لا نصدق أن أهل الحكم يهرولون للعودة إلى صيغة الدولة البوليسية، والتعاطي مع مواطنيها، وخاصة شباب الانتفاضة، بأساليب أمنية بالية، أثبتت فشلها في لبنان سابقاً، وفي العديد من البلدان التي تحكمت بها القبضة الأمنية، القريب منها والبعيد.
لا نصدق أن مجلس الدفاع الأعلى انعقد للبحث في خطط التصدي للتظاهرات والاعتصامات، التي دعا إليها شباب الحراك يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، بالتزامن مع انعقاد مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري.
لا نصدق أن أهل الحكم أعطوا الأولوية المطلقة لإحباط حراك الشباب الغاضب على أهل الفساد والسلطة الفاسدة، على كل مواقع التدهور الاقتصادي والنقدي والمعيشي، وحالات الإحباط واليأس المهيمنة على الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين اكتشفوا فجأة، أن أموالهم ومدخراتهم قد ضاعت في خفايا المصارف، ووعود البنك المركزي.
أهل الحكم يعتبرون، بمنطق أعوج، أن هيبة الدولة متوقفة على تأمين طرقات النواب والوزراء إلى جلسة الثقة، وليس في هذا العجز الفادح في تأمين حقوق المودعين في المصارف، ولا في إبقاء البلد بلا كهرباء منذ أكثر من عشرين عاماً، رغم هدر أربعين مليار دولار، وعدم تعيين مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء، التي تسير برعاية المحاصصات الفاسدة، وتحوّلت إلى رهينة للمتسلطين من أهل الحكم على مقدرات صفقات الكهرباء بكل تفاصيلها، من معامل توليد الطاقة إلى الفيول وصولا إلى البواخر التركية، التي تحوّلت بقدرة قادر إلى مناجم فساد، مشبعة بالملايين من الدولارات.
وهل يُعقل أن ينعقد مجلس الدفاع الأعلى لوضع خطط التصدي للشباب في الشارع، ويتجاهل تصرفات أصحاب المصارف، وتعدياتهم الموصوفة على المواطنين الغلابى، الذين تحولوا إلى ما يشبه المتسولين على أبواب المصارف، ولا أحد من أهل السلطة يسأل عن الإجراءات الجائرة التي تتخذها جمعية المصارف بشكل استنسابي، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح البلاد والعباد.
صدق من قال أن اللبنانيين في الشارع… وحكامهم في كوكب آخر!