أمكن تفادي الانجرار إلى حرب بعد الضربة المحدودة والمدروسة التي قام بها حزب الله عبر ثلاث قذائف مضادة للدروع طالت مستعمرة افيميم في شمال إسرائيل وعلى بعد نحو ألف متر عن الحدود اللبنانية بين بلدتي عيترون ومارون الراس.
الضربة محدودة ولا تصعيد إضافيا. هذا ما نقلته وسائل الإعلام عن مصادر حزب الله بعد حصول حالة هلع في عدة مناطق لبنانية، لاسيما في جنوب لبنان، الذي شهد حالة نزوح لعشرات الآلاف من السيارات نحو الشمال، تخوفا من اندلاع حرب. وساهم إطلاق إسرائيل نحو مئة قذيفة بحسب جيشها، وأربعين قذيفة حسب بيان الجيش اللبناني، في محيط بلدتي مارون الراس ويارون، في خلق جو من التوتر في الجنوب، خاصة أن ذلك ترافق مع قلق من احتمال شن غارات إسرائيلية.
فيما سبق رد حزب الله اتصالات طالت واشنطن وموسكو وباريس، كان هدفها لجم التدهور، وتردد لدى أوساط سياسية لبنانية عن دور روسي في تخريج عملية رد حزب الله، دون أن تؤدي إلى رد فعل يستجلب حربا لا يريدها أحد من الأطراف المعنية. طبيعة العملية التي قام بها حزب الله ونتائجها، ترجح هذه المعلومات في ظل إعلان إسرائيل عدم سقوط إسرائيليين نتيجة العملية.
الأرجح أن الهدوء عاد ولكن إلى حين، فالمتحدث العسكري الإسرائيلي الذي أشار إلى عودة الهدوء بعد ساعات قليلة من العملية داخل إسرائيل، استطرد بأنّ “الموقف الاستراتيجي لا يزال قائما وقوات الدفاع الإسرائيلية لا تزال في حالة تأهب قصوى”.
فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “إسرائيل ستحدد التحرك المقبل على الحدود مع لبنان وفقا لتطور الأحداث”، مضيفا “أجريت مشاورات مع رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع ومع اللواءات. تمت مهاجمتنا بعدة صواريخ مضادة للدبابات ورددنا بإطلاق 100 قذيفة وبإطلاق النار من الجو بوسائل مختلفة. نجري مشاورات حول المراحل القادمة. أوعزتُ بالاستعداد لجميع السيناريوهات”.
وتابع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري تطورات الأوضاع في الجنوب، وأجرى اتصالين هاتفيين بكل من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل بون طالبا تدخل الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي في مواجهة تطور الأوضاع على الحدود الجنوبية.
ليس خافيا أن ملف الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله شكل العنوان الذي دفع إسرائيل إلى تصعيد الموقف، منذ أثاره بنيامين نتنياهو قبل عام في الأمم المتحدة، وفي محطات عدة كان محور اهتمام إسرائيلي ودولي، وهو ما يدفع اليوم نحو أن يشكل مع الطائرات المسيرة الإسرائيلية، عنواني تعديل لقواعد الاشتباك في المرحلة المقبلة.
الأمين العام لحزب الله كان قد أكد في خطابه مساء السبت أن لا مصانع صواريخ دقيقة لديه، وشدد على أنه سيكون فخورا لو كانت بحوزته. وفي نفس الخطاب أوضح ما قاله بأن حزب الله سيستهدف الطائرات المسيرة، بالتأكيد إن ما قاله لا يعني ضرب كل الطائرات فوق لبنان، بل استهداف بعضها بالطريقة والتوقيت المناسبين.
إثارة ملف الصواريخ الدقيقة إسرائيليا، وإعلان حزب الله عبر مصادره أن عملية الأحد في افيميم هي رد على استهداف عنصرين له في الغارة الإسرائيلية على سوريا، وأن ما جرى في الضاحية الجنوبية من استهداف إسرائيلي، لم يتحقق الرد عليه بعد، تعني أن الحساب سيبقى مفتوحا بين الطرفين، وثمة توقعات دبلوماسية في بيروت، بأن مرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية هذا الشهر ستشهد تطورات ساخنة مع لبنان، في وقت يبدو أن ملف النفوذ الإيراني بات على سلم أولويات إسرائيل من العراق إلى سوريا ولبنان، وهو مرشح لأن يحتل موقعا متقدما وأن يشكل عنصر ضغط على لبنان.
إسرائيل نزعت القناع عن وجه الضربات العسكرية والغارات الجوية على مواقع إيران وميليشياتها في سوريا ولبنان. وبات نتنياهو يتحدث بوضوح عن أهدافه وعمليات جيشه، كما حصل في سوريا قبل عشرة أيام، لذا فإن كل المؤشرات تدل أن الخيارات تضيق بين إيران وإسرائيل، في سوريا ولبنان، وهو ما يرجح أن الخريف المقبل سيكون ساخنا، فالوظيفة الإيرانية في سوريا ولاسيما حزب الله انتهت، والغطاء الأميركي وحتى الإسرائيلي فضلا عن الروسي يجري سحبه بالكامل مع انتهاء الحاجة إلى سلاحه، فيما بات النظام السوري أكثر حذرا تجاه تغطية دور حزب الله خاصة في ما يتصل بما تعتبره إسرائيل خطرا عليها.
وسواء فاز نتنياهو في انتخابات البرلمان ورئاسة الحكومة أو لم يفز، فإن الخشونة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تتزامن مع تصعيد في العقوبات الأميركية على حزب الله، الذي بات أمام خيارات وجودية، أقصاها الحرب المدمرة، وأقلها الاندراج ضمن قواعد الدولة وعلى رأسها إنهاء دوره العسكري وخضوعه الكامل للجيش اللبناني.
(العرب)