يقول هؤﻻء المتابعون إنّ حكومة الرئيس تمام سلام، التي كانت تفتقر إلى هذه المشاركة الوازنة من فريق 14 آذار، والتي كانت متّهَمة بالوقوع تحت نفوذ «حزب الله»، لم تتجرّأ على كسر «المحرّمات» في العلاقات مع الحكومة السورية. ومن المثير أن تكون حكومة سلام قد نجحت في مراعاة مطالب 14 آذار أكثر من حكومة الحريري.
فالصفقة التي عَقدها بعض 14 آذار مع «الحزب» وحلفائه، من أجل بلوغ السلطة، تقود حتماً إلى المسار الحالي. بل إنّ النهايات التي سيشهدها هذا المسار ستكون ذات تأثيرات داخلية كبيرة، وما الزيارات الحالية سوى جرعات صغيرة يُراد تبليعها للقوى المعترضة، تليها جرعات أكبر.
فالوزراء لن يعودوا من دمشق صفر اﻷيدي، بمعزل عن مزحة الوزير يوسف فنيانوس الذي وعَدَ بأن يجلبَ معه صورة الرئيس بشّار اﻷسد للرئيس سعد الحريري. ففي الزيارات الحالية، أو لاحقاتها، ستُثمر زيارات هؤﻻء الوزراء اتفاقات وقرارات في المجالات المعنيين بها. وستكون هذه اﻻتفاقات مفروضة على الحكومة اللبنانية بحكم اﻷمر الواقع.
وﻷنّ أحداً ليس في وارد إسقاط الحكومة، وﻷنّ الحريري يفضّل حاليّاً اﻻحتفاظ بموقعه في السراي الحكومي لمواكبة التحدّيات الكثيرة اﻵتية، فسيتمّ تبنّي الاتفاقات المعقودة واﻻعتراف بها كأمر واقع، على الطريقة اللبنانية. وهكذا، يصبح نصف الحكومة أو نصف لبنان الرسمي على علاقة تنفيذية بدمشق، فيما النصف اﻵخر مقاطع، لكنّه عاجز عن المواجهة والتعطيل.
ستبدو الحكومة عربةً يجرّها حصانان في اتّجاهين مختلفين، كما قال البطريرك نصرالله صفير يوماً. ولكن، هذه المرّة، هناك حصان قوي سيَدفع باﻵخر وبالعربة إلى حيث يريد، ولن يسأل عن اﻻعتراضات ﻷنه حظيَ أساساً بضوء أخضر مبدئي من الخصوم على كلّ المسار المرسوم، من ملف السلاح إلى القتال في سوريا إلى النازحين وسوى ذلك. وأبرز النماذج أخيراً، إطلاق يد «الحزب»، بالتنسيق مع اﻷسد، ليجد المخرجَ الملائم في معركة عرسال.
اﻷزمة التي تنتظر قوى 14 آذار داخل الحكومة تكمن في أنّها، بعد أن تعترف بالاتفاقات التي يَعقدها وزراء 8 آذار، ستفقد الذريعة التي تتمسّك بها اليوم، وستجد نفسَها هي أيضاً أمام تحدّي زيارة دمشق واﻻنخراط في مسار اﻻنفتاح مع اﻷسد.
وهذه مسألة شديدة الحساسية لـ«المستقبل». وهي خصوصاً حسّاسة لـ«القوات اللبنانية» التي سارَع رئيسُها الدكتور سمير جعجع إلى التلويح بمصير الحكومة إذا أصرّ البعض على فتح طريق دمشق.
وعلى أبواب مواسم انتخابية، قد تأتي في مواعيدها أو تتأخّر، لن تجرؤ قوى 14 آذار المشاركة في السلطة على تحدّي المزاج الشعبي الذي لطالما خاطبَته هذه القوى بلغةِ العداء للأسد. فالذين يقفون إلى يمين «المستقبل» و«القوات» رفضاً للعلاقة مع اﻷسد ولدور «حزب الله»، ينتظرون «على كوع» اﻻنتخابات!
وعلى رغم أنّ وزراء «التيار الوطني الحر» وكوادره يتنقّلون بين بيروت ودمشق بنحوٍ دائم، ومن دون استئذان أحد، فإنّ الوزير رائد خوري يفضّل عدم المجاهرة بالزيارة المقبلة – كما فعلَ زملاؤه- منعاً لإحراج «القوات» و«تفاهم معراب».
لكنّ «التيار» يراهن على أنّ اﻷمور مرهونة بأوقاتها، وأنّ الجميع سيرضخ لمنطق التواصل مع اﻷسد في النهاية، كما رضَخ لمنطق القبول بعون في رئاسة الجمهورية ودور «حزب الله» في لبنان وسوريا.
هناك مَن يعتقد أنّ بعض اعتراضات 14 آذار على مبدأ التواصل مع دمشق شكلية فقط. فمن خلالها يريد المعترضون أن يقولوا لجمهورهم وللقوى العربية والدولية الداعمة لهم إنّهم ما زالوا عند مواقفِهم من نظام اﻷسد. لكن الـ14 آذاريين سينخرطون في اللعبة، بعد ذلك، تحت عنوان الواقعية اللبنانية.
وثمّة من يقول إنّ 14 آذار فَقدت أساساً كلَّ دعم خارجي حقيقي. وهذا ما أصابَ قوى المعارضة السورية أيضاً. واعترفت قوى إقليمية ودولية ببقاء اﻷسد في السلطة، على اﻷقلّ، إلى ما بعد التسوية السياسية. ولذلك، وافقَ الحريري على العودة إلى لبنان وإلى السراي الحكومي، ولو بصفقة خاسرة مع 8 آذار. وفي السياق إياه، عَقدت «القوات» اتّفاقها الرئاسي مع عون.
في المحصّلة، تدرك قوى 14 آذار المشاركة في السلطة أنّها تنصاع لمسار تبدو فيه مهزومةً أو شِبه مهزومة. فهي ليست على ما يرام في المخارج المطروحة أمامها. لكنّها تُحاذر اﻻعتراف بهذه الحقيقة الموجعة، على أمل أن يأتي الحلّ بقوّة خارجية تضع كلَّ طرف عند حدّه. وهذا ما فعلته منذ 2005. وإلى أن يأتي الموعد الذي تطمح إليه 14 آذار، هي تواصل انحدارَها تحت شعار: «نتنازل ورأسُنا مرفوع»!