ما هو لافت اقتصادياً ومالياً في هذه الحقبة ليس المؤشرات السلبية المتراكمة فحسب، بل أيضاً مضمون النقاشات التي تتناول الوضع الاقتصادي، حيث لا تتوفّر رهانات على تحسُّنٍ من أي نوع كان حتى من قِبَل الأكثر تفاؤلاً، وكل النقاشات تتمحور حول سؤال وحيد: هل يصمد الاقتصاد أم لا؟
في عالم المال والاقتصاد هناك دائما مؤشرات يجري الاستناد اليها في تقييم الاداء والتوقعات. ويمكن على سبيل المثال لا الحصر تعداد بعض هذه المؤشرات التي ترِد في لوائح التقييم، سواء لدى المؤسسات المتخصّصة في هذا المجال، او في الاكاديميات حيث يجري تدريس مادة الاقتصاد، ومنها:
1 – حجم الدين العام على الناتج المحلي.
2 – نسبة البطالة.
3- نسبة التضخّم السنوي.
4 – الميزان التجاري.
5 – ميزان المدفوعات.
6 – مؤشر المشتريات.
7 – اسعار الفوائد.
8 – تحرّك سعر العملة.
9 – ثقة المستهلك.
10- تطوّر العجز في الموازنة العامة.
11- الاستقرار العام، سيما السياسي.
هذه المؤشرات تدخل في لوائح تقييم الاقتصاديات في العالم، مع الأخذ في الاعتبار بعض الخصوصيات التي تتمتّع بها كل دولة بشكل منفرد.
اذا حاولنا إسقاط هذه المؤشرات على الوضع اللبناني، سيتبيّن ان الأرقام التي قد ترِد في 10 مؤشرات من أصل 11، تُظهر بما لا يقبل النقاش، تراجعاً مستمراً يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. مع الاشارة الى أن بعض الأرقام لا تتوفّر بدقة كما هي الحال في اقتصاديات أخرى، ومنها على سبيل المثال ارقام نسب البطالة وتوزعها على القطاعات. اذ من غير المعروف ما هي نسبة البطالة وكيف يمكن قياسها في البلد. لكن هناك إجماع على انها الى ارتفاع، خصوصا بعد التداعيات التي تسبّب بها النزوح السوري، بالاضافة الى الركود الاقتصادي الذي ينعكس بطبيعة الحال تراجعاً في التوظيف بشكل عام.
في هذه المؤشرات، يبدو الاقتصاد اللبناني في حال صراع مع البقاء. اذ ان نسبة الدين العام على الناتج المحلي اقتربت من 150%، وهي نسبة مقلقة جعلت لبنان يحتل المرتبة الثالثة عالميا. اما الميزان التجاري فانه في حالة عجز مزمن منذ سنوات طويلة. لكن هذا العجز يزداد صعوبة، اولاً لأن مناعة الاقتصاد تتراجع، وثانيا لأن حجم العجز يزداد مع تراجع حجم التصدير وزيادة حجم الاستيراد.
واذا كان ميزان المدفوعات يشكل الهاجس الأهم للسلطة النقدية التي تراقب هذا المؤشر لضمان استمرار تدفق الرساميل، لتأمين استمرارية تمويل الدولة والقطاع الخاص، واستقرار سعر النقد، فان الحفاظ على هذا المؤشر في وضعية مقبولة، في ظروف اقتصادية ومالية معقدة، له كلفته المرتفعة، وهو ثمن لا بد من دفعه في هذه الأوضاع.
كذلك يبدو مؤشر تحرّك اسعار الفوائد سلبياً، خصوصا ان السياسة التي اعتُمدت في خلال عشرين سنة تقريبا قضت باستقرار اسعار الفوائد في موازاة استقرار الليرة، بعد خفضها تدريجيا في عمل شاق قام به مصرف لبنان بحرفية استثنائية. ومن هنا، يعتبر ارتفاع اسعار الفوائد بمثابة مؤشر سلبي اضافي لا يدعو الى الارتياح، خصوصا ان لا مؤشرات على إمكان اعادة خفض هذه الاسعار في المدى المنظور.
أما المؤشر الأشد خطورة، والأساسي في التقييم الاقتصادي للدول، فهو مؤشر الاستقرار السياسي، الذي بات يسجّل تراجعاً مريباً يدفع الى مزيد من انهيار ثقة المواطن، وثقة المستثمر الاجنبي والمحلي. وللتذكير، فان مؤسسات التصنيف العالمية تمنح الوضع السياسي المساحة الاكبر في التقييم لمنح الدول درجة تصنيف ائتماني.
في النتيجة، يمكن القول ان الاقتصاد لا يزال صامدا في مؤشر وحيد، هو مؤشر سعر العملة الوطنية. وقد نجح مصرف لبنان، وبفضل الثقة التي أمّنها للقطاع المصرفي اللبناني عموماً في تكوين احتياطي مالي ضخم، وصل أخيرا الى 45 مليار دولار، من دون احتساب احتياطي الذهب. هذا الاحتياطي يحمي الليرة، ويمنع تعرّضها لخضّات على غرار ما جرى في كل من تركيا وايران.
ومع ذلك، لا يستطيع اقتصادٌ أن يعيش مستنداً فقط الى سعر عملته، وان يرسُب في 10 مؤشرات، وينجح في مؤشر واحد، ويأمل أن في الامكان الاستمرار طويلاً على هذا المنوال.
(الجمهورية)