ومن هنا، يعترف كثيرون بأنّ مشروع «الاشتراكي» لن يشكّل أيَّ خرق في الجدار الذي يقطع الطريق أمام قانون توافقي ما لم تتفق عليه القوى الفاعلة. ولذلك لن يستغرب أحد أن يلقى القانون الجديد مصير ما سبقه من المشاريع المكدَّسة في مجلس النواب ولدى فرق العمل المتخصصة في تقسيم الدوائر وإحصاء الكتل الناخبة على خلفياتها المذهبية والحزبية والسياسية.
وعليه لم يأخذ أيّ من المتابعين التوصيف الذي لجأ اليه الحزب التقدمي الاشتراكي في حفلة إطلاق القانون بالجدية المفترضة. فإشارتهم الى انهم لم يناقشوا النتائج المترتبة عليه وإصرارهم على وجود كثير من «الغموض البنّاء» لم يُقنع أحداً.
ومرد ذلك الى اعتراف أحد الخبراء في قوانين الإنتخاب بأنّ البلد منشغل هذه الايام بالقانون الإشتراكي، وإلى أن يطرح رئيس مجلس النواب نبيه بري مشروعه سينشغل به المسؤولون لأيام عدة إضافية بعدما تسرّب أنه جديد وقد بني على أساس النسبية الكاملة في 6 دوائر أو 10 دوائر، مع احتمال أن يلجأ الى صيغة ثانية هي بمثابة «العودة إلى تطبيق الطائف عبر البدء بإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس الشيوخ». وهو المشروع الذي قال فيه مُعدّوه إنه سينصف المسيحيين وسيرفع من عدد المقاعد التي تتحكّم بها الأكثرية المسيحية وصولاً الى مزيد من العدالة.
والى مطلع الأسبوع المقبل، يضيف الخبير، يمكن أن تظهر مشاريع جديدة قد يكون أحدها لرئيس الحكومة سعد الحريري، وآخر لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لتعبر البلاد المرحلة الفاصلة عن جلسة 15 أيار المقبل بلا توافق على قانون جديد، فيتجدّد الجدل السياسي والدستوري حول الخطوة المقبلة التي يمكن أن يقود اليها المسار الذي يرسمه بري في تلك الجلسة في ضوء خريطة المواقف من ملف التمديد في غياب التوافق على القانون الجديد ليفتح نقاشاً من نوع آخر سيفرضه الرد المتوقع من رئيس الجمهورية بعد نفاذ مهلة الشهر على تجميد عمل المجلس.
وعلى هذه الخلفيات، تبني المراجع السياسية والدستورية سيناريوهات عدة جديدة يبدأ أولها بإصرار بري على التمديد في جلسة 15 أيار بالإستناد الى اقتراح القانون المقدَّم من النائب نقولا فتوش على رغم فقدان الجلسة ميثاقيتها إذا ما أصرّت الكتل المسيحية على الرفض.
والذي في حال إقراره بالنصاب القانوني سيبدأ الجدل حول الخطوة التي سيرد بها رئيس الجمهورية ضمن مهلة الأيام الخمسة التي تليها. فإذا ردّه الى المجلس من ضمنها سيكون عليه أن يعيد التأكيد عليه رغم إرادة الرئيس. فيُضطر عندها هذا الرئيس بما يمتلكه من سلطات دستورية الى الطعن أمام المجلس الدستوري. والى أن يبتّ المجلس بالطعن تكون الدورة العادية للمجلس قد انتهت في نهاية أيار من دون الوصول الى القانون العتيد.
وفي هذه المرحلة – يقول خبراء دستوريون- ستتغيّر قواعد اللعبة التي تتحكّم بالعلاقة بين رئيسي الجمهورية والمجلس، وسيعود الأمر الى رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة مجدداً لرسم شكل الجدل المتوقع في حينه.
وهو أمر يبدأ باحتمال أن يفتح رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة دورة استثنائية للمجلس أو عدمه، فتدخل البلاد مساراً جديداً تضغط فيه المهل الفاصلة عن نهاية ولاية المجلس النيابي ليل 19 – 20 حزيران المقبل.
وأمام هذه السيناريوهات المتوقعة، لن تكون الساحة السياسية هادئة وسيرتفع منسوب التوتر وتشتدّ المواجهات.
وعند هذه الحدود لا يمكن أيٌّ من المراقبين تقدير ما سيكون عليه الوضع من تشنّج، وستدخل البلاد معها مدار «الشغور النيابي» الذي يخشى منه كثيرون نظراً الى حجم ما هو مرتقب من مواقف للثنائي الشيعي من «الحدث الجلل» والذي تختلف قراءة مفاعيله الدستورية، بين قائل بـ«استمرار العمل في المرفق العام» الذي يشكل مصدر كل السلطات التي تمارسها الحكومة بفعل نيلها ثقة مجلس انتهى دوره وانتهت وكالته، وربما وصولاً الى التشكيك بشرعية رئيس الجمهورية المنتخب من المجلس المنحلّ عينه.
وفي المقلب الآخر، هناك آخرون لا يرون في ما هو متوقع سوى «الشغور النيابي» وسط خلافات ظاهرة من الآن حول سبل إدارة المرحلة التي تليه، وليس أقله الخلاف حول إلزامية إجراء الإنتخابات وفق القانون النافذ 25 / 2008 ضمن مهلة الأشهر الثلاثة التي تليه وأن لا يعود المجلس الى ممارسة مهماته في نهاية الأشهر الثلاثة ما لم تنجح الحكومة في إجراء هذه الإنتخابات لأيّ سبب كان.
والأخطر في ما هو متوقع من سيناريوهات أنّ لكل صاحب سيناريو ما يكفي من التفسيرات الدستورية التي تشجعه على المضي في رأيه الى النهايات التي يمكن أن تنعكس على أعمال السلطة السياسية.
فمَن يضمن بقاءها موحَّدةً ما لم تتوافر القوة التي يمكن أن تفرض حلّاً يعيد للدستور هيبته ومكانته لترتسم معالم المرحلة المقبلة بما يضمن وحدة الدولة ومؤسساتها بدلاً من السيناريوهات السلبية الأخرى التي لا يمكن التوغل فيها من الآن.