصلة باحتمال تصاعد التوتر بين «حزب الله» واسرائيل انطلاقاً من سوريا وإمكانية تمدده ليشمل لبنان، يردّ التالي:
ـ اولاً، في شأن ما تمّ تناقله عن انّ كلّاً من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري عادا من قمة عمان وفي جعبتهما تحذيرات سمعاها من العاهل الاردني عبدالله الثاني عن إمكانية ان تضرب اسرائيل «حزب الله» في لبنان، فإنّ مصادر تابعت هذه المعلومة، أفادت انّ العاهل الاردني لم يقدّم هذه المعلومة إنطلاقاً من صفته ناقل رسائل من اسرائيل الى لبنان، لأنه لا يقبل ان تكون له هذه الصفة، بل ما قاله هو ما نمي اليه من معلومات متداولة في محافل عالمية.
ـ ثانياً، مبادرة الحريري ومعه وزير الدفاع يعقوب الصرّاف وقائد الجيش جوزيف عون الى تفقّد الموقع نفسه الذي نظّم فيه «الحزب» الجولة الاعلامية، أملاها التوجّس من ان تستغلّ اسرائيل خطوة الحزب لتبرر ما حذّر منه العاهل الاردني من رغبة مبيتة لديها لشنّ عدوان على لبنان.
ـ ثالثاً، على رغم اجواء الحذر الموجودة في لبنان تجاه نيّات اسرائيلية حربية ضده، فإنّ حصيلة استكشاف هذا الامر على المستوى الدولي تؤشر الى انّ ما المرشح الحدوث هو تصعيد عسكري بين الحزب واسرائيل ليس في لبنان، بل في منطقة جنوب سوريا، حيث تل ابيب ومعها واشنطن تريدان إخراج ايران وأذرعتها العسكرية منها.
وفي شأن هذه الجزئية تفيد معلومات انّ مواجهة الحزب في سوريا ستكون مسؤولية التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، فيما اسرائيل ستتولى متابعة طلعاتها الجوية لإضعافه في جنوب دمشق وشرقها وفي القنيطرة، وكل المناطق التي تتّصل جغرافياً مع حدود الجولان.
وليس مُتاحاً في هذه المرحلة المبكرة، التوقع بثقة كيف ستتفاعل هذه الحرب الهادفة الى تغيير قواعد اللعبة في سماء سوريا وفوق ديموغرافيتها الجنوبية المتاخمة للحدود السورية مع اسرائيل، وما اذا كان لبنان سيتأثر بها، ولكن ما تؤكده المعلومات هو انه يوجد مَيل أميركي الى تحييد لبنان عن انعكاسات نزاع واشنطن وتل ابيب مع ايران في جنوب سوريا. غير انّ الامتحان الذي سيمر به هذا الميل، إذا صحّ، هو ما اذا كانت ايران ستقبل بلعبة الفصل بين ساحات وجودها في دول المشرق من العراق الى سوريا فلبنان، وحتى في قطاع غزة.