.. لعبة عضّ الأصابع، لعبة الشارع، لعبة الأرقام، لعبة الحصص، اللعب على حافة الهاوية… سلسلةٌ من «الألاعيب» و«فنونها» تتشابك في بيروت الواقعة منذ 225 يوماً في قبضة مناوراتٍ ومكائد و«موائد سمّ» متبادلة على تخوم أزمة تشكيل الحكومة الجديدة الغارقة في محاولات «تَحايُلٍ» على «خطوط حمرٍ» ذات صلة بالتوازنات وفي عمليات «احتيالٍ» بالأعراف على الدستور و… النظام.
وابتداءً من اليوم، سيتحوّل الشارع مع انطلاق حركة الاضرابات والتظاهرات المطلبية، السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية «مسْرحاً» موازياً لعملية تشكيل الحكومة التي تشهد كواليسها «حرباً ناعمة» حول آخِر عقد التأليف بين فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبين حليفه «حزب الله» اللذين «يتقاتلان» على الوزير الذي سيمثّل النواب السنّة الموالين للحزب.
فـ «التيار الوطني الحر» ورئيسه الوزير جبران باسيل يريد هذا الوزير مكمّلاً لنصاب «الثلث المعطّل» (لفريق عون)، فيما يتعاطى معه «حزب الله» كـ «رصاصةٍ متفجّرة» لإحباطِ إمساك شريكه في تفاهم «مار مخايل» بمفتاحٍ «استراتيجي» في الحُكم وفي استحقاقات مستقبلية، وفي الوقت نفسه لتكريس كسْر أحادية تمثيل الرئيس المكلف سعد الحريري للطائفة السنية حكومياً.
وبدتْ أوساطٌ سياسية في بيروت مرتابةً من المسار الجديد الذي تسلكه البلاد بدءاً من الإضراب الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام اليوم كـ «تحذير أولي» في سياق الضغط لتأليف الحكومة، في موازاة سلسلة تحركات وتظاهرات ابتداء من 12 و 13 الجاري لأحزاب يسارية ومجموعات من الحِراك المدني وتيارات متنوّعة تحت شعاراتٍ مطلبية ذات صلة بالواقع الاجتماعي – الاقتصادي وتَقاسُم الحصص والإصلاحات المرتبطة بمؤتمر «سيدر 1».
ورغم اختيار «العمالي العام» في هذه المرحلة الاكتفاء بالإضراب وعدم اللجوء الى التظاهر، فإن هذه الأوساط أعربت عن خشيةٍ من أن يتحوّل الشارع «حلبة» في سياق «ليّ الأذرع» حكومياً، وحلقة «ربْط نزاع» مع استحقاقاتٍ مقبلة يضْرب لبنان موعداً معها.
وفي هذا السياق، لاحظتْ الأوساط أن الحِراك في الشارع الذي يُطلقه الحزب الشيوعي ومجموعات أخرى الأسبوع المقبل ويتصاعد تدريجياً وصولاً الى التحرك الكبير في 19 و20 الجاري، سيتزامن مع القمة العربية الاقتصادية والتنموية التي تستضيفها بيروت، متسائلة إذا كانت وراء هذا الأمر أطراف «تدفع المركب من الخلف» لتوظيف هذه التظاهرات في اتجاهٍ أو آخر بملاقاة القمة، إلى جانب استثمارها في لعبة «مَن يصرخ أولا» في الملف الحكومي.
وارتسمتْ من خلف الاستعدادات لمسار «الصوت العالي» في الشارع ملامحُ سباقٍ مع حركة الاتصالات المستعادة على خط تشكيل الحكومة والتي تبدو رغم تعدُّد جبهاتها «بلا بَرَكة» في ظلّ المعطيات التي تشير إلى أنها ما زالت في جوهرها تتمحور حول أفكار تشكّل عملياً «دوراناً في الحلقة المفرغة» المتّصلة بالثلث المعطّل ورسْم «حزب الله» لا ضمنية كبيرة على ان يُمسِك بها الوزير باسيل.
وفيما تكشّفت حركة باسيل، الذي زار أول من أمس الحريري، عن أنه حَمَل طروحاتٍ من نوع توسيع الحكومة الى 32 أو 36 وذلك على قاعدة التوفيق بين تمثيل سنّة 8 مارس وبين حصول فريق عون على الثلث المعطّل، فإنّ مصادر متابعة بدت حذرة جداً في رسْم اي توقعات ذات صلة بالتحرّك المتجدد في الملف الحكومي، معتبرةً أن ما يُطرح حول الاسم الذي سيَدخل الحكومة «باسم» النواب السنّة الموالين لـ «حزب الله» سواء لجهة العودة الى جواد عدرة او اسم آخر (مثل سامي منقارة او أحد الاسماء الثلاثة المطروحة من مجموعة الستة) يبقى تفصيلاً أمام «المرجعية السياسية» لهذا الوزير ووُجهة تصويته في الحكومة.
وإذ لاحظتْ المصادر أن رئيس البرلمان نبيه بري، الذي أوفد أمس وزير المال علي حسن خليل للقاء الحريري، ماضٍ في محاولة توفير النصاب السياسي لعقْد جلسة لحكومة تصريف الأعمال لإقرار مشروع الموازنة وإحالته على مجلس النواب تفادياً لـ «متاعب مالية» (ذات صلة بصرف الرواتب وغيرها) بحال الإمعان بتأخر تشكيل الحكومة، بما يعكس عدم استشرافه حلاً وشيكاً لأزمة التأليف، توقّفتْ عند محاولة بعض الدوائر الربْط بين عقدة تمثيل سنّة 8 مارس وبين دعوة سورية إلى القمة الاقتصادية التنموية في بيروت التي لم توجّه الدعوة لدمشق التزاماً بقرار الجامعة العربية بتعليق عضويتها فيها.
وكان لافتاً أمس صدور أول موقف علني من «حزب الله» يحض على دعوة سورية الى القمة، اذ اعلن بلسان كتلته النيابية ان الدولة معنية بتوجيه هذه الدعوة «لما في ذلك من قوة للبنان ومصلحة استراتيجية»، متوقفة عند «المناخ العربي الايجابي وتَسارُع الدول العربية للعودة الى دمشق، فيما لبنان الجار الأقرب وصاحب المصلحة الأكيدة، يجدر به ان يكون في طليعة المبادرين لتعزيز هذا المناخ».
الراي