جاء في صحيفة نداء الوطن-
من المفارقات الصادمة أنّ من يحكم ويتحكم بالدولة، يسأل عند كل أزمة سياسية، أو استحقاق داخلي أو خارجي، أين الدولة؟ كالأب الذي يحمّل الابن مسؤولية إنجابه! بحيث يقع الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة أو السلطة.
فوجود هؤلاء في الحكومة ومفهوم الدولة، يبدوان كمن يسير ضمن خطين متوازيين لا يلتقيان إلا من خلال مفهومهم الخاص عن الدولة، انطلاقاً من اصرارهم على تحميلها المسؤولية الدائمة عن كل الإشكالات السياسية والدستورية العالقة، متجاوزين التعريف الأبسط للدولة الذي استقر عليه الفكر السياسي والاجتماعي العالمي.
فالدولة، كما بات معلوماً، كيان سياسي يحمل صفة الضرورة البشرية، وتعبّر عنه حكومة تملك شرعية إدارة المؤسسات واحتكار القوة على إقليم جغرافي معين، بحيث تكون قادرة على فرض حماية النظام العام والمحافظة على الاستقرار، والتعبير عن السيادة في علاقاتها الدولية.
إذاً، إنّ الدولة ليست شخصاً طبيعياً، بل هي شخص معنوي متفوق، يعترف بالهيئات الأخرى، ويمنحها شخصيتها الاعتبارية وفعالية حضورها في خضم الحكم والإدارة. الدولة تفصحُ عن نفسها من خلال الدستور الذي يعبّر، بطبيعة الحال، عن عقدها الاجتماعي المتوافق عليه من قبل نسيجها الاجتماعي بمعناه الواسع.
مدعاة هذه المقدمة موقف «حزب الله» من مسألة تجديد مهمة «اليونيفيل»، والجدل الذي رافقها حيال ضرورة تعديل نص القرار الذي يعطي قوات الطوارئ الحق بالقيام بدورياتها بصورة مستقلة، المعلنة منها وغير المعلن، من دون مرافقة الجيش اللبناني.
فقد حاولت الحكومة اللبنانية عبر وزير خارجيتها عبدالله بو حبيب تعديل نص القرار السابق الصادر في العام 2022، الذي أقر في مجلس الأمن بالاجماع ومن دون انتباه من المسؤولين، الذين كانوا مشغولين في تمرير ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل إرضاءً للرئيس ميشال عون كإنجاز يسجل له قبل نهاية ولايته.
وقد بدأ تخبط الحكومة في هذا الشأن عبر تحميل مندوبة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة أمل مدللي، مسؤولية صدور القرار الذي سمح بحرية تنقّل قوات الطوارئ دون إذن مسبق، الأمر الذي رفضته المندوبة السابقة معتبرة أنه لا يمكن لأحد أن يصدق أنه يمكن لسفير بمفرده أن يفاوض مجلس الأمن من دون تعليمات مسبقة ومفصلة ودقيقة من دولته.
«حزب الله» كعادته، وبالرغم من تواجده في الحكومة التي تضم «خيرة» حلفائه، يهرب إلى الأمام بتنصله من تحمل المسؤولية السياسية تطبيقاً لمبدأ التضامن الوزاري، فعبر وسائل اعلامه والناطقين بإسمه قد حمّل الدولة مسؤولية إعادة التجديد لعمل «اليونيفيل» من دون تعديل في مضمون القرار السابق (2650). وقد كانت ذروة التنصل من المسؤولية اعتبار القرار الجديد وكأنه حبر على ورق!
هذا الموقف فيه تجاوز للدستور الذي ينصّ في الفقرة الأولى من المادة 65 على أنّ مجلس الوزراء مسؤول عن وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات. والمفاوضة مع الأمم المتحدة جزء من السياسات العامة بشقها الخارجي، وقد زادت مسؤولية هذه الحكومة بعدما أنيطت بها صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بفعل الشغور الرئاسي استناداً إلى نص المادة 62 من الدستور.
والتذرع بمبدأ السيادة، لرفض ذلك القرار، لا يلغي حقيقة أنه ملزم، خصوصاً في القضايا التي تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، أو بالقانون الدولي بالمعنى الأوسع لمقاصد الأمم المتحدة، حيث أنّ اختصاص تلك المنظمة الدولية يشمل ما يقرره القانون الدولي من قضايا دولية حتى ولو كانت تدخل في صميم الاختصاص الداخلي للدول. فكل معاهدة دولية تجريها الدولة حتى لو كانت متعلقة بمسائل داخلية تخرج من نطاق السيادة الداخلية الى نطاق القانون الدولي والزاماته.
والدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ التزاماتها بحسن نية كما نصت عليه المادة الثانية من الميثاق «لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق».
أمّا في ما يتعلق بمبدأ السيادة بمعناه «الويستفالي» قد تبدل في مضمونه، وفرضت عليه الكثير من التطورات التاريخية تغييرات جذرية، خصوصاً بعد قيام منظمة الأمم المتحدة التي اقرت في ميثاقها المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، انما هناك الكثير من المسائل كمبدأ التدخل الإنساني، أو حق تقرير المصير وقضايا حقوق الانسان، كلها شكلت الاستثناء الأبرز على سيادة الدول عبر الميثاق نفسه.
المصدر:نداء الوطن