توضع في بيروت «اللمساتُ الأخيرة» على حكومة الوحدة الوطنية التي باتت ولادتُها مرتقبةً «بين يوم وآخر» بعدما تلقى مسارُ تأليفها في الساعات الماضية دفْعاً قوياً اقترب معه تذليل العقبات من خواتيمه التي تَخْضع لعملية تدويرٍ تشمل 4 حقائب ما زالتْ قيد الأخذ والردّ.
وأجمعتْ كل الأطراف على ان تصاعُد «الدخان الأبيض» من ملف الحكومة صار مسألة وقت، وإذا لم يحصل خلال اليومين المقبلين فإن خروجه لن يتجاوز أوائل الأسبوع المقبل، لتطوى هذه الأزمة المستمرة منذ 24 مايو الماضي قبل إطفاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 الجاري «الشمعة» الثانية من ولايته.
وعكستْ حركة الاتصالات الماراثونية على خطيْ القصر الجمهوري و«بيت الوسط» (دارة الرئيس المكلف سعد الحريري) تقدُّماً كبيراً اعتُبر الأكثر جدية على مدار الأزمة الحكومية وسط انخراطٍ من مختلف الأطراف في لعبة التسويات وصولاً الى «توازنٍ في التنازلات» يشي بمَخارج على طريقة «لا غالب ولا مغلوب»، وبما يضمن قيام حكومةٍ لا تثير «نقزة» المجتمع الدولي بل تُطَمْئنه إلى أن لبنان لم يخرج على الشرعيتين العربية والدولية.
وفيما كان الحريري يعلن أمس «اننا اقتربنا جداً من تشكيل الحكومة» ويلاقيه رئيس البرلمان نبيه بري من جنيف بتأكيده «الأمور تتقدّم»، تحوّل القصر الجمهوري حاضنة لتفكيك عقدة التمثيل الدرزي باستقبال عون تباعاً النائب طلال إرسلان ثم زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وسط مؤشراتٍ الى ان التسوية التي تقترب من الإنجاز ترتكز على حصول «التقدمي» على وزيريْن درزييْن على ان يكون الثالث توافقياً بين كل من عون والحريري وبري ويحظى بقبول جنبلاط وإرسلان الذي كان مهّد الطريق للمَخرج بقبوله عدم توزيره شخصياً، مقابل موافقة جنبلاط على التشارُك في «الدرزي الثالث».
وقال جنبلاط بعد لقاء عون: «أعتقد ان الجو ايجابي جداً، وما سمي بالعقدة الدرزية غير موجود بل هناك مطالب محدَّدة، والسياسة علم التسوية ولا بد من تسوية. وسلمتُ، كما فعل غيري (ارسلان)، الرئيس عون لائحة باسماء الشخصيات التي يمكن ان تكون حلا للوزير الدرزي الثالث والقرار يعود الى فخامته وهو حريص على الاستقرار في الجبل»، موضحاً في ما خص التمثيل الدرزي «حصل تنازل متبادل وانتهى الموضوع».
وفي «بيت الوسط»، تركّزتْ اتصالاتُ الحريري على معالجة عقدة التمثيل المسيحي كما الدرزي، هو الذي التقى مساء الاثنين كلاً من ارسلان ووزير «القوات اللبنانية» ملحم الرياشي ثم رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، قبل ان يجتمع أمس بالنائب وائل ابو فاعور موفداً من جنبلاط والوزير علي حسن خليل موفداً من بري ومعاودة استقباله باسيل ليلاً.
ولم يكن حُسم أمس الإطار النهائي لـ «توزيعة» الحقائب وتحديداً في ما خص 4 وزارات يدور حولها مدّ وجزر، وهي التربية والأشغال والعدل والصحة، في ظلّ سعي «القوات» إلى الحصول على «العدل» بدل التربية تحت سقف حصّتها الرباعية التي تشتمل على نيابة رئاسة الحكومة، ومحاولة «التيار الحر» الاحتفاظ بالعدل وانتزاع «الأشغال» من تيار «المردة» الذي يصر على الاحتفاظ بها، ومطالبة «الاشتراكي» بالتربية.
وبعدما كانت الصحة بدتْ محسومة لـ «حزب الله»، فإن ما يشاع عن «فيتو» أميركي على تولي الحزب هذه الحقيبة فتح الباب أمام تكهنات برسم الساعات المقبلة لا تستبعد تخلّي الحزب عنها بعنوان تسهيل ولادة الحكومة، بحيث إما تفضي الى بقاء القديم على قِدمه في «مثلث» الصحة (تبقى مع «القوات»)، والأشغال (يحتفظ بها المردة) والعدل (تبقى مع «التيار»)، وإما تؤول الصحة الى «المردة» والأشغال الى «التيار» والعدل الى «القوات»، علماً ان هذه السيناريوات تُطرح من باب «المَخارج التجريبية».
ورغم ان تجربة الأشهر الخمسة الماضية جعلت الأوساط السياسية تتعاطى بحذر كبير مع أي مناخات تفاؤل حاسمة مفضّلة الاحتكام الى مقولة «ما تقول فول تيصير بالمكيول»، فإن الايجابيات الكبيرة التي سادت في الساعات الماضية بدتْ مغايرة لسابقاتها بفعْل «رباعية الدفع» الداخلية والخارجية التي كانت «الراي» السباقة في الإشارة اليها قبل أيام والتي حتّمت إنهاء المراوحة في الملف الحكومي، بدءاً من رغبة عون في دخول السنة الثالثة من ولايته بـ «حضور» ما كان وَصَفَهُ بأنه «حكومة العهد الأولى»، مروراً بتَعاظُم التهديدات الاسرائيلية، وصولاً الى «المَتاعب» الاقتصادية – المالية التي فاقمت المخاطر حيالها الخشية من تطيير عائدات مؤتمر سيدر 1، وليس انتهاءً بحاجة «حزب الله» الى حكومةٍ فاعلة في ظل عودته بقوة الى «رادار» العقوبات الأميركية.
(الراي)