تتّجه أنظار بيروت ابتداءً من يوم غد إلى باريس التي تَستضيف مؤتمر «سيدر 1» لدعم الاستثمار والاقتصاد اللبناني والذي يَجري رصْدٌ دقيق لما سيُفضي إليه من نتائج ولـ «المفاجآت» التي سرى أنه قد يشهدها ولا سيما من البوابة السعودية، وذلك بعد «ثلاثاء المملكة» في لبنان الذي كرّس عودة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها وأكثر، ومعاودة احتضان الرياض لـ «بلاد الأرز» على قاعدة «التأثير الإيجابي».
وفيما كانت عمليات «التقصي» على أشدّها لأبعاد المشهدية التي ارتسمتْ أول من أمس مع افتتاح «جادة الملك سلمان بن عبد العزيز» عند الواجهة البحرية لبيروت وما رافقها من لقاءات بعضها حَمَلَ طابع «المصالحة» بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع واكتسب بعضها الآخر منحى سياسياً مثل الذي جَمَعَ الأخيريْن بالزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط برعاية موفد الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، فإنّ العيون شخصتْ على «سيدر 1» الذي ينعقد غداً وبعده من زاويتيْن: الأولى ما سيعود به لبنان من قروض مدعومة وطويلة الأمد لتمويل أكبر نسبة من المرحلة الأولى من البرنامج الاستثماري للبنى التحتية الذي وضعتْه الحكومة بتكلفة 17.2 مليار دولار (المرحلة الأولى تكلفتها 10.8 مليار دولار ستُطرح في «سيدر»). والزواية الثانية ما سيعبّر عنه من دعم دولي متجدّد للبنان في ظلّ تَرقُّبٍ كبير للمساهمة السعودية خصوصاً والخليجية عموماً (تشارك أيضاً الكويت والإمارات وقطر).
وفي حين تَحضر 50 دولة ومنظمة المؤتمر الذي ستتخلّله كلمة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأخرى للحريري والذي يشكّل الحلقة الثانية في «ثلاثية» مؤتمرات الدعم للبنان التي بدأت منتصف الشهر الماضي من روما وتُستكمل نهاية الجاري في بروكسيل، فإنّ توقّعاتٍ سادتْ في بيروت بإمكان أن يشهد «سيدر 1» مفاجأة بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جانباً منه بحال كان وصل الى العاصمة الفرنسية التي يقوم بزيارةٍ لها يبدأ برنامجها الرسمي الاثنين.
ويأتي التركيز على الحضور والمساهمة السعودية في «سيدر 1» على خلفية سلسلةِ إشارات الدعم التي تُطْلِقُها المملكة تجاه لبنان من ضمن «المسار الجديد» الاحتوائي الذي بدأتْه لمرحلة أزمة استقالةِ الحريري وما سَبَقَها من توتّر في العلاقة مع الرئيس اللبناني العماد ميشال عون (وُجّهت له أول من أمس دعوة لحضور القمة العربية في السعودية منتصف الجاري) على خلفية مواقف له داعمة لـ«حزب الله» وسلاحه، وهو المسار الذي يرتكز على حفْظ استقرار لبنان تحت سقف التسوية السياسية التي أنهتْ الفراغ الرئاسي واعتماد استراتيجية «مواجهة الصمود» بوجه «حزب الله»، الذراع الإيرانية الأبرز، ومنْعه «على البارد» من «الإطباق» على مفاصل الواقع اللبناني سواء في الانتخابات النيابية المقبلة او ما بعدها.
وكان الأمير محمد بن سلمان «تلقى صورة» اللقاء الثلاثي الأول من نوعه منذ فترة طويلة الذي جَمَع الرئيس الحريري وجعجع وجنبلاط على هامش العشاء الذي أعقب تدشين جادة الملك سلمان. وفيما اجتمع الحريري وجعجع للمرة الأولى منذ استقالة رئيس الحكومة (من الرياض في نوفمبر الماضي) وما تركتْه من «ندوب» في علاقتهما بفعل «أزمة الثقة» التي رافقتْها، فإن التقاء الحريري وجنبلاط جاء بدوره معبّراً في غمرة الفتور بينهما على خلفية ملف الانتخابات النيابية واستياء الزعيم الدرزي من إقصاء رئيس الحكومة أحد مرشحيه في دائرة البقاع الغربي – راشيا وكلامه عن «منحى لمحاصرته».
ورغم ان الحريري وجعجع وجنبلاط شكّلوا «مثلّث الارتكاز» في ما كان يُعرف بقوى «14 آذار»، فإن التقاءهم برعايةٍ سعودية لا يعني إحياء هذا التحالف بمعناه الاصطفافي بمقدار ما أنه عَكس رغبة سعودية في إبقاء التنسيق قائماً بين هذا الثلاثي في مرحلة ما بعد انتخابات 6 مايو لا سيما حيال الثوابت الوطنية والمَفاصل الاستراتيجية وضرورة تحصين لبنان والإبقاء على استقراره مع تعزيز مسار استعادة الدولة لسيادتها ووجوب التصدي للفساد. وكانت المملكة وجّهت إشارةً بالغة الدلالات خلال تدشين جادة الملك سلمان بلسان رئيس البعثة الديبلوماسية في بيروت الوزير المفوض وليد البخاري الذي أكد ان بلاده «كانت ولا تزال وستبقى بإذن الله، وبتوجيه من القيادة الرشيدة، ضنينة على سلامة لبنان وأمنه واستقراره والمحافظة على وحدته الوطنية ووحدة أبنائه»، مثنياً على جهود الرئيسين عون والحريري كما رئيس البرلمان نبيه بري، الأمر الذي أكد أن «عودة» الرياض الى بيروت ليست على قاعدة صِدامية بل في إطار منطق حلفائها بوجوب تحضير الوضع اللبناني لـ «هبوط هادئ» بملاقاة التحولات في المنطقة لا سيما في الأزمة السورية.
وفي حين كان إعلامٌ قريب من «حزب الله» في بيروت ينتقد بعنف افتتاح جادة الملك سلمان وما رافقه من مشهدية، برز انتقاد صحيفة «جمهوري إسلامي» الإيرانية دعم النظام الإيراني للرئيس عون، ووصفتْه بـ«الناكث»، بسبب مواقفه الحديثة، وتحديداً ما يتعلق بالانتخابات النيابية.
ووفق ما نقل موقع «العربية» فإن الصحيفة الإيرانية وفي عددها الصادر أمس كتبت أن عون «وصل إلى الرئاسة اللبنانية بدعم حزب الله، ولكنه زار المملكة العربية السعودية في أول زيارة خارجية له، ويتملص من زيارة إيران»، لافتة الى ان «الحزب التابع لعون (التيار الوطني الحر) بزعامة صهره وزير خارجية لبنان يشن أشد الهجمات ضد رئيس البرلمان نبيه بري، حيث أكد علناً أن هدفه إضعاف الأخير».
واذ أشارت إلى الوضع الذي يمر به حزب الله في لبنان فـ «قبل أيام كان الوضع الاجتماعي في لبنان في قبضة حزب الله ولكن اليوم يعلن (الأمين العام لحزب الله) حسن نصرالله بصراحة بأنه يخاطر بحياته ويذهب بنفسه إلى قرية في منطقة بعلبك – الهرمل ويدق كل الأبواب كي يقنع سكان القرية بالتصويت لصالح قائمته»، تساءلت «ما مصير مليارات الدولارات التي أنفقت في لبنان؟ وكيف آلت الأمور إلى ما هو عليه اليوم؟ ألم يحن الأوان كي تتم إعادة النظر بالإنفاقات المادية والمعنوية الكبيرة في لبنان كي لا تتقهقر القوى العملية لإيران كما يحدث اليوم».
(الراي)