يُكرر كبار المسؤولين أحاديث وخطابات الإصلاح والتقشف ومكافحة الفساد، ليس دون إتخاذ أية خطوة تنفيذية جدية وحسب، بل تأتي ممارساتهم اليومية على عكس ما يقولون!
في بلد يقف على شفير الإفلاس، ويعيش أزمة مالية معقدة، وصلت، ولأول مرّة في تاريخه، إلى حد إفتقاد وجود العملة الخضراء في أسواقه، يصر أصحاب السلطة والمناصب الرفيعة على التصرف ببذخ وإنفاق غير مجدي بلا حدود، فضلاً عن إستمرار روائح الفساد بالتفاقم، والتي دفعت بالزعيم الجنبلاطي إلى الإستنجاد بالرأي العام للتصدي «لمدام الفساد» التي تحاول زيادة بواخر الكهرباء، والتلاعب بصفقات المعامل!
من غير المعقول أن تكون كلفة رحلات المسؤولين بالمليارات والوزراء بمئات الملايين، وأن تضم وفودهم الحاشية من الأزلام والمحاسيب برتبة «مستشارين»، إضافة إلى ممثلي المحطات التلفزيونية، وعدم الإكتفاء بفريق واحد يوزع التغطيات والنشاطات على بقية الشاشات، كما يحصل في العديد من المناسبات المحلية.
لم يعد الوزير في لبنان يكتفي بالسفر بوفد مختصر يضم أحد مساعديه الشخصيين والمدير أو المستشار المعني بملفات الزيارة، كما يفعل وزراء الدول الغنية في العالم، لا بد من وفد جرار يضم المقربين والمحظوظين، ومرافقة إعلامية للتطبيل والتزمير، وتصوير الوزير وهو يضع إكليل من الزهور الإصطناعية على قبر الجندي المجهول، أو أثناء مصافحته مثيله الوزير المعني، أو من هو أعلى منه بدرجة!
والمفارقة أن ليس من يحاسب على نتائج هذه الزيارات الإستعراضية، وليس من يُقارن بين المصاريف الخيالية لمثل هذه الرحلات ومردودها على الخزينة والإقتصاد الوطني، والذي غالباً ما يكون أقل من الصفر!
غالباً ما نسمع أن لا أموال كافية لمساعدات الأدوية المزمنة مثلاً وتسديد مستحقات المستشفيات، وأن الضرورات تفرض تخفيض ميزانية القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية وغيرها، وأن التقشف يقضي بإقفال عدد من المدارس الرسمية، وتجميد رواتب العاملين في الدولة، ولكن كل هذه المبررات تزول دفعة واحدة عند تنظيم الزيارات وتشكيل الوفود المرافقة!
لعل المسألة تتطلب شعوراً بالمسؤولية أكبر من قبل المسؤولين، الذين عجزوا عن تحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، ولكن ما زالوا على عاداتهم في التصرف بأموال الدولة وكأنها ملك خاص لهم!