وأخيراً أصبح للدولة اللبنانية موازنة، بغض النظر عن كل الملابسات التي أحاطت بها، ورغم كل الخلافات التي عصفت بجلسات مناقشتها، قبل إقرارها في مجلس الوزراء.
وجود موازنة هو اللبنة الأساسية في الانتظام المالي للدول، ولكن أهمية أي موازنة تكمن في دقة الأرقام التي تحتويها، ومدى احترام الحكومة لالتزاماتها المالية، والحرص على عدم تجاوز الإنفاق المحدد في الميزانية العامة.
التجارب في لبنان غير مشجعة بالنسبة لاحترام الحكومات والوزراء لأرقام الميزانية، والتقيّد بحجم النفقات، حيث تطغى روح المحاصصة على مغانم السلطة، وتتم تغطية طلبات السلف الإضافية من خارج الموازنة، بتفاهمات مصلحية مُغلفة بألوان سياسية مختلفة، على قاعدة «شيّلني وأشيّلك»، بعيداً عن مراقبة أو مساءلة من مجلس النواب، أو الأجهزة الرقابية المعنية.
من هنا يمكن القول أن نسبة تخفيض العجز في الموازنة إلى 7.59٪ يُعتبر إنجازاً بحد ذاته، بعد سنوات من تضخم العجز من عام إلى آخر، ولكن كثير من المراقبين المعنيين، في الداخل والخارج، على السواء، ينظرون بعين الشك إلى قدرة الحكومة على الالتزام بحدود الإنفاق الواردة في الموازنة، من جهة، وعدم دقة التوقعات لنسبة زيادة الموارد، من خلال فرض الرسوم والضرائب الجديدة فقط، من دون الذهاب إلى معالجة مواقع الهدر والنهب لمرافق الدولة، حيث غابت ملفات بحجم الأملاك البحرية، والتهرّب الجمركي، وعدم إبداء أي جدية بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، والبحث بإمكانية استعادة بعض الأموال المنهوبة.
أما مسألة قطع الحساب لميزانيات السنوات السابقة فهي بحد ذاتها حقل ألغام جديد، في حال فشل التوافق الحالي على تمريرها، وطيّ صفحة كل المخالفات والملابسات السابقة! فهل الشكوك بقدرة الحكومة على الالتزام بأرقام الموازنة في محلها؟.