منذ القديم لعبت مدينة بيزا (Pisa) الإيطالية دورا إقليميا هاما حيث مثّلت الأخيرة شريانا اقتصاديا أساسيا بفضل احتوائها على أحد أبرز الموانئ وتوافد التجار عليها لتتحول بناء على ذلك إلى مركز تبادل تجاري بشبه الجزيرة الإيطالية.
فضلا عن ذلك مثلت بيزا نقطة استراحة بالنسبة للحجاج المسيحيين قبيل توجههم نحو البقاع المقدسة بفلسطين.
وبفضل تراكم الثروات داخلها وتزايد نفوذها بالمنطقة تحولت بيزا في حدود القرن الحادي عشر إلى واحدة من أهم الجمهوريات البحرية حيث تمكنت الأخيرة من السيطرة على كورسيكا (Corsica) سنة 1077 وجزر البليار (Balearic Islands) القريبة من إسبانيا سنة 1113.
في حدود عام 1063، شاركت بيزا في الهجوم على منطقة باليرمو في خضم الحملة العسكرية الهادفة إلى طرد المسلمين من جزيرة صقلية. وبالتزامن مع نجاح التدخل العسكري عادت جيوش بيزا لموطنها محمّلة بالغنائم. فضلا عن ذلك، نقلت هذه القوات معها بعض التصاميم المعمارية التي كانت موجودة بصقلية والتي تمثلت أساسا في الفن المعماري البيزنطي والفن المعماري الإسلامي.
وخلال سعيها لتخليد انتصارها العسكري ومنافسة جمهورية البندقية البحرية (Republic of Venice) والتي اتجهت نحو بناء كاتدرائية القديس مرقس (St Mark’s Basilica) لم تتردد جمهورية بيزا في العمل على بناء مركب ديني كامل عند ميدان المعجزة والذي يسمى أيضا بيازا داي ميراكولي (Piazza dei Miracoli). وبناء على التصاميم المقترحة كان من المقرر أن يتضمن هذا المركب الديني كاتدرائية إضافة إلى مكان مخصص للتعميد ومقبرة وبرج جرس عرف لاحقا ببرج بيزا المائل.
إلى يومنا الحاضر ما يزال اسم المهندس المسؤول عن بناء برج بيزا المائل لغزا محيرا.
فمن ناحية ينسب البعض تصاميمه إلى المهندس المعماري ديوتوسالفي (Diotisalvi) والذي عاش خلال القرن الثاني عشر ويتحدث البعض عن دور للمهندس المعماري العبقري جيراردو دين جيراردو (Gherardo din Gherardo)، ومن ناحية أخرى يؤكد أغلب المؤرخين أن أول من وضع حجر الأساس لهذا المعلم التاريخي ليس سوى النحات والمهندس المعماري بونانو بيسانو (Bonanno Pisano) حيث أتم الأخير الجزء الأول من عمليات البناء بينما تكفّل جيوفاني دي سيموني (Giovani di Simone) بمهمة البدء في الجزء الثاني سنة 1275 وجاء ذلك قبل أن ينهي توماسو بيسانو (Tommaso Pisano) بقية البرج سنة 1372.
بدأ العمل على برج بيزا والذي تجاوز طوله 55 مترا وتكون أساسا من أكثر من 14 ألف طن من الرخام الأبيض في حدود سنة 1173 وبسبب تواجد كميات هامة من المياه تحت أرضية المنطقة ورخاوة التربة أجبر النحات والمهندس المعماري بونانو بيسانو على وضع أسس وقواعد لم يتجاوز عمقها العشرة أقدام تحت الأرض.
وبالتزامن مع نهاية الأشغال على الطابق الأول بدأ برج بيزا بالميلان حيث بدأ الجزء الجنوبي بالغرق داخل الأرض ويعزى السبب في ذلك أساسا إلى الأرضية الرطبة والأسس الرديئة. ولتجاوز هذه الأزمة اتجه العاملون على بناء برج بيزا إلى جعل أعمدة الجزء الجنوبي من البرج أعلى بنحو 2,5 سنتيمترا من تلك الموجودة بالجزء الشمالي.
ومع تواصل أشغال البناء واصل برج بيزا غرقه داخل الأرض من جهة الجزء الجنوبي، وفي الأثناء أجبر المهندسون عقب انتهائهم من العمل بالطابق الثالث على اعتماد أعمدة جنوبية أطول بنحو 5 سنتيمترات من نظيرتها على الجهة الشمالية.
مع حلول سنة 1178 توقفت أشغال البناء على برج بيزا لحوالي قرن من الزمن بسبب الحروب المستمرة لجمهورية بيزا ضد كل من جنوة وفلورنسا (Florence) وجاء ذلك قبل أن تستأنف الأشغال مجددا سنة 1272 حيث تواصل العمل على بقية الطوابق والتي اعتمد خلالها المهندس المعماري جيوفاني دي سيموني على أعمدة أطول من أخرى في سعي منه للحصول على طابق علوي سليم مخصص للأجراس.
في حدود عام 1284، توقفت الأشغال على برج بيزا مجددا ويعزى السبب أساسا هذه المرة إلى الهزيمة العسكرية التي تلقتها جمهورية بيزا على يد قوات جنوة (Genoa) خلال معركة ميلوريا (meloria) وهو الأمر الذي جسّد بداية تراجع جمهورية بيزا على الساحة الإقليمية.
في غضون ذلك ومع حلول سنة 1372 أعلن رسميا عن انتهاء العمل على برج بيزا المائل حيث أنهى المهندس المعماري توماسو بيسانو العمل على غرفة الأجراس وبسبب تواصل ميلان البرج وغرقه أمر الأخير ببناء درج حلزوني الشكل داخل البرج فضلا عن ذلك كان الجدار الجنوبي بغرفة الأجراس أطول من الجدار الشمالي. وبناء على ذلك وبسبب الحروب المتواصلة لجمهورية بيزا والمشاكل الهندسية التي تسببت فيها الأرضية، استغرق بناء برج بيزا والذي أصبح يلقب ببرج بيزا المائل مدة زمنية قاربت القرنين.
في أثناء ذلك قدرت درجة ميلان برج بيزا سابقا بنحو 5.5 درجة لكن عقب إجراء بعض الإصلاحات عليه ما بين عامي 1990 و2001 أصبحت درجة ميلانه تقدر بحوالي 3.99 درجة.
(العربية.نت)