المعارك الانتخابية الحامية في معظم الدوائر، أفرزت مناخات من التوتر والعداوة، حتى بين أبناء الحلف الواحد، وبين أنصار اللائحة الواحدة أحياناً، بسبب احتدام السباق على الصوت التفضيلي.
ورغم أن الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية هي مناسبة لمعرفة التحوّلات في اتجاهات الرأي العام، واستطلاع رغبة الناخبين في التغيير، فإن بعض المرشحين، من سياسيين وحزبيين، يخوضون المعركة الانتخابية في لبنان، وكأنها معركة مصير، ويحشدون في ثناياها العداوات، ويزرعون البغضاء بين الناس، وكأن نتائجها تحدّد نهاية العالم!
لقد كشفت الخطابات الانتخابية كم نحن بحاجة إلى التمسك بمبادئ وقيم الأخلاق التي تعترف بحق الاختلاف مع الآخر، وإلى إحياء قواعد التسامح والتفاعل مع الآخر، بعيداً عن الأنانيات الشخصية والحساسيات المصلحية.
ولعل في قصة خلاف الإمام الشافعي مع تلميذه يونس بن عبد الأعلى، من العِبَر ما يستحق الوقوف عنده في خضم الهستيريا الانتخابية الحالية:
اختلف «التلميذ» يونس بن عبدالأعلى مع أستاذه الإمام الشافعي، فقام غاضباً تاركاً الدرس، وذهب إلى بيته. في المساء فوجئ بأستاذه الشافعي يقرع بابه ويدخل عليه ليُطيّب خاطره، وبادره بالقول:
– يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرّقنا مسألة!
– يا يونس لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات.. فأحياناً كسب القلوب أهم من كسب المواقف.
– يا يونس لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يوماً ما.
– إكره الخطأ ولا تكره المخطئ. وابغض المعصية… ولكن سامح وارحم العاصي. انتقد القول لكن احترم القائل، فإن مهمتنا أن نقضي على المرض… لا على المرضى!
– ولا تنسَ يا يونس أن رأيك صواب يحتمل الخطأ… ورأيي خطأ يحتمل الصواب!
أين أهل السياسة عندنا… من علم وأخلاق وحكمة أولئك الرجال الأفذاذ؟