لفتت صحيفة “الجمهورية” على أن ما أحاط قرار مجلس الوزراء في جلسة 21 حزيران 2017 بإحالة ملف مناقصة البواخر الى إدارة المناقصات من التباسات وعلامات استفهام، لجهة تحريف مضمونه يتفاعل داخليًا. ووصلَ الحَدّ ببعض القوى الى حدّ الحديث عن وجود تزوير للقرار. فما الذي جرى؟
صيغتان… قراران!
في تلك الجلسة أقرّ المجلس، وبعد مناقشات وزارية، إحالة ملف البواخر الى دائرة المناقصات وفق صيغة نَصّت حرفياً على: “إحالة كامل الملف المتعلق باستقدام معامل توليد الكهرباء الى إدارة المناقصات لفَضّ العروض المالية وإعداد تقرير كامل عن استدراج العروض، وإحالته الى الوزير لإعداد تقرير مفصّل ورَفعه الى مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن”.
الّا انّ الصيغة التي خرج فيها القرار وأحيل بموجبها الملف الى ادارة المناقصات جاءت مغايرة للقرار الاصلي، فنصّت على: “إحالة كامل الملف ( ) … (مع ترك هذين الهلالين فارغين من دون أي محتوى بينهما) الى إدارة المناقصات لفَض العروض المالية وإعداد تقرير كامل عن استدراج العروض المالية المتعلقة باستقدام توليد الكهرباء العائمة وإحالته الى الوزير المختصّ تمهيداً لإعداد تقرير مفصّل ورَفعه الى مجلس الوزراء لِبَتّه بأسرع ما يمكن”.
للوهلة الاولى قد يبدو الأمر يقتصر على تعديلات شكلية في الصياغة، الّا انّ التعمّق في الصيغتين السالفتي الذكر يبيّن اختلافاً جوهرياً لا يتفق مع النقاشات الوزارية التي انتهت الى إحالة القانون بصيغته الاولى.
وهذا ما تؤكده الملاحظات التي وضعت في أيدي مراجع كبيرة وسياسيين، الذي تعدت توصيفاتهم لِما جرى من تزوير، الى تحوير، الى تعديل، تصحيح. خصوصاً انّ تلك الملاحظات بَيّنت فروقات جوهرية بين النصين. بحيث:
– أضيفت في النص الثاني كلمة “المالية” التي لم تكن واردة في النص الاول، الى استدراج العروض”، لتصبح “استدراج العروض المالية”، فيما ليس هناك في النصوص وجود لـ”استدراج العروض المالية”.
– حذفت عبارة “المتعلّق باستقدام معامل توليد الكهرباء”، من امام عبارة “كامل الملف”، ليخلو الملف المقصود من التعريف، ونقلت العبارة المحذوفة لتَرِد بعد عبارة “إستدراج العروض” التي أضيفت اليها كلمة “المالية”، ليبدو وكأنّ موافقة مجلس الوزراء كانت تتعلق بالعروض المالية حصراً من دون الملفين الاداري والتقني.
– أضيفت عبارة “المختص تمهيداً” الى كلمة الوزير، ليبدو وكأنّ المجلس اعتبر الوزير هو صاحب الصلاحية في إجراء ما تمّ تنفيذه من إجراءات، وانّ ما هو مطلوب من إدارة المناقصات ليس وضع تقرير كامل وشامل ومستقلّ يتضمّن ملاحظاتها وتوفّر لمجلس الوزراء صورة واضحة حول إجراءات المرحلتين الادارية والتقنية التي كانت موضع ملاحظات وتشكيك بسلامتها، بما يسمح للمجلس باتخاذ القرار المناسب في ضوء النتائج التي سيتضمّنها تقرير إدارة المناقصات.
– أدخلت عبارة “للبَت به” ضمن عبارة “ورفعه الى مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن”، ليبدو وكأنّ الموافقة هي على التسريع بالبَت، وليس التسريع برفع التقرير.
تبيّن تلك الملاحظات “انّ نص الاحالة الى إدارة المناقصات (الصيغة المحوّرة للصيغة الاولى)، غَيّر مضمون ما تمّت الموافقة عليه في مجلس الوزراء، لحَصر دور إدارة المناقصات بفضّ العروض المالية فقط، من دون التعليق على المرحلتين الادارية والفنية السابقة لفَض العروض المالية، ويلغي الغاية الاساسية من تقرير ادارة المناقصات بنتيجة مراجعتها للمرحلتين الادارية والمالية وما يمكن ان يترتّب عنها من ملاحظات حول دفتر شروط المناقصة واجراءاتها، والتي يمكن ان تكون الشركة الاستشارية غَضّت النظر عنها، لا سيما بالنسبة الى دفتر الشروط الذي أجريت على أساسه، والشوائب والاخطاء التي يمكن أن تعتريه”.
تصحيح… لا تصحيح!
تلك الفروقات أثارت التباساً كبيراً وتشكيكاً، الأمر الذي فرضَ ان يُعيد أمين عام مجلس الوزراء تصحيح القرار إنما بشكل جزئي، وأُبلغ الى الوزراء في الجلسة السابقة للمجلس، حيث شُطبت كلمة “المالية”، وأصبح النص: “إعداد تقرير كامل عن استدراج العروض المتعلقة باستقدام معامل توليد الكهرباء العائمة” بدلاً من “إعداد تقرير كامل عن استدراج العروض المالية باستقدام معامل توليد الكهرباء العامة”… والباقي من دون تعديل”.
والسؤال: لماذا اكتفي بهذا التصحيح بهذه النقطة فقط، وتُركت الامور الاخرى؟ ومن هو المسؤول الذي زوّر أو عدّل، او حرّف او حوّر قرار مجلس الوزراء؟ هل هو “راجح”؟ ولماذا مرّ الأمر مرور الكرام؟ ولماذا لم يُساءَل أحد، او يُحاسب؟ ولماذا تم القبول بالتصحيح الجزئي للقرار؟ ومن يضمن الّا يتكرر مثل هذا الامر في الآتي من الايام؟
ديوان المحاسبة
وتفيد تلك الملاحظات ايضا بأنّ وزير الطاقة عرض اخيراً على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة، مشروع عقد اتفاق بالتراضي مع الاستشاري “POYRY”، لتقييم العروض التي استلمتها وزارة الطاقة والمياه بشأن استئجار الطاقة من البواخر، فيما يتبيّن من قرار مجلس الوزراء رقم 64 تاريخ 21 حزيران 2016 انّ الوزارة أفادت بأنه سبق لهذا الاستشاري أن نفّذ مهمته وأنهى تقريره العائد لفَضّ العروض الادارية والتقنية، وبات من الضروري الانتقال الى فض العروض المالية العائدة للشركات المؤهّلة.
ونَصّ قرار ديوان المحاسبة في 29 حزيران 2017 حول “مشروع عقد اتفاق رضائي لتقديم خدمات استشارية متعلقة بتقييم عروض لاستئجار طاقة من باخرتين تتراوح بين 800 و1000 ميغاوات وربطهما بمعملي دير عمار والزهراني” على: “انّ ديوان المحاسبة، وبعد التدقيق في ملف القضية، يقرر إعلان عدم صلاحية ديوان المحاسبة للنظر بالمعاملة المعروضة، لوضع المعاملة موضع التنفيذ قبل عرضها على رقابة ديوان المحاسبة المسبقة”.
(الجمهورية)