بشارة شربل :
هجمة مرتدة من رياض سلامة. قال أمس: “إنها حملة ممنهجة قامت بها شركة في فرنسا زوّرت صوَر تحويلات بتحريضٍ من جهات محليّة لضرب سمعة مصرف لبنان وحاكمه”، ثم فلَشَ ذمته المالية أمام الناس.
نحن ضدّ الظلم والتركيبات ولا تعنينا إلا سياستك النقدية منذ توليت حاكمية البنك المركزي. لكنك كدتَ تبكينا. تصريحك يذكّر بقصيدة الفرزدق في علي بن الحسين: … “هذا التقيّ النقي الطاهر العَلَمُ”، وخصوصاً أنّ مستشارتك المعيّنة قبل أيام حلفت يميناً معظّماً بأن جهدها مجانيّ خدمةً لشعب لبنان.
هدّدتَ بمقاضاة المزوّرين والمحرّضين. هذا حقّك. لكن غبار معركتك الصغيرة لن يحوّل الأنظار عن وباء أخفى أموال المودعين. وأنت أحد ثلاثة أطراف متورّطة بتركيب “الفيروس” الذي أطبق على أنفاس جنى كثيرين.
أثناء متابعة أخبار المصارف والمودعين وآخر التعميمات والألاعيب، يخطر بالبال انّ الجريمة الثلاثية الأضلاع، وأبطالها الطبقة السياسية والمصارف ومصرف لبنان، تستحقّ روايةً تنال جائزة نوبل للآداب وتذكّر بـ”ثلاثية” نجيب محفوظ التي خلدّها الأدب العربي وتحوّلت مسلسلات.
ولئلا نخلط شعبان برمضان وجب الانتباه الى انّ “ثلاثية” محفوظ تضم “قصر الشوق” و”السكرية” و”بين القصرين” فيما ثلاثيتنا الموعودة يجب ان تستوحي من عنوان روايته الفريدة “اللصّ والكلاب”.
مشكلة الرواية أو الفيلم الموعود أنّ الحبكة لا تحتاج الى كاتب ماهر ولا الى مخرج بارع، بل الى مخيّلة محدودة وأصابع سرّاق العاديات. فالجريمة كاملة، وأبطالها معروفون. لكن، من المملّ عرضها بواقعية توصل فوراً من مسرح الجريمة الى الزجّ وراء القضبان.
خلصنا من الرواية. لنعُد الى أرض الواقع. فنبدأ بسؤال كيف طارت الأموال؟ يعلم القاصي والداني أنّ الشراكة انعقدت منذ مطلع التسعينات بين السلطة السياسية الفاسدة والنظام المصرفي، وأنّ الطرفين طبّقا نظرية “كول وطعمي” أو “حكّللي تحكّلك”، فانتفخا برعاية حاكم لعب دور صمّام الأمان لارتكاباتهما، حتى انفجرت الفقاعة وصار المودع اللبناني يتسوَّل على أبواب البنوك، وباتت مدّخراته طي الغيب والأسرار.
كلّ السلطة تؤكد الحرص على أموال المودعين. تطلق الكلام المباح مثلما تبيع الأوهام وتستعرض في الاجتماعات وأمام الكاميرات، لكنها لا تجيب على سؤال بسيط: أين هي الأموال؟ فيما يعلم الجميع أنّ المصارف الجشعة سلَّفتها للبنك المركزي وبرعايته الكريمة انتقلت الى جيوب أهل السلطة عديمي المسؤولية فصرفوها خارج أي اصلاحات بتغطية من لاعب الثلاث ورقات: هندسات وفوائد مرتفعة وحجب ميزانيات.
الودائع دفترياً موجودة، لكنها “بَحْ” حين تستحق السحوبات. ووصْف الرئيس بري لها بـ “المقدّسات” صحيح، إذ يمكن تحويل الودائع في “مصرف عين التينة” الى مزارات تؤدَّى عندها طقوس وفروض وابتهالات.