رندة تقي الدين:
فظاعة منظر ضحايا الهجمات الكيماوية في سورية التي يرتكبها النظام جعلت الرئيس دونالد ترامب يصف بشار الأسد وصفاً مقذعاً، ويتلقى من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالين خلال ٤٨ ساعة لتنسيق المواقف إزاء الهجوم الوحشي الكيماوي على دوما الذي أدى إلى سقوط أكثر من ٥٠ قتيلاً من بينهم عدد كبير من الأطفال. هذا الهجوم الوحشي سيكون في صلب المحادثات التي يجريها الرئيس الفرنسي مع ضيفه السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الإليزيه، الذي سيعطيه صورة مفصلة عما تقوم به إيران في المنطقة بأسرها، من سورية إلى اليمن إلى العراق، وتزويدها الأسلحة القاتلة والمسمة إلى النظام السوري والحوثيين و «حزب الله».
الجهود التي قامت بها فرنسا لدفع مفاوضات للمرحلة الانتقالية في سورية فشلت كلها بسبب تعنت روسيا التي تريد حلاً يبقي بشار الأسد على رغم تمزيقه سورية وتدميرها. والانطباع العام الذي يحب الجانب الروسي إعلانه ويتباهى به بشار الأسد هو أن النظام السوري انتصر واستعاد المناطق التي كان خسرها، في حين أنه يستعيد مدناً مدمرة وبلداً بلغ النازحون فيه الملايين ولن يعودوا. وتتوسع مطامع تركيا في سورية مع تخلي الأميركيين عن الدعم الحقيقي للأكراد. أما إيران فتتركز في سورية في شكل يهدد حتى روسيا نفسها التي ما زالت تحتاج إلى حلفها مع طهران في هذه المرحلة.
ماكرون أعلن باسم فرنسا أكثر من مرة أن استخدام النظام السلاح الكيماوي في سورية خط أحمر، وإذا تجاوزه سيتم ضرب القواعد التي اطلق منها الكيماوي. وفي واقع الحال أن الكل مدرك أن بشار الأسد تجاوز الخط الأحمر في الوحشية ولن يوقفه العالم الغربي حتى بضربات محددة على مواقع وقواعد عسكرية، لأنه محمي من ديكتاتوريي روسيا وإيران اللتين لا تباليان برأيهما العام وما إذا كان شعباهما يوافقان أم لا على التدخل العسكري في سورية، فمثلاً هناك جدل في إيران على الصعيد الشعبي حول جدوى التدخّل العسكري في سورية وصرف المبالغ الهائلة لتمويل «حزب الله» ومقاتليه في لبنان، لكن النظام لا يهمه معارضة شعبه إزاء الموضوع. وروسيا استفادت من تدخّلها في سورية باعتراف العالم بأن الرئيس بوتين هو مفتاح الحل، لأن الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، لم يعد مستعداً بعد كارثة حرب العراق للتدخل العسكري المباشر. وترامب لن يغير رأيه، على ما غرّد بأنه يريد مغادرة القوات الأميركية سورية، فهو مستعد لضرب «الحيوان» لمعاقبته ولكنها ضربة محددة الهدف لموقع بعينه. والدول الديموقراطية أضعف في التصدي لوحشية النظام السوري بعد فشلها الذريع بعد قلب نظام صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا.
أصبحت هذه الدول حذرة جداً من إرسال قوات أو القيام بضربات لقلب النظام وإن كان هذا النظام يهجّر جزءاً كبيراً من شعبه إلى دول الجوار وأوروبا وغيرها، ويشكل مشكلة كبرى من لاجئين صاروا عبئاً على دول الجوار بما يرتّب على الأسرة الدولية جزءاً من المسؤولية.
ولسوء الحظ أصبح الحل الوحيد في يد القيادة الروسية التي لا تتردد من إبقاء قواتها في سورية طالما سلّمها الأسد مفتاح بلده. واللافت أن القيادات الثلاث الروسية والسورية والإيرانية تتسابق في نفي استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في حين أن كل الصور تؤكد ذلك. فإذا ضربت الولايات المتحدة وفرنسا قواعد عسكرية لسورية لن يرتدع النظام من الاستمرار مع الدعم الإيراني والروسي في تخريب البلد والمنطقة.،
الحل هو في التوصّل إلى توافق أميركي- روسي على وضع جديد في سورية يضمن انتقالاً من دون الأسد، ولكن، لا أحد يثق بالسياسة الأميركية لأنها منحازة كلياً لما تريد إسرائيل التي حرصت دائماً على حماية حكم آل الأسد، وهذا لا يدفع إلى التفاؤل بمستقبل سورية، لأن الحل معضلة والديموقراطيات لن تتدخّل عسكرياً للتصدي لإيران وروسيا، والهيمنة ستبقى للقوة على الأرض من دون حل نهائي.