شكّل الدعمُ الذي قدّمتْه الولايات المتحدة عبر سفارتها في بيروت أمس، لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بوجه «أي محاولة لاستغلال الحَدَث المأسوي الذي وقع في قبرشمون (البساتين – عاليه) في 30 يونيو الماضي بهدف تعزيز أهداف سياسية»، أول مؤشّرٍ معلن إلى التداعيات الخارجية التي بدأت تترتّب على المسار الذي أَخَذ ينحدر إليه هذا الملف واضعاً البلاد أمام مأزق خطير و«في قبضة» معادلاتٍ صعبة في ميزان الربح والخسارة باتت تحكم المحاولاتِ الشائكة لإيجاد «سلّم النجاة» بعدما صارتْ المواجهةُ «وجهاً لوجه» بين رئيس الجمهورية ميشال عون والزعيم الدرزي (جنبلاط).
وجاء البيانُ «غير المألوف» الذي أصدرتْه السفارة الأميركية وأكدتْ فيه أن واشنطن «تدعم المراجعة القضائية العادلة والشفافة من دون أي تدخل سياسي» في حادثة البساتين، كاشفة عن أن «الولايات المتحدة عبّرتْ بعباراتٍ واضحة إلى السلطات اللبنانية عن تَوَقُّعها أن تتعامل مع هذا الأمر بطريقة تحقق العدالة من دون تأجيج نعرات طائفية ومناطقية بخلفيات سياسية»، محمَّلاً بالرمزيات والمغازي في 3 اتجاهاتٍ قرأتْها أوساطٌ مطلعةٌ كالآتي:
* أن هذا الدخول الأميركي المباشر على خط الأزمة يوجّه رسالةً برسْم الخارج «الإقليمي» بأن جنبلاط، الذي غالباً ما تعاطى مع السياق الذي انزلق إليه «ملف البساتين» على أنه تتويجاً لمحاولاتٍ من النظام السوري و«حزب الله» لتطويعه وتأديبه على خلفية تموْضعاته الإقليمية، ليس متروكاً في هذه المواجهة، وأن أي مساعٍ للانقلاب على التوازنات في الواقع اللبناني تخضع لـ «عين حمراء» أميركية ودولية.
* أن الخطوة الأميركية تشكل إشارةً قوية ومتقدّمة «بلا قفازات» إلى أن واشنطن «على نفْس الموجة» مع جنبلاط في قراءته لخلفيات ما اعتبره «المؤامرة التي تحاك ضدّه عبر فبركة اتهامات في المحكمة العسكرية (أحيل عليها الملف)»، وأنها تعاين عن كثب مسار هذه القضية وأبعادها السياسية في ضوء اندفاعة تحالُف عون – «حزب الله» بوجه زعيم «التقدمي» الذي رسمت الولايات المتحدة «خط دفاعٍ» عما يمثّله، مدعوماً من رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في إطار «الخيارات اللبنانية».
* أن الانخراطَ الأميركي المباشر في «حلبة الصراع»، على وهْج سيْف العقوبات المصلت على «حزب الله» والذي يتم التلويح بإمكان أن يتوسّع ليشمل حلفاءه، يمكن أن يرْفد «التوازن السلبي» الذي كان حَكَمَ هذه الأزمة منذ بدايتها بـ «مقوياتٍ خارجية»، ولكنه في الوقت نفسه يعْكس «تدويلاً» لـ «أزمة البساتين» ومساراتِها السياسية والقضائية وسبل الخروج من «حفرتها»، بما يرجّح أن يضيفَ تعقيداتٍ إلى محاولاتِ فكفكة المأزق بعدما كان فريق عون بكّر في ربْط ما اعتبَرَه تَشدُّداً من جنبلاط بلقاءٍ عَقَدَه الأخير قبل فترة مع سفراء عدد من الدول الكبرى والاوروبية تحدّث أمامهم عن محاولة لمحاصرته وعزْله.
وفي رأي الأوساط المطّلعة أنه بعدما كان عون أَقْفَلَ البابَ أمام المعالجة السياسية بإعلانه أن المستهدَف في حادثة البساتين كان صهره رئيس «التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل ناقلاً المعركة من مربّعها الدرزي – الدرزي (بين جنبلاط والنائب طلال ارسلان طرفي اشتباك البساتين) إلى ملعب المواجهة بين العهد وجنبلاط، أتى الدخول الأميركي (في الصورة) ليشي بمضاعفات قد تكون أكثر حدة ولا سيما أنها يمكن أن تستحضر عناصر التوتّر الاقليمي – الدولي وتحديداً الأميركي – الإيراني إلى الحلبة اللبنانية».
وتوقفت الأوساط نفسها عند حصول هذه «النقْلة النوعية» بينما كانت أنظار الداخل شاخصة على بلوغ سقوف التصعيد المتبادل بين «التيار الحر» و «التقدمي» ذروتها، مع ردّ باسيل مساء أمس خلال وضْعه الحجر الأساس لمقرّ حزبه على «الاشتراكي» الذي كان شنّ (الثلاثاء) هجوماً كاسحاً على عون وفريقه الوزاري وفي مقدّمه وزير الخارجية من بوابة ما اعتبره «فبركة ملف اتهام سياسي بحق طرف أساسي» في المحكمة العسكرية محذّراً رئيس الجمهورية ضمناً بأن ما تبقى من ولايته صار على المحكّ.
وفيما تم التعاطي مع مجمل هذه التطورات على أنها مؤشرات إلى استحالة توقُّع حصول أي خرْق في جدار الأزمة في المدى المنظور وسط رهانٍ على عطلة الأضحى علّها تساهم في تبريد «الأرض السياسية» قبل استئناف أي وساطات جديدة، سجّل يوم أمس سلسلة إشارات تصبّ في هذا الاتجاه وأبرزها:
* مضيّ عون في تَشدُّده بإعلانه «أن مَن يرفض العدالة يرفض المجتمع الذي لا يمكنه العيش في الفوضى، وما حصل (في البساتين) تترتب عليه نتائج قضائية وهو سلَكَ طريقه في هذا المجال حالياً»، معتبراً «ان القضاء يملك صلاحية الحزم والعقاب وفق القوانين المرعية».
* تأكيد رئيس البرلمان نبيه بري أنه أطفأ محرّكاته موجّهاً رسائل برسم عون الذي اعتُبر كلامه حول «المكمن أُعدّ لباسيل ولستُ شيخ عشيرة» بمثابة استهداف مبكّر للمبادرة التي كان يستعدّ بري لإطلاقها على قاعدة العمل على مصالحة بين جنبلاط وارسلان برعاية عون مع فصل المسار القضائي لحادثة البساتين عن جلسات مجلس الوزراء (في ضوء رفْض الحريري عقد جلسة يُطرح على جدول أعمالها هذا الملف المتفجّر).
ودعا بري «إلى ضرورة اجراء مصالحة شاملة وكاملة اضافة لعقد جلسات حكومية على ألا يكون النقاش حول البساتين»، مؤكداً «مستعدّون للعمل من أجل إنقاذ البلد ولكن إذا كان هناك عدم قبول من أي أحد لا أعتقد ان المبادرات ستنجح».
وفي موازاة ذلك، نُقل عن مصادر الرئيس الحريري (تلفزيون ال بي سي آي) «ان الحديث عن اعتكافه لا أساس له وأنه سيكون في بيروت بين ساعة وأخرى إلّا إذا حصل ما يستدعي البقاء خارج البلد»، وأنه متمسك برفض تحويل مجلس الوزراء «جبهتين» عبر نقْل الاشتباك السياسي الى طاولته، وأنه غير مرتاح لارتفاع حدة السجالات.
الراي