الخلاف بين قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط وقائد سرية قوى الامن الداخلي العقيد بلال الحجّار هو خلافٌ قديم، لكنه يتجدّد بين فترة وأخرى، ما يستدعي دوماً تشكيل غرفة طوارئ لمنع بقعة زيت «المشكلة» من التفشّي.
آخر فصول هذا الخلاف المزمن صدامٌ مباشر أمس بين عناصر تابعين لجهاز أمن المطار (الاستقصاء) وعناصر التفتيش في قوى الأمن الداخلي عند نقطة الحراسات الملاصقة لنقطة التفتيش، ما دفع العقيد الحجّار الى الطلب من عناصره إخلاء مواقعهم، حسب رواية «الجهاز»، واضطر عناصر «الاستقصاء» (عناصر من الجيش التابعين مباشرة لجهاز أمن المطار ورئيسهم العقيد علي نور الدين) مرغمين الى تسلّم مهمات تفتيش الحقائب والمسافرين.
رواية «جهاز أمن المطار» تقول إنّ الإشكال وقع حين اعترض عناصر من قوى الأمن بأمرة الحجّار على وجود بعض العسكريين من «الاستقصاء» بلباس مدني بالقرب منهم. هؤلاء كانوا في مهمة «متابعة» أمنية لأحد المطلوبين وقد عرّفوا عن أنفسهم بهذه الصفة حين سُئلوا عن سبب وجودهم، لكنّ عناصر «سرّية قوى الأمن» وجّهوا اليهم اتّهاماتٍ صريحة بمراقبتهم وتصويرهم. وفوراً تمّ التواصل مع الحجّار الذي طلب من عناصره إخلاء أماكنهم!
«فراغ» نقطة تفتيش الحقائب والمسافرين من عناصر قوى الامن دفع عناصر «الاستقصاء» التابعين للجيش الى سدّ الفراغ والقيام بالمهمة، لكن لاحقاً تمّ منعُ المسافرين من تجاوز نقاط التفتيش بسبب توقف آلة «المسح»!
مصادر «قوى الأمن» تؤكّد، في المقابل، أنّ عناصر «الاستقصاء» بقيادة نور الدين، وبطلب من العميد ضومط، تقصّدوا الوجود هناك، وذلك إثر الكتاب الذي وجّهه الحجّار قبل أيام الى ضومط طالباً منه منع عناصر «الجهاز» من تصوير عناصر «السرّية» أثناء قيامهم بواجباتهم عند نقاط التفتيش والحراسات، فكان الردّ أمس من خلال عمل إستفزازي قاد عناصر «الاستقصاء» الى طرد عسكريّي قوى الأمن من نقاط تمركزهم!
وتتساءل المصادر: «إذا عناصر «الاستقصاء» كانوا يرصدون، كما يقولون، «هدفاً» لدى وصوله من تركيا، أي عند نقطة الوصول، فكيف يمكن تفسير أنّ الإشكالَ حصل عند أبواب المغادرة»؟
في المقابل، تؤكد المصادر «أنّ مراقبة أهداف أمنية ليست من صلاحية «الاستقصاء»، بل من صلاحية قوى الأمن الداخلي والأمن العام والجمارك، فيما يقتصر عمل الجيش تحديداً في المطار على الحماية فقط من خلال «كتيبة المدافعة».
بعدها نشطت الوساطات على أعلى المستويات من رئيس الحكومة سعد الحريري الى وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قصد المطار وجال في أرجائه وصولاً الى الضباط الكبار. فصدرت بعدها الأوامر بانسحاب «الاستقصاء» وعودة عناصر قوى الأمن الى ممارسة مهماتهم ما أدّى الى اكتظاظٍ كبير بسبب التأخّر في دخول المسافرين الى منطقة المغادرة.
يُذكر أنّ الحجّار سبق أن وجّه كتاباً الى ضومط يشكو فيه قيام عناصر الجيش بتصوير العسكر التابعين لسرّية قوى الأمن أثناء قيامهم بواجباتهم. لكنّ أوساط جهاز أمن المطار تنفي تماماً هذا الواقع، مؤكدةً أنّ عناصر الجهاز يقومون، ضمن صلاحياتهم، بمهمات محض أمنية أحياناً ضمن إطار «المتابعة والمراقبة» لأهداف محدّدة.
توجُّه المشنوق الى المطار عكس أهمية الحادث وخطورته، معترِفاً بنحو غير مباشر بوجود «أزمة كيمياء» بين الضابطين حين قال: «إذا لم يكن هناك حدّ أدنى من التفاهم الشخصي فستحصل إشكالات، وحين يلتزم الجميع الأوامر لن تتكرّر الإشكالات».
يُذكر أنّ قيادة جهاز أمن المطار بكل أجهزتها تخضع لوزير الداخلية، لكن درج العرف على أن يكون على رأسها ضابط من الجيش.
واقع المطار بهيكليته الأمنية الحالية يجعل إشكالاتٍ من هذا النوع أمراً بديهياً ومتوقَّعاً. يُرصد نزاع الأجهزة الأمنية في عدد من المواقع والملفات لكن في مطار بيروت يتّخذ طابعاً أكثرَ حدّةً بسبب تعدّد مصادر الأمرة فيه.
فجهازُ أمن المطار يتألف من عدة أجهزة: أحدها يخضع لإدارة قيادة الجيش، وثانٍ يخضع لإدارة قيادة قوى الأمن، وثالث لإدارة الأمن العام، ورابع لإدارة الجمارك، ما يخلق حالة من التضارب وقلّة التنسيق، وسط مطالبات متكررة بتوحيد الأمرة في جهاز أمن المطار.
غيابُ الكيمياء بين ضومط والحجّار تحوّل «مسلسلاً مكسيكياً» داخل المطار. طوال سنوات التعايش القسري لم يتّخذ المسؤولون عن هذه الأجهزة خطواتٍ جدّية لسدّ هذه الثغرة الأساسية. فالتنازعُ على الصلاحيات بين الضابطين طُرح مرات عدة على طاولة المجلس الأعلى للدفاع قبل أن تصبح الحكومة حكومة تصريف أعمال. وقد كان يتمّ تناولُه من زاوية التهديدات الأمنية المحتمَلة التي قد يتعرّض لها مطار بيروت أسوة ببقية مطارات العالم المهدَّدة، أو تلك التي «أكلت» نصيبَها من الاختراقات الأمنية.
كثيرة هي الثغرات الأمنية في مطار بيروت، باعتراف المشنوق نفسه. يكفي ذكر «تسلّل» الطفل خالد الشبطي في أيلول 2016 الى حرم المطار وتجاوزه نقاط التفتيش كافة والتحاقه بالطائرة المتوجّهة الى اسطنبول. لكن أضيف الى الهمّ الأمني والفوضى ونقص السيولة لتطويره، همّ «الكيمياء» بين ضابطين فتحا اشتباكاً مباشراً بعنوان «الصلاحيات» داخل حرم المطار.
كان الرأيُ السائد على طاولة المجلس الأعلى للدفاع خلال اجتماعاته السابقة أنّ أمنَ المطار لا يتحمّل خلافات من هذا النوع، لذلك شهد أحد اجتماعاته توجيه إنذار الى الضابطين بضرورة معالجة الأمور فوراً تحت طائلة الإقالة الثنائية، مع تعهّدٍ صريح من جانب قائد الجيش بنقل ضومط من موقعه لكنّ هذا الأمر لم يحصل.
ضومط، المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، عُيّن رئيساً لجهاز أمن المطار في تشرين الثاني 2015، فيما يشغل الحجّار، المحسوب على تيار «المستقبل»، موقعَه كقائد سرّية أمن المطار في قوى الأمن الداخلي منذ آب 2005 بعد فصله الى الضابطة الإدارية والعدلية في المطار.
الخلافُ بين الرجلين وصل أحياناً الى حدّ المواجهة المباشرة. وقع ذلك العام الماضي حين قصد الحجّار مكتب ضومط معترضاً على منحه تراخيصَ إستثنائية لمدنيين للدخول الى «المنطقة المحظورة» في حرم المطار. التلاسن والكلام الكبير تحوّل مشروع مشكلة وتدافع تمّ حسمُه بطرد الحجّار من مكتب ضومط بواسطة عناصر الجيش. وموظفو المطار يتذكّرون جلياً إشكال «الباركينغ» بين الضابطين أمام صالة الشرف وقرار منع الدخول بالسيارات من أحد المداخل والذي اعتبره الحجّار موجّهاً ضده.
وحقيقة الأمر، وما يرفض كثيرون الاعتراف به، هو أنّ تضارب الصلاحيات لا يقتصر فقط على محور الجيش – قوى الأمن، بل إنّ وزاراتٍ عدّة تدخل على خط هذا المرفق الحيوي وهي وزارات الدفاع والداخلية والمال والأشغال العامة والنقل، ما يخلق وجهاً آخر من نزاع الصلاحيات أكثر تعقيداً!
لطالما ردّد الحجّار أنّ قائد جهاز أمن المطار «يصادر صلاحياته» متّهماً إياه بأنه «فاتح على حسابه»، فيما يرى ضومط أنّ الحجّار هو مَن يتجاوز الصلاحيات المسموحة له قانوناً، مؤكّداً أنّ جميع الأجهزة في المطار والأقسام تخضع لسلطة قائد جهاز أمن المطار. أما الاستفزاز والكيدية فتهمة يتبادلها الضابطان في إنتظام.
وكان المشنوق أكد بعد جولته في المطار واجتماعه بكل من ضومط والحجّار ورئيس دائرة الأمن العام في المطار أنّ «الإشكال انتهى وتمّ حلّه»، معتذراً من المسافرين، ومؤكّداً أنّ «المرسوم الذي يحدّد الصلاحيات في المطار، وبسبب طبيعة نصّه، هو الذي يفتح البابَ أمام الاجتهادات».
وفيما نفى المشنوق «أيَّ صلة بين ما جرى أمس وبين الإشكال السابق حول الطائرة الرئاسية»، أبلغ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الى المشنوق، تشكيل لجنة تحقيق عسكرية لإجراء المقتضى، بالتنسيق مع وزير الداخلية.
يذكر أنّ المرسوم 1540 (المادة 5) والمرسوم 5137 (المادتان 7 و15) والمرسوم 1157 (المادة 128) تحدّد في وضوح مهمات كل من جهاز أمن المطار (تخضع له كافة الأجهزة الأمنية) إضافة الى مهمات سرّية مطار بيروت.