أصبح لبنان جاهزاً للمشاركة في المؤتمر الثالث الذي يعقد خلال العام الحالي لدعم الإستقرار فيه من قبل المجتمع الدولي. ويبدو أنّ هذا الاخير يحشد مشاركة واسعة لم يشهدها مؤتمرا «روما 2» الأمني الذي عُقد في إيطاليا لدعم الجيش والقوّات المسلّحة، و«سيدر» الإقتصادي الذي انعقد أخيراً في باريس للبنى التحتية والمشاريع الإستثمارية.
وتتوقّع أوساط ديبلوماسية عليمة أن يُشارك في مؤتمر «بروكسل 2» حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» الذي يُعقد في العاصمة البلجيكية في 24 و25 نيسان الجاري أكثر من 70 دولة ومنظمة، وذلك بهدف تحقيق أمرين أساسيين: أولاً، حشد الدعم الدولي السياسي لعملية السلام في سوريا التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف. وثانياً، تقديم المساعدات الإنسانية للمتضرّرين من السوريين من الأزمة السورية، سواء أكانوا داخل سوريا أو في البلدان المجاورة وهي لبنان والأردن وتركيا.
يتشارك في تنظيم المؤتمر كلّ من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، ليس بهدف حلّ أزمة النازحين السوريين والذي يبلغ عددهم أكثر من 5 ملايين ونصف في دول الجوار، إنّما لامتصاص تداعيات وآثار النزوح عن طريق مضاعفة المساعدات المالية للمنظمات المعنية بشؤونهم وللمجتمعات المضيفة لكي تتمكّن من الصمود الى حين التوصّل الى حلّ سياسي شامل للصراع السوري.
في مؤتمر «بروكسل 1» الذي عُقد في نيسان من العام الماضي، تمكّنت الدول المانحة من جمع 6 مليارات دولار لدعم الأنشطة الإنسانية وتحقيق الإستقرار والتنمية، ونال منها لبنان نحو مليار ونصف. وأفادت المعلومات بأنّ ورقة لبنان الى مؤتمرات المانحين التي عُقدت في لندن والكويت قبل بروكسل غالباً ما كانت تُطالب بتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين التي تُكلّف الدولة اللبنانية بين مليارين ونصف وثلاثة مليار دولار، إلاّ أنّ لبنان لم يحصل من أي منها سوى على ما يُقارب المليار والنصف. غير أنّ الأوساط نفسها أكّدت أنّه في المؤتمر المرتقب سوف تزداد قيمة المساعدات عن العام الماضي في الفترة الممتدة بين 2018 و2020 الى 3,7 مليار دولار إضافي، وبذلك فإنّ المساعدات الممنوحة للنازحين السوريين في لبنان والدول المضيفة الأخرى ستكون أكبر.
كذلك فإنّ وزراء دول الإتحاد الأوروبي، على ما أوضحت، قد قرّروا الإلتزام بقوّة بالتخفيف من الآثار المدمّرة للصراع السوري، وذلك عبر الإستجابة الى طلب «كاريتاس- سويسرا» بمضاعفة مبلغ المساعدات الإنسانية السنوية لسوريا من 50 الى 100 مليون فرنك، على أن يتمّ استخدام هذه الأموال الإضافية لتعليم الأطفال وإنشاء برامج تدريبية للمراهقين والشباب.
وتكشف الأوساط بأنّ مؤتمر «بروكسل 2» يأتي على وقع استجابة المجتمع الدولي لما طلبه لبنان خلال المؤتمر السابق فيما يتعلّق بعقد مؤتمر دولي خاص لمساعدته على إعادة تأهيل البنى التحتية عبر هبات أو قروض ميسّرة بفوائد منخفضة جدّاً من ضمن الخطة التي وضعها وتشمل القطاعات كافة (من مياه وكهرباء وطرق وجسور وصرف صحّي وما الى هنالك) في جميع المناطق اللبنانية التي ينتشر فيها النازحون السوريون، على أن تبلغ قيمة المساعدة التي يخرج بها المؤتمر الدولي نحو عشر مليارات دولار على مدى ثماني سنوات. وهذه المساعدة قد حصل عليها لبنان فعلاً في مؤتمر «سيدر» الأخير، لا بل على أكثر ممّا كان يتوقّع إذ وصلت الهبات والقروض الى 11 مليار دولار ونصف.
وفي انتظار وصول هذه المبالغ الى الحكومة اللبنانية والتي من شأنها تحريك الإقتصاد اللبناني وتوفير فرص العمل للبنانيين من المشاريع الإستثمارية، وإحياء المناطق التي تستضيف النازحين، سيدعو لبنان المجتمع الدولي خلال «بروكسل 2» الى إيجاد حلّ سياسي سريع للأزمة السورية إذ من شأنه وقف تداعياتها عليه وعلى دول الجوار وأوروبا كذلك، سيما وأنّ أعباء النازحين تتفاقم سنة بعد سنة منذ سبع سنوات، ولا بدّ من وضع حدّ نهائي لهذا الأمر.
ومن هنا، فإنّ المشاركين في المؤتمر سيصبّون جهودهم أكثر على الشقّ السياسي للأزمة السورية، على ما ذكرت، كما على طلب لبنان الملحّ والقاضي بضرورة مساعدة المجتمع الدولي له على تأمين العودة الآمنة للنازحين الى المحافظات المستقرّة أساساً والتي عاد اليها الهدوء والأمن في الفترة الأخيرة، وعددها كبير (16 محافظة من أصل 18)، انطلاقاً من أنّ لبنان لم يعد قادراً على مواجهة أعباء النزوح رغم كلّ المساعدات التي تُقدّم له والتي تذهب بغالبيتها للنازحين أنفسهم الذين يجدون أنّها غير كافية.
وبما أنّ غالبية الدول التي ستجتمع في بروكسل متفقة على أنّ عدداً كبيراً من النازحين السوريين في دول الجوار لن يتمكّنوا من العودة الى بلدهم لفترة طويلة لعدم توافر الظروف المناسبة لهذه العودة، من وجهة نظرها، فإنّ لبنان سيطرح عقد مؤتمر دولي يُخصّص لدراسة مسألة «عودة النازحين السوريين الى بلادهم» تخفيفاً لأعباء النزوح على المجتمع الدولي الذي يتقدّم بالمساعدات الإنسانية للمجتمعات المضيفة، كما على دول الجوار ومن ضمنها لبنان، وعلى الدول الأوروبية التي تستضيف أعداداً كبيرة منهم أيضاً.
ويأتي هذا الإقتراح انطلاقاً من رفض الدستور اللبناني، في مقدمته تحديداً، لفكرة التوطين، ومن عدم إمكانية استضافة لبنان للاجئين أو لاندماج هؤلاء في مجتمعه كونه غير موقّع على اتفاقية فيينا للجوء. ومن هنا، يجب أن يقوم المجتمع الدولي على تأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم، على ما لفتت، أو السعي لانتقالهم الى بلد ثالث يكون بلد لجوء. علماً أنّ بعض دول اللجوء قد وافقت على طلبات آلاف العائلات السورية النازحة، غير أنّ عددها يبقى ضئيلاً نسبة الى عدد النازحين بالملايين الى دول الجوار.
في المقابل، على لبنان الذي استعاد ثقة المجتمع الدولي من خلال التزامه بالإستحقاقات الداخلية من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، وهو الآن بصدد التحضير للإنتخابات النيابية التي بدأ العدّ العكسي لها، ويفصلها عن مؤتمر بروكسل نحو 10 أيام فقط، أن يستكمل هذا الأمر، في مؤتمر بروكسل الذي سيجمع أكبر عدد من الدول والمنظمات. ويتوجّب عليه بناء على ذلك التأكيد على حرصه على الشفافية وعلى العمل على مكافحة الفساد في البلاد وعدم هدر الأموال والهبات الممنوحة له من دون القيام بالمشاريع الإستثمارية المتفق عليها.
(الديار)