مع أنّ شهر «الوقت المستقطع» الذي أتاحه استخدام الرئيس ميشال عون للمادة 59 من الدستور لإنجاز قانون الإنتخاب وتفادي متاهة المفاضلة بين «التمديد الثالث» وبين «الفراغ» لم ينته بعد، ومع أنّه كما درجت العادة في هذا البلد، إذا كان من «دخان أبيض» ففي ربع الساعة الأخير، فلا شيء حتى الآن يفيد بأنّه جرى، على الأقل، تثبيت قاعدة التفاعل والتفاوض المنهجية بين الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان والمشاركة في الحكومة، ولا تزال الأفكار والمبادرات التي تطرح تذهب هباء، لأنّها «محرومة» من التلاقح من بعضها البعض!
وفي الأساس، ما الذي يمكن انجازه في شهر، وتعذّر انجازه في بضعة أشهر، بل في سنوات، بل في ربع قرن؟ ليس السؤال هذا لإحباط العزائم بالضرورة، لكنه للفت النظر إلى أنّ ما يكون متاحاً في مدّة مثل هذه هو واحد من أمرين: إمّا التسليم بالقانون النافذ «هذه المرّة أيضاً»، وإمّا لتعديل هذا القانون النافذ بالشكل الذي يوسع قاعدته التمثيلية. كلما ابتعدنا الآن تحديداً عن اتخاذ القانون النافذ مسودة يجري ادخال التعديلات عليها، كلما ذهبت الأطراف نحو قوانين انتخابية متباينة بالشكل الذي يصعب التقريب بينها، أو حسم الأمور لصالح واحد منها. عندما نقول أن هناك شهراً واحداً متبقياً لإنجاز قانون انتخابي والافلات من متاهتَي التمديد والفراغ، فهذا يعني أنّها مدّة مناسبة لتعديل القانون النافذ وليس للعودة إلى نقطة الصفر على هذا الصعيد.
كيف يمكن تعديل القانون النافذ؟ تهون الأطراف السياسية على نفسها وعلى البلد لو انتقلت رأساً الى الخوض في هذا السؤال العملي. فكرة للنقاش: ربما كان الأفضل حالياً تعديل القانون النافذ بحيث يعتمد الانتخاب على أساس القضاء، لكن يعطى للطوائف التي لها مقاعد نيابية في هذا القضاء ويقل عدد ناخبيها عن ثلث الناخبين المسجلين في هذا القضاء حق انتخاب نوابها على حدة. هكذا لا نكون قد ذهبنا الى حدّية القانون الأرثوذكسي، ونكون قد أفلتنا من متاهة «التأهيل على مستوى الطائفة»، ويكون توسيع قاعدة التمثيل قد راعى مبدأ التمييز الإيجابي للأكثر ضعفاً على الصعيد الإنتخابي، وهو مبدأ ما زال غريباً عن الأفكار المتداولة لبنانياً حول الطوائف وحصصها. هذا، في الدوائر المختلطة، حيث هناك طوائف تزيد كل منها عن ثلث عدد الناخبين لا نكون مضطرين لعزل الناس في الاقتراع عن بعضها البعض، لأنّه لن يكون هناك من مبرّر تمثيلي لذلك، في حين ثمّة مثل هذا المبرّر في الدوائر حيث هناك مقاعد لطائفة تشكل أقلية ما دون الثلث في هذا القضاء. بالطبع، هكذا فكرة لن تحل كل شيء، وستبقى هناك قضايا كثيرة عالقة، لكن على الأقل ستحل شيئاً أساسياً، يعترض طريق اللبنانيين اليوم الى الاحتكام مجدداً لصناديق الاقتراع، والأكثر من ذلك أنّها فكرة سهلة التطبيق، لا تحتاج الا الى جردة حسابية تتضح على أساسها الدوائر التي تحتاج الى مراعاة مبدأ التمييز الإيجابي (افيرماتيف اكشن) والدوائر التي ليست في حاجة إلى هذا المبدأ. كذلك، يعتبر اعتماد القانون النافذ بعد تعديله على هذا النحو عملية سهلة من الناحية التطبيقية، ولا تحتاج لأكثر من بضع ساعات عمل لإخراج المسودة النهائية للقانون، ولا تحتاج لـ «ورشات التوعية» المزعومة طبعاً، المتصلة بما يطرح من قوانين معقّدة.
وحتى لو أنّ هكذا فكرة لم تجد طريقها إلى التبني أو الى مساحة النقاش السياسي اليوم، يبقى المبدأ الأساسي: انه في مدة شهر من الزمن أفضل ما يمكنك فعله هو ان تتخذ من القانون الحالي مسودة لتعديلات تحسينية له. وكلما كان البلد منقسماً أكثر بين توجهات «قانونية انتخابية» مختلفة أكثر، كلما كان المنطق المؤسساتي هكذا.
هذا كلّه، اذا كانت هناك جدية فعلاً في تثمير اللحظة الحالية، واستخدام الشهر الحالي على أفضل وجه، قبل جلسة 15 أيار التي تقترب.
(المستقبل)