فعقّب النائب «صاحب السر»، قائلاً: «انا لا أقول لك، لا تحليلاً ولا تكهنات، أنا أبلّغك معلومات موثوقة».
وتابع، وسط اندهاش زميله: «الخبر مؤكّد، لقد سمعته شخصياً من «فخامة الرئيس»، الذي أبلغني ذلك، وأكد لي بشكل واضح وصريح ان الأمور «رَح تمشي» بعد القمة، وقال بكثير من الاستياء إنه لم يعد قادراً على تحمّل هذا الوضع».
وكشف النائب نفسه انّ تعليمات رئاسية وُجِّهت الى كل الفريق المحيط برئيس الجمهورية المعني مباشرة بالملف الحكومي، بالعمل حثيثاً على إنهاء هذا الملف بسرعة. وقال لزميله: «أنا متأكد من كل كلمة أقولها، وفي أي حال راقِب حركة «جبران» بعد القمة».
وبالفعل انتهت القمة، وصحّ ما قاله النائب المذكور؛ تحرّكَ جبران باسيل سريعاً نحو بيت الوسط، قدّم «عرضاً ايجابياً» للرئيس المكلف سعد الحريري، الذي سارَع لنقل «بُشرى الحل» الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، مُعطياً لنفسه أسبوعاً لإنضاجه. لينتقل بعدها الى المشاورات الباريسية التي أنضجت ثلاثة ارباع الطبخة، ليعود ويستكمل إنضاج الربع الاخير، الذي توّج بإعلان الحكومة في السابعة والربع مساء يوم أمس.
المهم، تألّفت الحكومة وقضي الأمر، بعد 251 يوماً من الانتظار والمماطلة والتعطيل، وثمّة محطات كبرى ومنعطفات متعددة تنتظرها. ولكنها بالصورة التي خرجت فيها، يبدو انّ ميزان الربح والخسارة مالَ على عكس ما اشتهى «الطبّاخون»، الذين شَدّوا بدفة الميزان طيلة فترة التعطيل لتميل لمصلحتهم. فماذا أظهر هذا الميزان:
– ربح «الثنائي الشيعي» في فرض تَوزير وزير من «8 آذار». تحت عنوان «اللقاء التشاوري»، على نحو كَرّسه امراً واقعاً. ولو كان مُجمّعاً من 3 كتل نيابية ممثلة أصلاً في الحكومة.
– تراجعت حصة تيار «المستقبل» مع الحلفاء من 8 وزراء في الحكومة السابقة، او 7 وزراء بعد انضمام الوزير ميشال فرعون الى كتلة «القوات اللبنانية»، الى 6. الّا انّ الرئيس المكلف سعد الحريري ربح معركة الحفاظ على حجم تمثيله السني مع الحلفاء في الحكومة، بحيث لم يأتِ تمثيل اللقاء التشاوري من حساب تيار «المستقبل» او على حسابه.
– ربحت «القوات اللبنانية» حصة وزارية رباعية فعلية، بزيادة وزير عن حصتها الثلاثية في الحكومة السابقة، والتي أصبحت رباعية بعد انضمام فرعون اليها عشيّة الانتخابات النيابية، عكست من خلالها حجمها النيابي الذي تقدّم في الانتخابات النيابية وفرضَت من خلالها نفسها شريكاً أساسياً في الشارع المسيحي.
– ربح تيار «المردة» بحفاظه على حقيبة الأشغال، وفشلت – بدعم الحلفاء – كل المحاولات التي لم يخفِها الوزير باسيل لانتزاع هذه الحقيبة من «المردة» وتطيير وزيرها الحالي يوسف فنيانوس.
– ربح «حزب الله» بتشكيل حكومة يعتبرها «صديقة» له، وزاد فيها حضوره الوزاري من وزيرين في الحكومات السابقة الى 3 وزراء في الحكومة الحالية، يعكس من خلالهم ربحه في الانتخابات النيابية، مع تَولّيه لأول مرّة في تاريخ مشاركته في الحكومات، حقيبة أساسية هي الصحة، والتي شهدت في فترة التأليف محاولات من الداخل والخارج لانتزاعها منه.
– ربح الرئيس نبيه بري في الحفاظ على حضوره شريكاً أساسياً في الحكومة، بحصّة وزارية ثلاثية دَسمة، يمسك من خلالها بما تسمّى «أم الوزارات» اي وزارة المال. مع العلم انّ محاولات حثيثة جرت في أوقات معيّنة لانتزاع هذه الوزارة منه، بالتوازي مع محاولات مماثلة لوضع «فيتو» على اسم وزيرها الثابت لدى رئيس المجلس أي الوزير علي حسن خليل.
– ربح طلال ارسلان تمثيله بوزير في الحكومة، بطريقة مشابهة الى حد بعيد للطريقة التي تمّ فيها تمثيل «اللقاء التشاوري»، بدعم مباشر من حلفه الجديد المتمثّل برئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر»، هذا الحلف الذي نجح في كسر أحادية التمثيل الدرزي في الحكومة التي سعى اليها وليد جنبلاط.
– ربح تكتل «لبنان القوي» مع رئيس الجمهورية، الحصة الوزارية الاكبر في الحكومة. عددياً: 6 وزراء لـ«لبنان القوي» و5 وزراء لرئيس الجمهورية. نظرياً: يظهر احتساب الحصتين انّ هذا الفريق حصل على 11 وزيراً اي ما يسمّى «الثلث المعطّل».
ولكن واقعياً، لم يربح هذا الفريق معركة «الثلث المعطّل»، وحصل فقط على 10 وزراء أي على ثلث الحكومة. على اعتبار انّ وزير «التشاوري» لا يحتسب من ضمن حصة الـ11، ذلك انّ المخرج الذي انتهى الى تمثيل «اللقاء»، جاء بصورة عكسية للمخرج الذي طرح بتوزير جواد عدرا، والذي قضى آنذاك بأن يدخل عدرا الى الحكومة على جسر اللقاء، ويعتبر عضواً اصيلاً مُشاركاً ومُصوّتاً مع فريق «لبنان القوي»، وهو ما سَوّق له الوزير باسيل، فيما المخرج الحالي قال بدخول ممثل «التشاوري» على جسره، ممثلاً حصرياً له في الحكومة، و«ضيفاً» في الحصة الرئاسية، وايضاً في اجتماعات تكتل «لبنان القوي»، وأمّا تصويته في مجلس الوزراء فيتم وفقاً لما يقرّره «اللقاء». وهذا ما سيتم التأكيد عليه في بيان سيصدره «اللقاء التشاوري»، بعد اجتماع قريب يعقده في حضور وزيره حسن مراد.
على انه ما بين الرابح والخاسر، هناك خاسران اساسيان، الأول هو البلد بشكل عام، الذي تعطّل وأصابه الشلل الفظيع طيلة أشهر التعطيل، ولحقت به أضرار تتطلب معالجتها ولملمة آثارها، ربما أكثر من ضعفي أو ثلاثة او أربعة أضعاف فترة التعطيل.
امّا الخاسر الثاني، فهو العهد الذي أصابته شظايا التعطيل في صميم معنوياته. وطال انتظاره لسنتين وشهر للوصول الى ما يسمّيها «حكومته». أمّا وقد تشكّلت الحكومة، فهل سيعلن رئيس الجمهورية أبوّته لها ويعتبرها «حكومة العهد»؟ بالتأكيد انّ الجواب في الآتي من الايام.