ومع أن تقرير الصحيفة الأميركية ركز على شركة واحدة تعمل في مجال بيع المتابعين، مفصلا كيف تزيف الحسابات وتعاد التغريدات، ومشاركة منشورات وتزييف الإعجاب والمشاهدات، فإن هناك شركات أخرى مماثلة يمكن ببساطة الوصول إليها بالبحث في “غوغل”.
وعبر تحقيق استمر لفترة وتضمن الاطلاع على حسابات شركة “ديفومي” المتخصصة في بيع المتابعين على موقع “تويتر”، وإجراء مقابلات مع متخصصين ومعنيين، خلص التقرير إلى أن مئات ملايين الانطباعات على “السوشيال ميديا” مزيفة.
وحسب المدعي العام لنيويورك، فإن ما تقوم به تلك الشركات من تزييف حسابات بأسماء أصحاب حسابات حقيقية يعد “انتحال شخصية” يعاقب عليه القانون.
لكن التحقيقات القانونية قد لا تصل إلى الأثر الأوسع لعمليات سوق النصب على مواقع السوشيال ميديا، في الوقت الذي تواجه فيه شركات كبرى مثل “غوغل” و”فيسبوك” و”تويتر” انتقادات لأنها تتغاضى عن انتشار الأخبار الكاذبة التي لا شك تسهم الحسابات الآلية المزيفة في اتساع نطاق انتشارها.
مؤثرون مزيفون
واهتم تحقيق “نيويورك تايمز” بجزء بسيط من سوق النصب والتزييف تلك، وبالتحديد بـ3.5 مليون حساب مزيف يتم بيعها لأكثر من مشتر، ليصل العدد إلى 200 مليون متابع، وذلك على موقع “تويتر” فقط.
وكشفت سجلات شركة “ديفومي” أن المشترين من كافة الاتجاهات والمهن، فمنهم سياسيون ومشاهير فن ورياضة، وحتى عدد من المحللين والخبراء الذين يظهرون على التلفزيونات، وأيضا “نشطاء” يروجون لقضايا تكتسب زخما بملايين الحسابات المزيفة.
ولأن التقرير اهتم بالسوق الأميركية، فقد كشف أن مؤيدي الرئيس دونالد ترامب ومعارضيه على السواء زبائن عند شركات بيع المتابعين المزيفين.
لكن الأهم، هو ما كشفه تقرير الصحيفة (من سجلات شركة ديفومي وغيرها) من أن أغلب من يسمون “المؤثرون” Influentials على مواقع السوشيال ميديا، يشترون متابعين مزيفين بالملايين.
ويحصل هؤلاء على ثروات هائلة من شركات الدعاية والعلاقات العامة التي تستخدمهم لترويج منتجات وحملات، وتدفع لهم على كل تغريدة على “تويتر”.
ومقابل بضع سنتات يدفعها هؤلاء “المؤثرون” مقابل آلاف المتابعين المزيفين والحسابات الآلية التي تعيد تغريد ما يبثون على صفحاتهم، يحصل هؤلاء على آلاف الدولارات من حملات الترويج.
وعلى سبيل المثال، يحصل المؤثر الذي لديه 100 ألف متابع على تويتر على ألفي دولار مقابل تغريدة ترويجية، بينما من لديه مليون متابع يحصل على 20 ألف دولار مقابل تغريدة ترويجية.
ولا يقتصر الأمر على المشاهير فقط، إذ نشرت صحيفة “صن” البريطانية مؤخرا قصة الأختين آرابيلا وجادين داهو (وهما مؤثرتان غير مشهورتين عمرهما أقل من 15 عاما)، تكسبان ما لايقل عن 100 ألف دولار سنويا من العمل مع شركات كبرى مثل “أمازون” و”ديزني” و”ناينتندو” وغيرها بنشر تغريدات عن منتجاتها.
وكشف تقرير “نيويورك تايمز” أن حسابيهما على تويتر اشتريا مئات آلاف المتابعين من شركات بيع الحسابات المزيفة، لكن عن طريق والدهما وأشخاص يعملون مع الأختين.
منفعة مشتركة
وحسب تقرير الصحيفة الأميركية، تعترف شركات التكنولوجيا بأن قدرتها على مواجهة الحسابات المزيفة ومجموعات الحسابات الآلية محدودة.
لكن الواقع أن الكل مستفيد، ولنأخذ “تويتر” على سبيل المثال، فالموقع لا يتطلب أي تدقيق في إنشاء حساب عليه.
وكما يستفيد المؤثرون والمشاهير من زيادة عدد المتابعين وإعادة نشر تغريداتهم، يستفيد “تويتر” كذلك من زيادة عدد الحسابات عليه.
وبما أن “تويتر” و”فيسبوك” و”غوغل” شركات مسجلة بالبورصة الآن، فإن قيمتها تعتمد على عدد المتابعين، حتى لو كان ثلثهم غير حقيقي كما أعلن “فيسبوك” مؤخرا.
ويقول “تويتر” إن نحو 15 بالمئة من المستخدمين الناشطين وعددهم 48 مليون مستخدم “حسابات مزيفة”، لكن بعض الخبراء يقولون إن النسبة أكبر بكثير من ذلك.
ولأن أصحاب الأعمال الآن باتوا يهتمون بنشاط الموظف المتقدم للحصول على عمل على وسائل التواصل الاجتماعي، كعامل مهم في توظيفه وتحديد أجره، يسعى كثيرون لزيادة عدد متابعيهم – خاصة على “تويتر” – بشراء المتابعين وإعادة التغريد الآلي.
ومرة أخرى تستمر الدائرة، يشتري المؤثرون والباحثون عن عمل والسياسيون والمشاهير والنشطاء المتابعين المزيفين، وتكسب شركات بيع المتابعين من تزوير الحسابات، وتستفيد مواقع الـ”سوشيال ميديا” من زيادة الأرقام، فترتفع قيمتها السوقية.