نشرت مجلة “ذي أتلانتك” مقالا للأستاذ في جامعة ييل والسفير الأميركي السابق لسوريا والعراق، روبرت فورد، يناقش فيه اتفاقية وقف إطلاق النار، التي تم التفاوض عليها بين روسيا وأميركا والأردن.
ويقول فورد: “يبدو أن وقف إطلاق النار في سوريا، الذي تم التفاوض عليه بين روسيا وأميركا والأردن، مستمر، وكما هو معتاد قام الرئيس دونالد ترامب بالثناء على هذه الصفقة على مواقع التواصل الاجتماعي، فغرد على (تويتر) قائلا: (حان الوقت لنمضي قدما في العمل بشكل بناء مع روسيا!)”.
ويستدرك السفير في مقاله بأن “هناك تفاؤلا أقل من ذلك بين المسؤولين الآخرين في الإدارة، ففي شكل موجز، فإنه في 7 تموز قام مسؤول كبير في وزارة الخارجية بالتركيز على حقيقة أن الاتفاقية محدودة بجنوب غرب سوريا، وأنها كالمحاولات التي سبقتها قد تنهار، بالإضافة إلى أن البنتاغون، بحسب (بازفيد)، أبقي خارج حلقة النقاش، ولا تزال البنود الرئيسية من الاتفاق غير معلنة بعد، بحسب ما نشرته مجلة “فورين بوليسي” هذا الأسبوع”.
ويتساءل فورد قائلا: “كيف سيبدو شكل صفقة متينة في جنوب غرب سوريا؟ يجب أن توفر مكاسب إنسانية مباشرة، وتوقف المزيد من الهجرة باتجاه الأردن، ويمكن أن تسمح حتى لبعض اللاجئين المسجلين في الأردن، الذين يصل عددهم إلى 600 ألف مهاجر، بالعودة إلى مناطقهم إن كانت مغطاة بالاتفاقية، بالإضافة إلى أن اتفاقا يستمر بموجبه وقف إطلاق النار قد يضم أيضا تنظيم “داعش”، وهناك وحدة صغيرة تابعة لتنظيم الدولة تنشط بالقرب من هضبة الجولان، وتشتبك أحيانا مع مقاتلي الجبهة الجنوبية المعتدلة، وإن توقف القتال بين الجبهة الجنوبية والحكومة السورية يمكن حينها للجبهة الجنوبية التركيز على تنظيم “داعش” وهي النتيجة التي تسعى إليها كل من أميركا والأردن”.
ويقول الكاتب: “يمكن في هذه الحالة للحكومة السورية نقل قواتها من جنوب غرب سوريا، وتوجيهها ضد “داعش”، وبالطبع فإن هناك احتمالا بأن تنقل الحكومة السورية قواتها إلى دمشق لقتال قوى معارضة في بعض البلدات التي لا تمتد إليها الاتفاقية، والمزيد من القتال فيها قد يؤدي إلى مقتل ونزوح الآلاف”.
ويشير فورد إلى أن “التحدي الرئيسي لهذه الصفقة هو إرغام القوى الفاعلة على الالتزام ببنودها الأساسية، ففي حلب أعلنت اتفاقية وقف إطلاق نار تم التوصل إليها في شباط، وقبلها في شهر أيلول بين أميركا وروسيا، وانهارت كلتاهما”.
ويلفت الكاتب إلى أن “طبيعة هذه الصفقة تعكس أيضا عدم فهم أهداف الأطراف فيها، حيث قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون بأن هدف موسكو وواشنطن في سوريا واحد، لكن هذا غير واضح، فبالنسبة لواشنطن كان الهدف منذ منتصف 2014 تدمير “داعش”. وقال فريق ترامب إن على الأسد أن يذهب، لكن ذلك ليس أولوية مباشرة، وفي المقابل فإن موسكو سعت لتقوية الأسد ضد الضغط الداخلي، وترفض أن تحمل نظامه المسؤولية عن الهجمات الكيماوية، وترفض شجب أي جرائم حرب، مثل الهجمات العشوائية على المدنيين، واستهداف المستشفيات وقوافل المساعدات، وبالتعريف الروسي تمر طرق الاستقرار كلها في سوريا من خلال الأسد”.
ويذهب فورد إلى أنه “لذلك، فحتى لو عرفت موسكو أن الحكومة السورية اخترقت وقف إطلاق النار، فإنها لن تعاقب دمشق بما يكفي لصدها عن تصرفها، فهي لا تريد زعزعة دمشق، أو حتى أن تسيء لسمعتها كونها حليفا يعتمد عليه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوقف المؤقت عن القتال يقوي الحكومة السورية، التي لم تستطع أن تنقل قواتها من الجبهات الهادئة إلى تلك الناشطة، وكلما تحسن وضع الحكومة السورية يقل تأثير روسيا عليها”.
ويرى الكاتب أنه “دون شكل جديد من أشكال الضغط، فإن الحكومة السورية لن تغير من تعاملها مع وقف إطلاق النار من الاختبار والدفع، وفي العادة ضد قرية واحدة لتحسين وضعها التكتيكي، حكام سوريا قساة، لكن لديهم نفس طويل، ويدركون أن الأمر سيأخذ منهم سنوات لإعادة البلد إلى سيطرتهم”.
ويستدرك فورد بأن “السؤال الأكبر الذي بقي دون جواب هو إيران، وإن استمرت هذه الاتفاقية فإنها ستساعد على التعامل مع مخاوف إسرائيل والأردن، وهما حليفان رئيسيان لأميركا يحيطان بإيران، وكان الملك عبد الله من أوائل القادة العرب الذين حذروا من الهلال الشيعي، الذي كان بدأ يتكون، والذي يمتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وقد أعلنت قوات النجباء الشيعية التي تدعمها إيران بأنها ستتحول إلى قتال إسرائيل بعد أن تهزم المعارضة السورية، وقد تضطر إسرائيل إلى مواجهة قوات شيعية عراقية تدعمها وتمولها إيران، بالإضافة إلى عدوها التقليدي “حزب الله”.
وينوه الكاتب إلى أن “مكاسب إيران من هذه الاتفاقية غير واضحة، ولم تكن طهران مثل الحكومة السورية طرفا في هذه الاتفاقية، وردت عليها بحذر، فإيران هي مصدر الدعم الرئيسي للأسد وليس روسيا، وذلك يجعل تأثير بوتين على الأسد محدودا، بالإضافة إلى أن إيران تريد أن يسترجع الأسد سوريا كلها”.
ويفيد فورد بأن “الدور الحرج الذي تؤديه إيران في سوريا يبرز قصور المفاوضات التي أوصلت إلى هذه الاتفاقية، حيث كانت روسيا وأميركا خلال الحرب الباردة، وبسبب قوتيهما العسكريتين، قادرتين على تحديد نتائج (حروب التحرير) في الدول النامية، أما اليوم في 2017 لم ينجح هذا في سوريا، وذلك إما لأن روسيا غير صادقة، وإما لأنها تفتقر للقوة الكافية للتأثير على إيران وسوريا لإلزامهما باتفاقيات وقف إطلاق النار، وإن نجحت هذه الاتفاقية الأخيرة فإن إدارة ترامب ستسعى لعقد اتفاقيات مشابهة في مناطق أخرى من سوريا، بما في ذلك مناطق حظر جوي”.
ويجد الكاتب أنه “دون الحصول على موافقة إيران وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين تدعمهم إيران، فإن هذه الخطة لن تنجح، ولذلك أدخلت روسيا إيران في المفاوضات التي تتم في كازاخستان حول سوريا، في الوقت الذي اكتفى فيه الأميركيون بالمراقبة وليس التفاوض، وحتى تقبل واشنطن بضرورة التعامل الدبلوماسي مع إيران لإنهاء الصراع في سوريا، فإنها ستترك في الخارج منفصلة عن أي دور لبناء سلام دائم”.
ويرى فورد أن “أميركا تغامر في دورها في تشكيل تضاريس مستقبل سوريا، حيث قال تيلرسون إنه يجب أن تستقر سوريا لضمان عدم عودة تنظيم الدولة ثانية، لكن إن نجح وقف إطلاق النار وتم توسيعه، فسينتج عنه سوريا تهيمن عليها فصائل مختلفة، حكومة الأسد والأكراد السوريون والسوريون العرب، وفي ظل سوريا مقسمة بهذا الشكل، ومع جيران يحبون التدخل، فإنها لن تكون مستقرة، وتقضي عمرها في حالة مفاوضات سلام، مثل تلك المفاوضات الفاشلة في جنيف، وسيبقى نظام الأسد المدعوم من إيران يحاول قضم مناطق المعارضة”.
ويخلص الكاتب إلى أنه “في مثل هذا السيناريو سيؤدي الاستياء السائد بين العرب السنة، الذي أدى إلى ولادة تنظيم “داعش” وتنظيم القاعدة في سوريا عام 2011، إلى الاستمرار في توفير المجندين للنسخ المستقبلية، فمع أن هناك إيجابيات للاتفاق، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالأسئلة الكبيرة، ومنع تفكك أكبر للشرق الأوسط، فإنه لا يقدم شيئا”.
(عربي 21)