لكنّ ترامب الذي كان أوكل الخطة العسكرية لضرب «داعش» وترتيب الساحة الميدانية لوزير الدفاع جيمس ماتيس، رسم العناوين العريضة لرسالته الصاروخية والتي تطاول أيضاً المفاوضات حول سوريا والتسوية الاسرائيلية – الفلسطينية.
وعندما اختار ماتيس مطار الشعيرات لضربته الصاروخية، فهو وضع اعتبارات كثيرة في حساباته. صحيح أنه نفّذ ضربته بعد إخطار موسكو وبوقت مريح، لكنه ايضاً نفّذ ضربة لا تؤذي جدّياً الركائز الحقيقية والحيوية للنظام السوري. إلّا أنّ القطبة الأهم تتعلق بما هو أبعد لتصل الى حدود البدء بترتيب الساحة السورية للانتشار العسكري الاميركي مستقبلاً، ولهذا تمّ اختيار مطار الشعيرات دون سواه.
وتروي أوساط ديبلوماسية مطّلعة أنّ القيادة العسكرية الاميركية باتت تنظر بقلق الى مستقبل الاستقرار في تركيا، خصوصاً في ظل الاستفتاء الذي طرحه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حول تعزيز صلاحياته والذي سيحصل بعد ايام، ذلك أنّ بوادر مواجهات داخلية قد تحصل، بدليل اكتشاف مخازن للأسلحة كان آخرها في اسطنبول.
في المقابل، يعمل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على إنشاء مجموعة مسلّحة بالأسلحة الخفيفة بهدف مساعدة القوى الامنية في الدفاع عن السلطة. والأهم إقتناع أوروبا بأنّ مصلحتها هي وجود اردوغان قوي ولكن بقيود دستورية تمنعه من التهوّر مستقبلاً.
وفيما أنهى الجيش التركي إنجاز «الجدار الخرساني» العازل بين تركيا وسوريا من ضمن مشروع نظام أمني جديد بطول 56 كلم، اتجهت العلاقات التركية ـ الروسية الى مزيد من الانحدار، ولو بصمت، مع وجود توجّه لوقف رحلات طيران «الشارتر» من روسيا الى تركيا، ما شكل ضربة جديدة لقطاع السياحة. كل ذلك يعني أنّ تركيا امام مرحلة غامضة، وما يعزّز هذا الاستنتاج وجود توجّه أميركي للانسحاب من قاعدة انجرليك.
وتشير المعلومات الى أنّ وزارة الدفاع الاميركية استكشفت مطار الطبقة في سوريا ليكون قاعدة عسكرية، اضافة الى تجهيز مطار هاجر والسعي الى تجهيز مطارين صغيرين في القامشلي كانا يُستعملان للنقل الزراعي، مع الاشارة الى أنّ مطار الطبقة يبعد نحو 40 كلم من الرقة.
وبذلك يبدو استهداف مطار الشعيرات خطوةً إلزامية لتعطيله ووضعه خارج الخدمة بهدف حماية التمركز الأميركي لاحقاً، مع الاشارة الى أنّ التمركز الأميركي سيحصل بذريعة متطلبات الحرب على «داعش» في الرقة، والأهم أنه سيسمح بسيطرة الجيش الأميركي على التواصل البرّي بين طهران ولبنان. وفي المقابل باشر تنظيم «داعش» تنفيذ خطة الدفاع عن «دولته».
وغداة لقاء الرئيسين الأميركي والمصري، وصف ترامب ضيفه بأنه قلعة وأحد الحصون ضد العنف الإسلامي. وكان ترامب يتحدث عملياً عن الدور الذي ستلعبه مصر في سوريا وايضاً على الساحة الفلسطينية والترتيبات السياسية للتسويات المطروحة.
لذلك ركّز تنظيم «داعش» حركته في مصر، ولكن من خلال جبهتين: الأولى من صحراء سيناء حيث تمّ إطلاق صواريخ في اتجاه إسرائيل. والثانية داخل مصر من خلال التركيز على استهداف المسيحيين وإحداث مواجهات مسيحية – إسلامية وتمزيق النسيج الداخلي المصري الذي يستند عليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقد استبقت هذه الاعتداءات المروعة زيارة قداسة البابا الذي سيوجّه من خلالها إشارة دعم قوية للسيسي.
وفيما يُحكى عن خبراء عسكريين أميركيين دخلوا خلال الايام الماضية الى درعا من البوابة الأردنية، تبدو إسرائيل مطمئنة الى الوعود الأميركية بإنشاء منطقة عازلة في المنطقة السورية المحاذية للجولان، لكنها في المقابل تُبدي قلقها من القدرة الصاروخية النوعية لدى «حزب الله» والقادرة على تهديد الساحل الإسرائيلي ومنصات استخراج الغاز في ظل تطوير حركة «حماس» قدراتها البحرية من خلال وجود ضفادع بشرية تحظى بدرجة عالية من التدريب.
كل هذه الصورة المتشابكة والتي توحي بنزاع عنيف بدأ عملياً، لا يبدو لبنان بعيداً منها. فاشتباكات مخيم عين الحلوة ليست بعيدة من المناخ العام المحتقن في الشرق الاوسط. من هذه الزاوية تصرّ حركة «فتح» بالتعاون مع السلطات اللبنانية على تطهير المخيم من المجموعات المتطرفة والإمساك به جيداً، بحيث لا يصبح ورقةً لإمرار الرسائل مع الدخول فعلياً في مفاوضات التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية.
ومن هذه الزاوية أيضاً يمكن تفسير موقف حركة «حماس» التي تريد تطويع هذه المجموعات لكن من دون القضاء عليها وإحراق ورقتها بكاملها في المخيم لكي يمكن استخدامها لاحقاً في حال الحاجة اليها عند المفاصل المهمة للمفاوضات.
وفيما تراقب العواصم الغربية، وخصوصاً واشنطن من خلال سفاراتها، تطورات المعارك في مخيم عين الحلوة بكل تفاصيلها، فإنها بدت قلقة من الأزمة السياسية التي تهدد الاستقرار العام. ذلك أنّ هذه العواصم تريد كأولوية تثبيت الاستقرار اللبناني الداخلي لتحييد لبنان عن اتون المنطقة. إستقرار أمني رغم القلق من توسيع «داعش» مسرح إرهابه فيستهدف مسيحيّي لبنان كما مسيحيّي مصر.
واستقرار إقتصادي من خلال إعادة تحصين الدولة ومداخيلها ومحاربة الفساد واستقرار سياسي يحمي لبنان من الإنحدار الى منزلقات غير محسوبة، وهو ما دفع الى تسهيل التسوية التي أدّت الى إنهاء الفراغ الرئاسي في الخريف الماضي.
وحسب هؤلاء فإنّ التمديد للمجلس النيابي قد يعني انتخابات وفق القانون الحالي، أما الفراغ فهو أحد السبل لإدخال لبنان في فوضى دستورية داخلية ستؤدي حكماً الى المؤتمر التأسيسي في نهاية المطاف في ظل الفوضى الإقليمية العارمة.