أحمد الغز :
اضطررت هذا الاسبوع ان اتابع بعض البرامج الإعلامية وذلك بعد طول انقطاع. وتوقفت عند تلك الرغبة العارمة في اعادة تجديد نظام الكراهية بين اللبنانيّين وذلك من اجل نسبة اعلى من المشاهدة، مما يوحي أنّ عموم اللبنانيين لا يتابعون سوى العنف اللفظي او العنف الاخلاقي او العنف الشخصي، وأنّ معظم اللبنانيين جماعات اجرامية حاقدة، وهذا ما جعلني أستحضر ذلك التاريخ الطويل من الكراهية بين اللبنانيين.
لا شك ان نظام الكراهية بين اللبنانيين تطور كثيرا ولم يعد من اختصاص جماعة او فئة بل أصبح ميزة لبنانية وثقافة وطنية عابرة للطوائف والمناطق والطبقات والأحزاب والاختصاصات والأجيال. وهناك ظواهر جديدة من الكراهية، اذ اصبح كل لبناني يكره نفسه وأولاده وأصدقاءه، بما يشبه ما حصل قبل ما يزيد على الأربعين عاما في ١٣نيسان ١٩٧٥ عندما أعلن كل لبناني انه عدو لكل لبناني، فقتل الاخ أخاه والجار جاره والصديق صديقه، وأصبحت البطولة قتل المزيد من الأهل والاصدقاء.
اللبناني يشعر بالخجل اذا تحدث عن الوفاء أو السعادة او الصدق او الاحترام، فكل تلك الموضوعات تجعله لبناني ضعيف وسخيف وجبان، لأن الشجاعة في لبنان هي في الغدر والحقد والتنكر، وايضاً في التسبب بالفرقة والانهيار، واللبناني القوي هو القادر على تجديد الكراهية بين عموم الناس. لذلك لم نسمع منذ زمن عن اي دعوة للمحبة والتآخي لانها ستكون مجرّد صرخة في وادٍ، في حين ان اهل الكراهية يجدون دائما احضانا طائفية ومالية دافئة وأسواقا داخلية واقليمية ودولية.
مجرد ان تتجرأ على فعل الكراهية في لبنان تنتقل فوراً من قائمة الجبناء الى قائمة الشجعان، وتصبح شخصية محترمة واسمك على كل شفة ولسان، وتصبح من نجوم الاعلام ويهابك الكبار والصغار، وتطاردك الاخبار والأسرار، وتصنع حولك الروايات والألغاز، مما يجعلك تندم على كل يوم كنت فيه مؤمنا بالمحبة والوفاق والتلاقي الوطني في لبنان. وكلما كانت كراهيتك فتاكة كلما ازداد شعورك بالامان، لان اهل الكراهية يعيشون كالأسماك يأكل الكبار منهم الصغار، مما يستدعي ان تكره اكثر كي تبقى على قيد الحياة في وطننا الحبيب لبنان.
نظام الكراهية في لبنان لديه تاريخ عريق ورجالات كبار في هذا المجال، أنتجوا مئات الآلاف من القتلى والمشردين ودمّروا المدن والقرى بكل ثقة وثبات، ولهم قداستهم ومكانتهم في الدولة والمجتمع على حد سواء، لانهم المثل الأعلى لأجيال الكراهية الصاعدة في لبنان، الذين ينتظرون بفارغ الصبر دورهم في تجديد الكراهية وتفكيك المجتمع وتدمير العمران او تعطيل المؤسسات، وذلك اضعف الإيمان، مع الانتصار لهذا القاتل او ذاك. اهل الكراهية في لبنان لا يشعرون بالخجل او العار.
غرّدت مع أصدقائي الافتراضيين هذا الاسبوع حول: «كيف يمكن ان نشعر بالسعادة في لبنان»، فكانت التعليقات سلبية وكأني اتحدث عن وهم من الاوهام. ثم سألت عن منسوب الصدق والاحترام في الحياة السياسية اللبنانية، فكانت التعليقات بشكل قاطع لا صدق ولا احترام ولا سعادة في لبنان. ومع اقتراب موسم الانتخابات النسبية والصوت التفضيلي بدأت تستيقظ غرائز التسلّط والانتقام والإلغاء وتجديد نظام الكراهية في لبنان.
ahmadghoz@hotmail.com