د.عامر مشموشي:
كل الأرضية باتت مهيأة لعودة الفتنة، ولكن هذه المرة من الجبل الذي شهد بعد الفتنة التي أطلقت شرارتها حادثة عين الرمانة الشهيرة والذي عمل الزعيم وليد جنبلاط والبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير على إطفائها وإرساء قاعدة العيش المشترك والمصالحة الوطنية بين الموحدين الدروز وبين الطائفة المارونية، وبات الكل يُدرك ذلك جيداً، ويعمل بسرعة متناهية على وأدها قبل ان يشتعل الحريق وتقع الواقعة على الجميع بعدما تفاهموا على دفن الماضي الأليم، وترسيخ صرح التلاقي والتفاهم على عدم العودة إلى ذلك التاريخ الأسود الذي «شوَّه» صورة لبنان أمام كل العالم وكاد يفقد الأمل نهائياً به، وقد برز هذا الاهتمام في تحرك المسؤولين وعلى كل المستويات من الرؤساء الثلاثة العماد ميشال عون وسعد الحريري ونبيه برّي لتطويق حادثة قبرشمون ودفن ذيولها تحت الأرض قبل ان تنتشر على مستوى الجبل كلّه بل لبنان كلّه وتطيح بكل مقومات العيش المشترك وبقسم اللبنانيين الذي يتكرر في كل عام بعدم العودة إلى ذلك الماضي الأليم الذي كاد ان يطيح بالدولة، وبوحدة العيش المشترك الذي تأسس وبُني عليها هذا البلد التعددي النموذجي في كل العالم.
وحتى الآن ما زالت كل الجهود والمساعي منصبة على إقناع كل الفرقاء بضرورة التهدئة وتغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح، الا انه حتى الآن لا زالت الأجواء محمومة ولم تصل المساعي والجهود الخيرة إلى تجاوز ما حصل وإعادة حالة الصفاء إلى الأطراف المعنية مباشرة بالحادث الذي وقع في بلدة قبرشمون يوم الأحد الماضي، من دون ان يعني ذلك ان هذه الاتصالات قد توقفت وتخلى المسؤولون عن دورهم في وأد الفتنة قبل ان تستفحل وتقضي على كل الآمال التي يعقدونها على تجاوز حالة التشنج التي خلفها هذا الحادث بين أبناء طائفة الدروز الموحدين أنفسهم وبينهم وبين المسيحيين من خلال التيار الوطني الحر المتهم من قِبل الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط بأن تصرفاته ومواقفه السياسية التصعيدية إلى أسباب أخرى تتعلق بتصرفات الدولة المنحازة إلى الفريق الدرزي المتحالف مع نظام بشار الأسد التي أججت الوضع في الجبل وأدت إلى وقوع حادث قبرشمون، وما تبعه من تشنجات ورفع سقف المواجهة بين الفريقين المعنيين بهذه الحادثة، بدليل عدم انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة اليوم لأن الفريق الوزاري المنتمي إلى التيار الوطني الحر الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل رفض أية تسوية لتجاوز ما حصل والاصرار على إحالة القضية على المجلس العدلي متجاوزاً تجاوب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالإحتكام إلى القانون وترك القضاء العادي يأخذ مجراه في هذه القضية من دون أي تدخل في شؤونه. وإذا كان رئيس الحكومة الذي يبذل جهوداً مضنية لتجاوز ما حصل وإعادة الأمور إلى مجاريها في الجبل بما يُعزّز المصالحة التي أرساها زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي والبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير التي اهتزت بعد حادثة قبرشمون، أُجبر على تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس فذلك لا يعني ان الاتصالات الجارية لوأد الفتنة وإعادة صورة التعايش المشترك قد هزمت وبات الوضع في الجبل مفتوحاً على احتمالات الفتنة وليس على أي أمر آخر.