على وقع تقارير التصنيفات المالية لوكالات دولية حيال الاقتصاد اللبناني واعطاء المسؤولين فترة سماح تمتد ستة اشهر لايجاد العلاجات الضرورية والفورية للازمة، يستضيف قصر بعبدا في 2 ايلول المقبل طاولة حوار اقتصادي برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري بمشاركة رؤساء الكتل الممثلة في مجلس النواب.
ومع ان الحرص الرئاسي على إنقاذ الوضع الاقتصادي واعلان حالة طوارئ يأتي ترجمةً لاجتماع بعبدا المالي الذي عُقد منذ اسابيع، الا ان جذور الازمة-ولو انها تمتد لسنوات طويلة كما يقول القائمون على الحكم الان وهو ما يعتبرونه “إرثاً ثقيلاً”- تمتد الى فترة زمنية ليست بعيدة، وتحديداً عندما اقرّ مجلس النواب قانون سلسلة الرتب والرواتب من دون اي دراسة اقتصادية لاثارها المستقبلية وعدم الاخذ بنصائح اهل الاختصاص.
ويقول خبير مالي واقتصادي في معرض “قراءته” للوضع الاقتصادي المتردّي رغم الملاءة المالية في المصرف المركزي والمصارف، “ان السلسلة اساس الازمة. فهي كانت بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير وغيّرت معدلات الارقام المالية في الاتّجاه السلبي. فعلى رغم نصائح الاقتصاديين بخطورة إقرارها من دون تأمين موارد لها والتنبيه الى فرض رسوم وضرائب “غب الطلب” على المواطنيين في ظل الركود الاقتصادي، وهو ما يعني بالقاموس الاقتصادي كمن يضع الماء في وعاء مثقوب، الا ان الطبقة السياسية صمّت آذانها للنصائح واطلقت العنان للمواقف الشعبوية، لاسيما عشية الانتخابات مستخدمةً السلسلة ورقة في البازار الانتخابي لتحصيل اكبر عدد ممكن من الاصوات”.
ويلفت عبر “المركزية” الى “ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة-وهو الاكثر دراية بالوضعين المالي والاقتصادي- عندما سُئل اكثر من مرّة عن رأيه بالسلسلة اكد احقيتها للموظفين، لكنه حذّر من مغبّة اقرارها قبل تأمين مواردها والا فان انعكاساتها السلبية ستكون سيّئة جداً على الوضع الاقتصادي المُهترئ اصلاً، مقترحاً “تقسيطها” على فترات تمتد بين ثلاث وخمس سنوات لتتمكن الحكومة من استيعاب مضاعفاتها واعبائها المالية، لكن للاسف ذهبت نصائحه ادراج الرياح نتيجة الحسابات السياسية-الانتخابية الضيّقة وظهرت اثارها السلبية في ارقام الخزينة، اذ كلّفت ملياري دولار بعدما تبين ان الارقام التي عرضت في مجلس النواب تضاعفت عند التنفيذ”.
وما زاد الطين بلّة وفق الخبير المالي “عدم التزام الطبقة السياسية بقانون السلسلة لجهة الانفاق الاداري ووقف التوظيف بدليل ان 5500 موظف دخلوا الادارة بطرق غير قانونية وهو ما رتّب اعباء اضافية على الموازنة وخزينة الدولة. حتى ان الانفاق تجاوز سقف القاعدة الاثني عشرية من دون حسيب او رقيب”.
الى هذه العوامل، تُضاف قلّة الخبرة لدى المسؤولين، بحيث ان لبنان، “ومن دون تبرير” لم يُقدم على الاستدانة عندما كانت الفوائد منخفضة بل لجأ الى هذا الخيار حينما ارتفعت، وهذا يعني ان ليس لدى القائمين على البلد سياسة مالية واضحة لادارة المال العام وخزينة الدولة.
ولا يسقط الخبير الاقتصادي والمالي من حساباته لتردّي الاوضاع الاقتصادية، الخلافات السياسية التي انعكست سلباً على الاقتصاد “المخنوق” اصلاً. وتبيّن ان الموجودين في السلطة لا يعون خطورة بعض المواقف التي تؤثّر على عمل المؤسسات، وكأنهم لا يعلمون ان لا اقتصاد من دون استقرار سياسي”، ويتساءل “عندما وقعت حادثة قبرشمون واصابت الحكومة بالشلل. لماذا لم يتحرّك المعنيون منذ اللحظة الاولى للملمة ذيولها والحدّ من اثارها السلبية على البلد فنُعطي رسالة ايجابية الى الخارج والى وكالات التصنيف المالية التي كانت تحوم فوق لبنان؟ فلو تمّت المعالجة السياسية-الامنية-القضائية بعد الحادثة فوراً لما كانت تركت تداعيات سلبية؟ فهل من يتّعظ”؟ يختم الخبير المالي.
المركزية