لياس، ريّان، جاد، يارا، كلارا وياسمين، ستة أطفال لبنانيين أتوا إلى الحياة بطريقة غير عادية، فترافقوا في البطن نفسِه 7 أشهر بحبَلٍ طبيعي 100 في المئة، متخَطّين موانعَ الحمل التي كان والداهم قد وضعاها، ليشكّلوا حالةً فريدة تحصل بين كلّ 4 ملايين حملٍ طبيعي، مبصِرين النورَ يوم أمس الذي شكّلَ تاريخاً مفصلياً في حياة عائلة فضل الله.
لم يكن يوسف (48 عاماً) وزوجته منى (35 عاماً) يخطّطان لإنجاب المزيد من الأطفال، فلهذا الثنائي 4 صبيان أساساً. «فكّرنا إذا بدنا نْجيب بعد ولد، نْجيب بنت تزيّن العيلة، بَس ما كانت الفكرة واردة حالياً»، إلّا أنّ الحمل حصَل رغم اتخاذ كلّ الاحتياطات اللازمة.
حتى هذه السطور قد تبدو القصّة عادية، إلّا أنّ الصورة الصوتية التي أجرتها الزوجة للجنين في المرّة الأولى أظهَرت وجود اثنين آخرَين معه، ليزيد الرقم مع كلّ فحص جديد، حتى وصَل إلى 6 في الأسبوع الحادي عشر!
«حياتنا انقلبَت»
حالُ صدمةٍ ممزوجة بأحاسيس متنوّعة تعيشها عائلة يوسف فضل الله، الوالدِ لأربعة فتيان: علي، عيسى، آدم ودانييل، البالغين من الأعمار 12 عاماً، 9 أعوام، 7 أعوام، وسنتين ونِصف السنة أساساً، أمّا زوجته منى التي كانت تُحضّر لدكتوراه في العلوم السياسية، فوَجدت نفسَها بين ليلةٍ وضحاها أمام استحقاقٍ فريد من نوعه، ينبض إلى جانب قلبها 6 قلوب إضافية، ستحتاج رعايتها وحنانَها واهتمامها وحياتها كلّها.
من جهته، لم يكن زوجُها بعيداً عن أجواء التوتّر، «ألله ما رح يتركنا»، عبارة لم ينفكّ يوسف عن تكرارها مبتسماً، محاولاً إخفاءَ رهبةِ المسؤولية التي يشعر بها، وفيما لم يهدأ هاتفه عن تلقّي رسائل التهنئة، يقول لـ»الجمهورية»: «واكبتُ فترةَ الحمل بتوتّر شديد، خصوصاً بعدما دخلت زوجتي المستشفى وأصبَحتُ مسؤولاً عن 4 أولاد وعن المنزل وحدي، علماً أنّه كان يتحتّم عليّ تحضيرُهم نفسياً لاستقبال 6 أخوة، خصوصاً الصغير بينهم».
يوسف الذي يعمل إدارياً في إحدى الشركات السياحية، يؤكّد أنّ الأوضاع الاقتصادية تشكّل هاجساً له بعد هذا الاستحقاق، مضيفاً: «لكن الله كريم، وكما رَزقنا بالأطفال فإنه سيقف إلى جانبنا في تربيتهم، رغم أنّني متيقّنٌ من أنّ الطريق طويل ومليء بالمشقّات على العائلة بالكامل».
وبين الوضع الاقتصادي في البلد، وصعوبة التربية في ظلّ ازديادِ المخاوف في الحياة والمخاطر، يَحار يوسف بماذا يفكّر، ويضيف: «نحن في لبنان ولا يمكن التغاضي عن هذا الواقع، لذلك حاوَلنا السفر إلى الخارج ليقينِنا بمدى الاهتمام بهذه الحالات ومساعدة العائلات التي تطرقُ هذه السابقةُ بابَها، إلّا أنّنا لم نستطِع، لكنّ وزير الصحة العامة غسان حاصباني تكفّلَ بتكاليف الحاضنات «couveuses» ولم يقصّر باهتمامه».
ويستطرد: «عيشتنا كريمة وكما ربّينا 4 أولاد يمكننا أن نربّي 6 آخرين طالما إنّنا مؤمنون، ولهذا السبب جهّزنا غرفة نوم إضافية للأولاد في منزلنا في حارة حريك لتسييرِ الأحوال في الوقت الحاضر».
عملية قصيرة
خلال نحو ثلاثة أرباع الساعة، خَرج الأطفال الستة إلى الحياة في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي أمس، أحدُهم يزنُ نحو كيلوغراماً، فيما يزنُ أخوتُه بين الـ 800 و900 غرام، شعرَت خلالها الوالدة بكلّ نفَسٍ من أنفاس أولادها الستة، هي التي كانت متمسّكةً بهذا الحملِ رغم نصائح الكثيرين من حولِها بامتناعها عن أخذِ مثبّتٍ للحمل.
حالة نادرة
بدوره، يقول الطبيب المتخصّص في طبّ وجراحة الجنين ومتابعة الحمل المتعثّر في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الدكتور نديم الحجل، الذي أجرى عملية الولادة لـ»الجمهورية»، إنّ «حمل منى قويّ لدرجةٍ استطاع خرقَ حواجز منعِ الحمل، ما يدلّ على خصوبةٍ عالية واحتمالِ وجودِ تكيّسٍ على المبيض، ما يشكّل أحياناً أكثر من بويضة واحدة، علماً أنّني لم أكن أتابع وضعَ الأمّ قبل الحمل، كونها لجأت إلى المستشفى بعدما كانت في شهرها الثاني وهي حاملٌ تلقائياً بستة أجنّة».
ويضيف: «إستطعنا إجراءَ عملية قيصرية في الشهر السابع وكانت النتيجة ولادة ستّة أطفال بصحّة جيّدة نسبةً لوقتِ ولادتهم، من دون أن تكون الولادة مبكرةً أو متأخّرة، كون الوقت الإضافي في حالة منى يشكّل خطراً على حياتها، إذ سبقَ وأنجبَت أطفالها الأربعة بعمليات قيصرية، ما يشكّل خطراً متمثّلاً بفتحِ الجرح السابق نظراً للثِقل، ولكونه أصبح رقيقاً جداً جرّاء تكرارِ عمليات تقطيبه وفتحِه 4 مرّات».
ويتابع: «دخلت منى المستشفى قبل نحو شهرٍ وأسبوع من الولادة وكنّا نتابعها في شكلٍ متواصل، حتى استطعنا الوصولَ إلى الشهر السابع كحدٍّ أقصى لتوليدها».
ويشير الحجل إلى «أنّنا أعطينا الأطفال أدويةً لحماية أجهزتهم العصبية وأدمغتِهم وذكائهم قبلَ ولادتهم، كما عملنا على نفسية الوالدة لتجنيبِها الإحباط النفسيّ الطبيعي في هذه الحالة، إذ كانت مشاعرها مختلطة ما بين خوفٍ وغرابة وتوتّر وفرح..».
أمّا عن الوضع الصحّي للأطفال، فيقول: «الأطبّاء الاختصاصيون في طبّ الأطفال حديثي الولادة طمأنونا أنّ الأطفال الستة بخير نسبةً لعمرهم وحالتِهم، لكنْ يجب متابعتُهم كأيّ أولاد يولدون قبل أوانهم».
إذاً، إنضمّ 6 أطفال إلى أسرة فضل الله الصغيرة، وإلى أسرة اللبنانيين الكبيرة التي تُعاني الظلمَ والفساد وغياب الضمانات الخ… كافحوا ليأتوا إلى حياةٍ لا يُدركون مشقّاتها، وإلى دولة يَجهلون ظلمها. سيَكبر هؤلاء الأطفال مع غيرهم من اللبنانيين، آملين أن تكون الحياة أكثرَ عدلاً عندما يكبرون، وأن يكونَ كفاحهم لإبصار النور يستحقّ كلَّ هذا العناء.
ربى منذر – الجمهورية