وتتجلّى ملامح هذا التحوّل في تطوريْن بارزين:
* الأوّل توسيع «حزب الله»، الذي ينخرط عسكرياً بالحرب السورية منذ 2013، مسرح عمليّاته ليشمل للمرة الأولى الأراضي اللبنانية عبر المعركة التي أطلقها في جرود عرسال وجرى ربْطها بأجندة إيرانية رداً على إبعاد طهران وميليشياتها عن جنوب غربي سورية في إطار تكريسِ مناطق النفوذ في «سورية الجديدة». ومن هنا لم يكن مفاجِئاً، حسب أوساط مطلعة في بيروت، أن يظهّر «حزب الله» من خلال زيارة وفد كتلته لطهران ولقاءاته مع القيادة الإيرانية الحسم (كان أمس مرتقباً بين ساعة وأخرى) لمعركة الجرود في شقّها المتعلّق بإنهاء وجود «جبهة النصرة» فيها (وفي امتدادها في القلمون الغربي) على أنه «انتصار» لإيران ومحورها في المنطقة، وهو ما عبّر عنه ضمناً وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف حين هنّأ الكتلة بـ «انتصارات المقاومة والجيش اللبناني على الارهابيين في منطقة عرسال».
وقالت الأوساط نفسها لـ «الراي» إن جانباً آخر لا يقلّ أهمية في زيارة وفد نواب «حزب الله» لطهران تمثّل بتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة التي كان رئيسها يستعدّ لاستقبال الحريري بأنّ «الأمر» في لبنان لذراع إيران الأهمّ في المنطقة أي «حزب الله»، وذلك على تخوم مرحلة تصاعُدية في المواجهة بين طهران وواشنطن التي فرضت عقوبات جديدة على إيران وتستعدّ لرزمة عقوبات إضافية على «حزب الله» الذي يفترض أن يكون أمينه العام السيد حسن نصر الله حدّد في إطلالته ليل أمس العناوين العريضة لمرحلة ما بعد «انتصاره».
* والتطوّر الثاني تمثّل في السقف العالي الذي اعتمده ترامب في مؤتمره الصحافي المشترك مع الحريري حيال «حزب الله» وإيران وحتى الرئيس السوري بشار الأسد.
وبالرغم من أن الحريري قدّم خلال المحادثات مقاربة متوازنة ركّزت على حفظ استقرار لبنان وأوحت بضرورة عدم جعل حلّ مسألة «حزب الله» عبئاً على الداخل اللبناني مع تشديده على تقوية الجيش وتنمية الاقتصاد والمساعدة بملف النازحين السوريين، إلا أن ترامب باغتَ الجميع واضعاً «حزب الله» بخانة واحدة مع «داعش» و«القاعدة»، ومعتبراً «ان لبنان على الخط الأمامي» بمحاربة المجموعات الثلاث، ولافتاً الى «ان (حزب الله) يمثّل تهديداً للدولة اللبنانية والمنطقة بأكملها، وهذه المجموعة تستمرّ بزيادة عتادها ما يعزز خطر النزاع مع إسرائيل. وبدعم من إيران تستمر في تعزيز وتقوية المأساة الإنسانية في سورية».
وكان بارزاً أنه حين سئل ترامب عن موقفه من العقوبات المشدَّدة على «حزب الله» التي ينوي الكونغرس إقرارها وعن رأيه بدور الحزب في سورية، أجاب: «سأعلن موقفي خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة، وسنرى ما سيحصل بالتحديد وسأعقد اجتماعات مع خبرائي وممثلين عسكريين لنتخذ القرار في وقت قريب جداً. كذلك سأتحدث عن دور (حزب الله) في سورية».
واللافت أكثر أن التعبئة الأميركية ضدّ «حزب الله» امتدّت الى مجلس الأمن حيث حذّرت المندوبة الاميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي من مخاطر التهديد الذي يشكله «حزب الله» على الشعب اللبناني، معتبرة «أن أحد المصادر الرئيسية للنزاع والقتل بالشرق الأوسط يتمثل بإيران وميليشياتها الشريكة، حزب الله اللبناني وهو منظمة إرهابية مكرَّسة وبكلماتها لتدمير إسرائيل»، ولافتة الى أن الحزب «يستعدّ لشنّ حرب في المستقبل (على اسرائيل)».
وتبعاً لذلك، ترى دوائر سياسية أن لبنان قد يكون مقبلاً على مرحلة أشدّ تعقيداً في لعبة «التدافُع الخشن» بالمنطقة التي تشهد ترسيم حدود النفوذ للاعبين الكبار، لا سيما عبر الملعب السوري و«ملحقاته» رغم محاولات إبقاء الوضع الداخلي مضبوطاً على إيقاع التسوية السياسية التي سلّمتْ بإدارة «حزب الله» للمسائل الاستراتيجية مع تحييد الملفات الخلافية والسعي لتعويم المؤسسات، وهو ما يفسّر «إطفاء المحركات» من خصوم الحزب حيال تفرُّده بخوض معركة الجرود باستثناء بيان «كتلة المستقبل» (تكتل الرئيس الحريري) الذي جاء رداً على حملة شعواء من قريبين من الحزب تضمنت تخويناً وتهديدات بالقتل.
وسط هذا المناخ، بدت معركة جرود عرسال مع «النصرة» وكأنّها في «الأمتار الأخيرة» بعدما حوصر مَن تبقى من مسلّحيها وأميرها في الجرود أبو مالك التلي في بقعة لا تتجاوز سبعة كيلومترات مربّعة تقع في وادي حميد ومنطقة الملاهي (في نقطة بين الجرود ومواقع تمركز الجيش اللبناني على تخوم بلدة عرسال).
وفيما كان «حزب الله» يعمل أمس على إنهاء السيطرة على آخر 3 تلال تشرف على وادي حميد و«الملاهي»، أشارت تقارير الى ان الحزب لن يدخل هذه المنطقة المكتظة بالنازحين وسيكتفي بفرْض الاستسلام على أبو مالك التلي (رُصد في وادي حميد) عبر التفاوض الذي لم تُقفل قنواته أو قتْله، لافتة الى ان المعركة مع «داعش» (في جرود رأس بعلبك والقاع) تبقى رهناً بمسار المفاوضات مع التنظيم الذي أظهر رغبة بتجنب المواجهة التي يبدو أن الجيش اللبناني يستعدّ لها وقد يكون رأس حربتها.
(الراي)