سركيس نعوم:
أكّد وزير الخارجيّة جبران باسيل أن “حزب الله” وافق على مشروع قانون الانتخاب الذي وضعه، والذي يعتمد النسبيّة والأكثريّة في وقت واحد في الانتخابات النيابيّة المقبلة. وتأكيده هذا ظهر في مواقف إعلاميّة له في بيروت وبعدها في أوستراليا التي يزورها حاليّاً. كما أكّد في تصريحاته أن غالبيّة الأطراف السياسيّين تؤيّد “مشروعه”.
هل تُعبّر تأكيدات باسيل عن الحقيقة أو عن التمنّيات؟ وهل القصد منها إذا كانت غير حقيقيّة حشر حليفه “حزب الله”؟
يجيب مُتابعون لـ”الحزب” وحركته السياسيّة الداخليّة وخصوصاً ما يتعلّق منها بقانون الانتخاب أنه واثق من أن قانوناً للانتخاب سيصدر قبل انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي بعد أشهر قليلة، وأن تمديداً “تقنيّاً” له سيتمّ بعد ذلك، وأنه مقتنع بأن أمرين انتهيا إلى غير رجعة هما التمديد “غير التقني” والفراغ في السلطة التشريعيّة. أمّا بالنسبة إلى القانون فإن “الحزب” في رأي هؤلاء يوافق الذين يعتقدون أنه مع النسبيّة الكاملة منذ البداية، وأنه ينفّذ خطّة ذكيّة تدفع حلفاءه وأخصامه في آن واحد إلى تأييدها خوفاً من الفراغ وجرّاء رفضه التخلّي عنها، وأنه في النهاية قد يتنازل عن لبنان دائرة ويقبل دوائر أصغر. ولكنّهم يقولون أن استعمال كلمة تنازل في غير محلّها لأن قيادته قالت من زمان علانيّة أنها لا تمانع في دوائر انتخابيّة عدّة مثل المحافظات الخمس التاريخيّة، أو مثل دوائر أصغر مثل التي تضمّنها مشروع حكومة ميقاتي. ويعكس ذلك نجاح “الحزب” حتى الآن في دفع غالبيّة المجتمع السياسي اللبناني من التمسّك بـ”قانون الستّين” ثم به معدّلاً في الدوحة عام 2008 وأخيراً بالمختلط. وهو نجاح مستمر سينتهي باعتماد النسبية. أمّا مشروع باسيل فإن “الحزب” لا يقبله ولم يقبله وقد أبلغ إليه ذلك خلافاً لما يقول في لبنان وخارجه. والمعلومات المتوافرة لديه تشير إلى أن اتفاقاً تمّ بين باسيل ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري ابن عمّته نادر على القانون المختلط الذي يحمل إسم الأوّل. وتشير أيضاً إلى أن هدفه هو التربّع على سدّة رئاسة الجمهوريّة بعد عمّه الرئيس عون. وهو يريد قانون انتخاب يمكّنه من إزاحة منافسه المسيحي الرئيسي النائب سليمان فرنجيه باعتبار أن المنافس الآخر الدكتور سمير جعجع رئيس “القوّات اللبنانية” حليف له الآن، ويستطيع التفاهم معه على الرئاسة والتفاصيل وعلى اقتسام المكاسب. وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى كتلة مسيحيّة متماسكة من نحو 50 نائباً في المجلس الجديد تلغي إلى حد كبير أو بالأحرى تضعف دور رئاستي مجلس النواب والحكومة. ويحتاج إلى “مُختلط” وخصوصاً إذا اعتمد النظام الأكثري في الدوائر التي تيّار باسيل وحلفائه قوي فيها والنسبي في الدوائر التي هو ضعيف شعبيّاً فيها. والتفاهم بينه وبين نادر الحريري قام على الأساس الآتي: قبل انتخابات رئاسة الجمهوريّة طلب الثاني رئاسة الحكومة لابن خاله سعد كي ينتخب نوّاب “المستقبل” عون رئيساً. وبعدها وفي أثناء التفاوض على قانون الانتخاب طلب نادر رئاسة الحكومة لسعد بعد انتهائه. وطبعاً قبل باسيل الطلبين.
إلّا أن موقف “حزب الله” من كل ذلك لا يتطابق مع حليفه “الوطني الحر”. ذلك أنه لن يدع خصمه التاريخي الحريري رغم مراعاته إيّاه اليوم تكتيّاً، استناداً إلى المُتابعين أنفسهم، يربح. ولن يمكّنه و”التيّار” من ضرب رئيس “أمل” ومجلس النواب الحليف نبيه برّي. ولن يقبل التضحية بحلفائه من السُنّة والدروز والمسيحيّين الذين “يُنهيهم” مختلط باسيل. علماً أن مشروع قانون انتخاب نسبي صدر عن حكومة ميقاتي بموافقة أطرافها كلّهم. واستُشير الحريري في ذلك وكان خارجها فوافق. طبعاً برّر وليد بك جنبلاط لاحقاً رفضه النسبيّة بالقول أنه ظنّ أن “مشروع ميقاتي” سيبقى مشروعاً ولن يعتمد. صدق ظنّه ولكن إلى حين. وما يهمّه في رأي “الحزب” هو استمرار زعامته الدرزيّة بغض النظر عن عدد نوّابه. وهذا أمر مضمون على الأقل حتى الآن. أمّا “مستقبل” الحريري فقال لـ”الحزب” في الاجتماع “الحواري” معه قبل أكثر من شهر أنه مع النسبيّة. وفي “اجتماع حواري” آخر أبلغ إليه أنه معها “كاملة وبلا شروط”
في اختصار يؤكّد “الحزب” أنه وطنيّاً مع النسبيّة وأنه يرفض نمو واقع ضدّه في الداخل. ذلك كلّه يُثير أسئلة منها: هل هناك تكاذب حول قانون الانتخاب بين الأطراف الأساسيّين؟ ومن نُصدّق “حزب الله” أو الوزير باسيل؟
sarkis.naoum@annahar.com.lb