آلان سركيس :
يتأثّر لبنان غالباً بالتطوّرات الخارجية، خصوصاً في الدول التي كانت تملك تأثيراً تاريخياً، أو الدول الحديثة التأثير، في ساحته.
لا يختلف إثنان على أنّ فرنسا خسرت جزءاً كبيراً من موقعها العالمي نتيجة التطوّرات الأوروبية والدولية وصعود قوى جديدة، لكنّ بيروت لا تزال بالتأكيد نقطةً مهمّةً في استراتيجية باريس العالمية، حيث تحاول مدينة الأضواء الإحتفاظ بمركزِ نفوذٍ يسمح لها أن تكون شريكةً في اللعبة الدولية.
يترقب اللبنانيّون مَن سيكون سيّدَ قصر الإليزيه أو سيدتَه، ويعود الإهتمام اللبناني بالإنتخابات الفرنسية التي انحصرت في دورتها الثانية بين مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن ومرشح الوسط ايمانويل ماكرون لأسباب عدّة، أولها تفاعل اللبنانيين مع كل حدث خارجي وكأنّه يمسّهم مباشرةً، فيما أحداث الداخل المشابهة لا تستحوذ منهم الإهتمام نفسه، ولعلّ الإستفتاء التركي الأخير قسّم اللبنانيين بين مؤيّد للرئيس رجب طيّب أردوغان ومعارض له، أكثر مما فرّق بينهم معسكرا «8 و14 آذار».
السبب الثاني المهمّ الذي يدفع الشعب الى الإهتمام بالإنتخابات الفرنسية التي لا تزال نتائجها غامضة، هو الإرتباط التاريخي والثقافي والتعليمي وحتّى السياسي بين البلدين، إذ تدخل اللغة الفرنسية في صلب «اللهجة» اللبنانية، في حين أنّ فرنسا «الأمّ الحنون» تركت بذوراً ما زالت ناميةً في البيئة اللبنانية.
أما السبب الثالث، فهو الإهتمام الفرنسي بالوضع السياسي اللبناني، إذ إنّ الدول تُحرّكها المصالح، ولباريس أيضاً مصالحها في لبنان والعالم، لكنّ معظم السياسيين اللبنانيين يعترفون بأنّ فرنسا هي مِن أصدق الدول التي تعاطت مع الملفّ اللبناني، خصوصاً مع أزماته الرئاسيّة، ولا ينسى البعض الدعمَ المطلق الذي منحه الرئيس السابق جاك شيراك لـ«ثورة الأرز» وصداقته المتنية مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ويدخل العاملُ الديني عنصراً أساساً في الإرتباط بين البلدين، خصوصاً لجهة العلاقات المميَّزة التي جمعت الموارنة وفرنسا، وإستثمارها لمصلحة إنشاء دولة لبنان الكبير، إضافة إلى فضل الفرنسيّين في بناء المؤسسات الدستورية والقانونية وتنظيم شؤون الدولة وإدارتها.
ومن هذا الباب، يمكن مقاربة ما يُعانيه لبنان حالياً من أزمات دستورية، وليس آخرها إقرار قانون جديد للإنتخاب، إذ إنّ المرض الذي ضرب الحياة السياسية جعل من أيِّ إستحقاق دستوري أزمةً وطنية، وكأنّ الدستور اللبناني ليس واضحاً، وكأنّ القوانين وجهةُ نظر.
وتحاول الطبقة السياسية تطبيق طروحات نصّ عليها «إتفاق الطائف» مثلاً وجرّبتها سابقاً. فمجلس الشيوخ الذي يطرحه البعض حلّاً للأزمة، أنشأه الإنتداب الفرنسي عام 1926، لكنّه حلّه بعد عام تقريباً بسبب تضارب صلاحياته مع مجلس النوّاب.
كان الإنتداب الفرنسي متحكِّماً بمفاصل اللعبة الداخلية ولم يستطع التوفيق بين مجلسَي الشيوخ والنواب، فكيف الحال في وقتنا هذا حيث تغيب قوّةُ الإحتلال الضابطة للإيقاع، وتتوزّع معظم ولاءات القوى السياسية على سفارات متعدّدة لا تلتقي في معظم الأحيان، وبالتالي هناك سؤال جوهري حول الصلاحيات، ومَن سيكون رئيس مجلس الشيوخ.
كما يطرح مجلس الشيوخ في اطار مشروع إلغاء الطائفية السياسية، وإذ بالسياسيين يغرقون في جدل عقيم حول طائفة رئيسه، وهل سيكون درزياً أو مسيحياً، مع أنّ التوزيع الطائفي يؤكّد وجوبَ أن يكون للمسيحيين. وفي حال تمّ الإتفاق على طائفة رئيسه، فهل ستقبل طائفة رئيس مجلس النوّاب بالتقليص من صلاحياته لمصلحة رئيس مجلس آخر؟ وإذا تمّ هذا الأمر، فهل نصبح دولةً بأربعة رؤساء؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ العالم يعيش مرحلة تصاعد التطرّف الذي سبّبته «داعش» وأخواتها وترهيبها دولاً كبرى، وإنعكس ذلك على مستوى القيادات الغربية ودولهم، إذ إنّ بريطانيا خرجت من الإتحاد الأوروبي لتحافظ على خصوصيّتها التاريخيّة، وأوروبا تغرق في أزمة النازحين السوريين، والرئيس دونالد ترامب وصل الى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بعدما طرَح بناءَ جدارٍ عازل لحماية حدود بلاده، فيما يتشدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا والمنطقة، وتحاول تركيا بقيادة أردوغان إستعادة دورها التاريخي.
وفي لبنان، تشتدّ موجاتُ الطروحات المتطرِّفة من كلّ الأطراف، في وقت يحاول المسيحيون تحصيل حقوقهم وحفظ دورهم داخل النظام. وفي نظرة الى الخريطة اللبنانية، يلاحظ المراقبون أنها غيرُ منفصلة عمّا تشهده المنطقة والعالم نتيجة ترابط الساحات، لكنّ هذا الأمر يبقى في إطار الإشتباك السياسي والطائفي ولا يتعدّاه ليصل الى المواجهات العسكريّة.
ويُعدّ قانون الإنتخاب من أبرز الموضوعات التي رفعت منسوبَ التوتّر الطائفي، وفيما تستعدّ فرنسا لجولتها الرئاسية الثانية والنهائيّة، يبقى النقاشُ
الإنتخابي في لبنان مشتعلاً، وهذا النقاش بدأ منذ مرحلة الإنتداب الفرنسي حيث كاد أن يؤدّي الى حرب طائفية بسبب الخلاف على توزيع المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين، الى أن حسَم إحصاءُ العام 1932 الجدل ووزّع المقاعد والمناصب المهمة على الطوائف.
لا يمكن ربطُ موجات التطرّف اللبناني بصعود التطرّف في فرنسا والعالم، إذ إنّ التطرّف الغربي يبقى في المواقف والطروحات السياسية وحتى القومية، في حين أنّ التطرّف الذي يعانيه العالم هو تفشي الإرهاب باسم الدين الإسلامي، وهذا ما تنبّهت له المرجعيات الإسلامية الكبرى وعلى رأسها الأزهر، من هنا فإنّ لبنان الذي عانى من الإحتلالات، من ثمّ تدخُّل القناصل والسفارات التي أشعلت حربَي 1841 و1860، وبعدها الثورات والأزمات الداخلية وصولاً الى حرب 1975 يُعتبر بلد الغرائب السياسية، والذي لا يشبه وضعُه وضعَ أيّ بلد آخر.
يترقب اللبنانيّون مَن سيكون سيّدَ قصر الإليزيه أو سيدتَه، ويعود الإهتمام اللبناني بالإنتخابات الفرنسية التي انحصرت في دورتها الثانية بين مرشحة اليمين المتطرّف مارين لوبن ومرشح الوسط ايمانويل ماكرون لأسباب عدّة، أولها تفاعل اللبنانيين مع كل حدث خارجي وكأنّه يمسّهم مباشرةً، فيما أحداث الداخل المشابهة لا تستحوذ منهم الإهتمام نفسه، ولعلّ الإستفتاء التركي الأخير قسّم اللبنانيين بين مؤيّد للرئيس رجب طيّب أردوغان ومعارض له، أكثر مما فرّق بينهم معسكرا «8 و14 آذار».
السبب الثاني المهمّ الذي يدفع الشعب الى الإهتمام بالإنتخابات الفرنسية التي لا تزال نتائجها غامضة، هو الإرتباط التاريخي والثقافي والتعليمي وحتّى السياسي بين البلدين، إذ تدخل اللغة الفرنسية في صلب «اللهجة» اللبنانية، في حين أنّ فرنسا «الأمّ الحنون» تركت بذوراً ما زالت ناميةً في البيئة اللبنانية.
أما السبب الثالث، فهو الإهتمام الفرنسي بالوضع السياسي اللبناني، إذ إنّ الدول تُحرّكها المصالح، ولباريس أيضاً مصالحها في لبنان والعالم، لكنّ معظم السياسيين اللبنانيين يعترفون بأنّ فرنسا هي مِن أصدق الدول التي تعاطت مع الملفّ اللبناني، خصوصاً مع أزماته الرئاسيّة، ولا ينسى البعض الدعمَ المطلق الذي منحه الرئيس السابق جاك شيراك لـ«ثورة الأرز» وصداقته المتنية مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ويدخل العاملُ الديني عنصراً أساساً في الإرتباط بين البلدين، خصوصاً لجهة العلاقات المميَّزة التي جمعت الموارنة وفرنسا، وإستثمارها لمصلحة إنشاء دولة لبنان الكبير، إضافة إلى فضل الفرنسيّين في بناء المؤسسات الدستورية والقانونية وتنظيم شؤون الدولة وإدارتها.
ومن هذا الباب، يمكن مقاربة ما يُعانيه لبنان حالياً من أزمات دستورية، وليس آخرها إقرار قانون جديد للإنتخاب، إذ إنّ المرض الذي ضرب الحياة السياسية جعل من أيِّ إستحقاق دستوري أزمةً وطنية، وكأنّ الدستور اللبناني ليس واضحاً، وكأنّ القوانين وجهةُ نظر.
وتحاول الطبقة السياسية تطبيق طروحات نصّ عليها «إتفاق الطائف» مثلاً وجرّبتها سابقاً. فمجلس الشيوخ الذي يطرحه البعض حلّاً للأزمة، أنشأه الإنتداب الفرنسي عام 1926، لكنّه حلّه بعد عام تقريباً بسبب تضارب صلاحياته مع مجلس النوّاب.
كان الإنتداب الفرنسي متحكِّماً بمفاصل اللعبة الداخلية ولم يستطع التوفيق بين مجلسَي الشيوخ والنواب، فكيف الحال في وقتنا هذا حيث تغيب قوّةُ الإحتلال الضابطة للإيقاع، وتتوزّع معظم ولاءات القوى السياسية على سفارات متعدّدة لا تلتقي في معظم الأحيان، وبالتالي هناك سؤال جوهري حول الصلاحيات، ومَن سيكون رئيس مجلس الشيوخ.
كما يطرح مجلس الشيوخ في اطار مشروع إلغاء الطائفية السياسية، وإذ بالسياسيين يغرقون في جدل عقيم حول طائفة رئيسه، وهل سيكون درزياً أو مسيحياً، مع أنّ التوزيع الطائفي يؤكّد وجوبَ أن يكون للمسيحيين. وفي حال تمّ الإتفاق على طائفة رئيسه، فهل ستقبل طائفة رئيس مجلس النوّاب بالتقليص من صلاحياته لمصلحة رئيس مجلس آخر؟ وإذا تمّ هذا الأمر، فهل نصبح دولةً بأربعة رؤساء؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ العالم يعيش مرحلة تصاعد التطرّف الذي سبّبته «داعش» وأخواتها وترهيبها دولاً كبرى، وإنعكس ذلك على مستوى القيادات الغربية ودولهم، إذ إنّ بريطانيا خرجت من الإتحاد الأوروبي لتحافظ على خصوصيّتها التاريخيّة، وأوروبا تغرق في أزمة النازحين السوريين، والرئيس دونالد ترامب وصل الى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بعدما طرَح بناءَ جدارٍ عازل لحماية حدود بلاده، فيما يتشدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا والمنطقة، وتحاول تركيا بقيادة أردوغان إستعادة دورها التاريخي.
وفي لبنان، تشتدّ موجاتُ الطروحات المتطرِّفة من كلّ الأطراف، في وقت يحاول المسيحيون تحصيل حقوقهم وحفظ دورهم داخل النظام. وفي نظرة الى الخريطة اللبنانية، يلاحظ المراقبون أنها غيرُ منفصلة عمّا تشهده المنطقة والعالم نتيجة ترابط الساحات، لكنّ هذا الأمر يبقى في إطار الإشتباك السياسي والطائفي ولا يتعدّاه ليصل الى المواجهات العسكريّة.
ويُعدّ قانون الإنتخاب من أبرز الموضوعات التي رفعت منسوبَ التوتّر الطائفي، وفيما تستعدّ فرنسا لجولتها الرئاسية الثانية والنهائيّة، يبقى النقاشُ
الإنتخابي في لبنان مشتعلاً، وهذا النقاش بدأ منذ مرحلة الإنتداب الفرنسي حيث كاد أن يؤدّي الى حرب طائفية بسبب الخلاف على توزيع المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين، الى أن حسَم إحصاءُ العام 1932 الجدل ووزّع المقاعد والمناصب المهمة على الطوائف.
لا يمكن ربطُ موجات التطرّف اللبناني بصعود التطرّف في فرنسا والعالم، إذ إنّ التطرّف الغربي يبقى في المواقف والطروحات السياسية وحتى القومية، في حين أنّ التطرّف الذي يعانيه العالم هو تفشي الإرهاب باسم الدين الإسلامي، وهذا ما تنبّهت له المرجعيات الإسلامية الكبرى وعلى رأسها الأزهر، من هنا فإنّ لبنان الذي عانى من الإحتلالات، من ثمّ تدخُّل القناصل والسفارات التي أشعلت حربَي 1841 و1860، وبعدها الثورات والأزمات الداخلية وصولاً الى حرب 1975 يُعتبر بلد الغرائب السياسية، والذي لا يشبه وضعُه وضعَ أيّ بلد آخر.