سؤالٌ كان الأكثر إلحاحاً أمس في بيروت التي بدت «مصدومةً» غداة «ويك اند النار» في وسطها، حيث تشابَكتْ مكوّناتُ «انفجارٍ» تَطايَرَتْ تشظّياتُه الدامية في أكثر من اتجاه، بعدما وُضعت الغضبةُ الشعبيةُ الأشبه بـ«برميل بارود» وجهاً لوجه أمام «قبضة أمنية» طوّقتْ محيط مبنى البرلمان الذي تحوّل «ساحةَ حربٍ» لم يكن ممكناً الجزم بما أو مَن أشعل «شرارتها» الأولى.
وجاء الوقعُ «الصاعق» لـ«الليلة الليلاء»، السبت، التي شهدتْ أعنف مواجهات بين محتجين والقوى الأمنية منذ انطلاق الانتفاضة وأدت لسقوط 370 جريحاً (بينهم 142 عنصراً من قوى الأمن الداخلي ضمنهم 7 ضباط، منها 3 إصابات بليغة)، ليجعل خبراً بحجم ولادة الحكومة الجديدة التي ضُخّ عصراً مناخٌ متجدّد (سرعان ما جرى التراجع عنه) بأن مراسيم ولادتها باتت قاب قوسيْن، «تفصيلاً» أمام وهج «الاندفاعة العنفية» التي عاشت معها البلاد برمّتها «ساعاتٍ عصيبةً» والتي تَدافعتْ الأسئلة حول ملابساتها وخلفياتها.
ولليلة الثانية على التوالي وعلى وقع هتافات «ثورة، ثورة»، رمى أمس، متظاهرون الحجارة والمفرقعات النارية على حاجز لقوات الأمن، التي ردت برش المياه عبر خراطيم ورمي الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى موقع العديد من الإصابات.
وأرسلت تعزيزات من الجيش وشرطة مكافحة الشغب إلى وسط بيروت حيث تجمع المتظاهرون على مدخل جادة مؤدية إلى مقر البرلمان قرب ساحة الشهداء.
وردد المحتجون تحت المطر «ثوار، أحرار، سوف نكمل المشوار».
ودعت قوى الأمن الداخلي في تغريدة على «تويتر»، المتظاهرين إلى «الابقاء على الطابع السلمي للتظاهر والابتعاد عن الاعتداء على الاملاك الخاصة والعامة والتهجم على عناصر قوى الامن».
وأعلنت «هيومن رايتس ووتش» أنه «ليس هناك أي مبرر لاستخدام قوات مكافحة الشغب القوة المفرطة ضد متظاهرين سلميين إلى حد بعيد».
وتم توقيف نحو 36 شخصاً لكن النيابة أمرت بالإفراج عنهم.
ويُعقد اجتماع أمني اليوم، برئاسة الرئيس العماد ميشال عون في بعبدا يحضره وزيرا الدفاع والداخلية وقادة الاجهزة الامنية كافة، لعرض الوضع الامني المتدهور.
وفي حين كانت جبهةُ تأليف الحكومة تشهد تحريكاً قوياً عبر اتصالاتٍ لتذليل التعقيدات التي تعوق ولادة حكومة حسان دياب منذ شهر والتي تتصل بصراع الأحجام والحصص بين مكونات «تكليف اللون الواحد» (فريق عون و«حزب الله» وحركة «أمل» وحلفاؤهم)، نشطت التحرياتُ في محاولة لتفكيك «شيفرة» مشهدية «الويك اند العاصِف» الذي أثيرتْ معه الخشيةُ من أن تكون دينامية الثورة و«أسبابها الموجبة» سبقتْ بأشواط المساعي «السلحفاتية» من السلطة لتأليف حكومةٍ سياسية «مقنّعة» بدا أن الشارع «لَفَظها» قبل أن تولد وأنها سقطتْ بـ«الغضب الساطع».
وتدحرجتْ المخاوف الداخلية والخارجية من أن تكون الصِدامات، جَعَلت لبنان أمام نفقٍ أكثر قتامة لِما يحمله تحريكُ «الخاصرة الرخوة» الأكثر دقة، أي الوضع الأمني، من مَخاطر جمة في ظل القلق من تَحوُّل الانزلاق إلى توترات ومواجهات على الأرض «جاذبة صواعق» سياسية وطائفية ومذهبية ومناطقية، ووسط الخشية من «أيادٍ» يمكن أن «تعبث» في ساحات الانتفاضة ومساحاتِ الغضب لتفجيره في اتجاه أو آخَر و«استثماره» في أجندات سياسية.
وفي هذا الإطار برزت سيناريوهات عدة لما حصل في وسط بيروت الراقي، وأبرزها:
* أنه «نِتاج طبيعي» لمسارِ إمعان السلطة في إدارة الظهر لمطالب الانتفاضة وإصرارها على إدارة البلاد بـ«أدوات» ونهج ومنطق ما قبل 17 أكتوبر، كما لحال الغضب الذي يعتمل ويحقن النفوس المشحونة نتيجة الواقع المالي – الاقتصادي الذي بدأ يفرز أزمات معيشية اجتماعية في ظل استمرار تدهور سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار «المفقود» والقيود على السحوبات به وتحويله إلى الخارج، وارتفاع أسعار السلع باضطراد وسط سباقٍ بين هذا الانحدار في القدرة الشرائية وبين اتساع رقعة العاطلين عن العمل بفعل عمليات الصرف الجَماعي وإقفال مؤسسات وارتفاع صوت المحذّرين من «موت قطاع الاستشفاء» ما لم تُحلّ معضلة استيراد المستلزمات الطبية بالدولار «المدعوم».
* أنه وليد «مجموعاتٍ مندسّة» حضرتْ مع «عُدّة التخريب» وجرّت القوى الأمنية إلى مواجهةٍ سرعان ما التحق بها محتجّون «معبّأون» ضد السلطة ويملأهم الغضب والجوع، وذلك من ضمن مخطّط لأطراف سياسية لجرّ الثورة إلى السقوط في فخ العنف بهدف إصابة أكثر من «عصفور» بحجر واحد: تنفيس الانتفاضة عبر إبعاد الثوار السلميين عنها بما يُفْقِدها زخمها في مرحلة ما بعد ولادة الحكومة، وتمرير «تشكيلة الماريونيت» التي يحرّكها أركان الائتلاف الحاكم عن بُعد تحت غبار المواجهات في الشارع، وربما محاولة استخدام «غليان الأرض» في إطار لعبة الضغوط المتبادلة بين أطراف الحكومة لتحسين شروطهم.
ويَعتبر أصحاب هذا السيناريو أن هذه القراءة تستند إلى تَعَمُّد حرْق خيم الثوار في محيط مبنى اللعازارية في غمرة الصِدامات، وذلك من ضمن ما بدا أنه خطة لـ«اجتثاث» الثورة من وسط بيروت، إلى جانب «مقدّمات» كانت بدأت مع أعمال شغب جرى «تصويبها» في الأيام الماضية باتجاه المصارف ومصرف لبنان ولا سيما في شارع الحمراء – بيروت.
* أما السيناريو الثالث الذي وصفتْه أوساطٌ سياسية بأنه أقرب إلى «الخيال»، فهو ربْط ما حصل السبت بمخططاتٍ من مخابرات خارجية.
من ناحيته، وصف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ما يجري بأنه «مجنون ومشبوه ومرفوض يهدد السلم الأهلي»، مؤكداً «لن تكون بيروت ساحة للمرتزقة والسياسات المتعمدة لضرب سلمية التحركات الشعبية»، قبل أن يعلن أمس أن «هناك طريقاً لتهدئة العاصفة الشعبية»، متوجّهاً للمسؤولين «توقفوا عن هدر الوقت وشكّلوا الحكومة وافتحوا الباب للحلول السياسية والاقتصادية».
وفي موازاة ذلك، برز موقفٌ عالي السقف للنائب نهاد المشنوق أكد فيه «ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإلا سيجد «صهر الرئاسة» (الوزير جبران باسيل) الدماء على يديه»، وهو ما ردّ عليه «التيار الوطني الحر»، معلناً أن «مَن يتنبأ بالدماء هو نفسه من يحضّر لها بالتحريض الطائفي والمذهبي وبالتسعير الميداني والتمويل المشاغب، ويتحمل بالتالي مسؤولية الدماء».
الراي