كلما اقترب موعد السادس من أيّار، عيد الشهداء، وموعد اجراء أوّل انتخابات نيابية في لبنان، وفقاً «لقانون عصري» على حدّ تعبير الرئيس ميشال عون، هو النظام النسبي، كلما تشعر لوائح السلطة بأن الأرض تميد تحتها، شعبياً واحصائياً، فتحرك «فريق العمل» إلى الأرض، وتستحضر الاشكاليات، فيما وسائطها الإعلامية، تتهم الخصوم في المدن والدوائر الكبرى ابان عهد الوصاية، أو العلاقة مع نظام الأسد (الرئيس بشار الاسد) الذي أعلن الاليزيه انه بدأ إجراءات لسحب وسام الشرف الفرنسي منه..
كل ذلك، فيما تتحوّل زيارة وزير الخارجية جبران باسيل للجنوب إلى محطة لتحريك المواجهة السياسية بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر، حيث توعد رومل صابر نائب رئيس التيار بالتصعيد إذا أرادوا ذلك، ووصف النائب أنور الخليل زيارة باسيل «بالمشؤومة»، واصفاً من قام بها بالوزير «الحاقد المحرّض»، بالتزامن مع زيارة، خرقت الجمود السياسي، قام بها وزير العدل سليم جريصاتي إلى مصيلح ليؤكد من هناك ان «الرئيس نبيه برّي ضمان ضروري لاستقرار التسوية الكبرى في البلد التي ترتكز على الاستقرار السياسي والأمني..
وفي التفاصيل، تولى الإعلام العوني، شن حملة على النائب المرشح في المتن عن المقعد الارثوذكسي ورئيس لائحة منافسة من دون ان يسميه بأنه بنى «مجده على أصوات المجنسين وهو يحذر من التوطين».
ولم يسلم النائب بطرس حرب من الحملة أيضاً، الذي وصف بأنه «تنقل من تحالف إلى تحالف مضاد»، وكذلك النائب فريد الخازن في كسروان، والنائب ميشال فرعون في بيروت.
في بيروت، تتكرر الإشكالات، والأخطر ما يجري من محاولات لقلب الحقائق. يُهاجم مكتب انتخابي للائحة «بيروت الوطن» في منطقة كراكاس، وتصبح القصة ان أنصار المرشح نبيل بدر ضربوا المواطن أحمد خالد..
يستفيض بدر برواية ما حصل «لم نتهجم على خالد، بل هو من حاول الدخول عنوة إلى المكتب بمرافقة أكثر من 10 شبان، وهم يتفوهون بالكلمات النابية، وبعد لحظات وصل العدد إلى مئة شاب معروفون بانتمائهم إلى تيّار المستقبل، وقاموا بإعتداء «بطريقة مدروسة» داعياً القضاء للتدخل وكذلك رئيس الجمهورية.
وما حدث في كراكاس، حيث يقع المكتب الانتخابي للائحة «بيروت الوطن» خلف انطباعاً بوجود «تحيز أعمى» لهذه السلطة على حدّ تعبير رئيس اللائحة الزميل صلاح سلام، الذي اتهم السلطة الحاكمة بتغطية المرتكبين في الحادث، بهدف إثارة الذعر لدى العائلات البيروتية، في إطار محاولتها مصادرة الرأي الآخر الذي هو أساس اللعبة الديمقراطية.
واوضحت اللائحة في بيان، ان «الاعتداء الذي تعرض له مكتبها في محلة كراكاس جاء من قبل من وصفتهم «بـ«عناصر شغب»، قذفت أبواب المكتب ونوافذه بالحجارة على مرأى من قوى الأمن التي حضرت إلى المنطقة، واوقفت عدداً من مناصري اللائحة، من دون توقيف أحد من الجهة المعتدية، بحسب ما قال المرشح على اللائحة بدر».
ورأى البيان ان «سلسلة التعديات التي تحصل خلال الحملة الانتخابية من برجا إلى عفيف الطيبي وحي العرب في الطريق الجديدة وكراكاس تُشير إلى قرار لدى تيّار «المستقبل» بترهيب أعضاء اللائحة ومؤيديها وثنيهم عن الاستمرار في هذه المعركة الديمقراطية، مهيباً بالسلطة ووزير الداخلية تحديداً ان يفصل بين دوره كوزير للداخلية وكونه مرشحاً للانتخابات في نفس الوقت».
وتعقد لائحة «بيروت الوطن» مؤتمراً صحفياً ظهر اليوم في مقر اللائحة في كراكاس لشرح تفاصيل موقفها من الحادث.
اما تيّار «المستقبل» فقد وصف في بيانه ما اوردته بعض وسائل الإعلام من رواية للحادث بأنه من باب التحايل على مناصري التيار، واتهم مرشح لائحة «بيروت الوطن» نبيل بدر «بقلب الحقائق».
ولفت إلى ان الاشكال حصل مع عضو المجلس البلدي السابق أحمد مختار خالد الذي سبق له تأجير إحدى الشقق في البناء الخاص به في كراكاس من أحد الأشخاص لاستخدامه كمكتب هندسي، فإذا به يبدل من وظيفة الشقة ويحولها إلى مكتب انتخابي رفعت فيه صور المرشح بدر.
وأشار إلى ان خالد حضر إلى بنايته للاحتجاج على تحويل شقته إلى مكتب انتخابي، ومخالفة شروط عقد الايجار، لكن سائق بدر ومن معه هجموا على خالد ورموه ارضاً، الأمر الذي اثار جلبة في المكان دفعت بشباب المحلة إلى نصرة خالد، قبل ان تحضر القوى الأمنية وتضع يدها على الموضوع.
لكن المرشح بدر، نفى في بيان له، ان يكون خالد هو مالك العقار المذكور، وان لا صفة تأجيرية له، وان عقد الايجار يُشير إلى إمكان استخدام المكتب في أي عمل تجاري أو اجتماعي، ولا صحة ان المكتب استؤجر قبل ثلاثة أشهر على أساس انه مكتب هندسي، وأكّد ان الحادث حضر بطريقة مدروسة.
وتوقفت الأوساط البيروتية عند الإشكالات المتكررة، لا سيما التعرّض للائحة «بيروت الوطن» التي تلتزم الخطاب السياسي المعتدل، والمنسجم مع مزاج أهالي العاصمة، والجمهور البيروتي، الذي يُبدي تجاوباً مع طروحات اللائحة ورئيسها، لمعالجة وجع العاصمة وسكانها، لا سيما في ضوء التجاذب حول المعالجات.
وقالت الأوساط ان الاقتراح الذي قدمه رئيس اللائحة سلام حول اعتماد «الحل المصري» لازمة الكهرباء والذي من شأنها ان يُعيد الكهرباء إلى بيروت 24/24 لاقى صدى طيباً لدى المواطن المرهق «بالفاتورتين» الرسمية (الكهرباء) والمولدات والاشتراكات الخاصة.
ولاحظت هذه الأوساط ان ازلام السلطة وماكيناتها الانتخابية تتمادى في ممارسات لاديمقراطية، لفرض «احادية الرأي» واحادية الترشيح، تمهيداً لاحادية الانتخاب تماما كما كان يحصل من ممارسات مرفوضة في زمن الوصاية، وحقبة فرض المرشحين وانتخابهم قبل انتخابات 2005.
طرابلس: عنف متبادل
وفي طرابلس، سجل احتدام عنيف للحملة الانتخابية، على اثر وصف النائب محمّد الصفدي للائحة الرئيس نجيب ميقاتي «بلائحة الشيطان»، وهو الوصف الذي ردّ عليه مطولا مرشّح لائحة العزم في المدينة توفيق سلطان، الذي اعتبر ان الصفدي يتوسل لغة يقدم أوراق اعتماد لا تخدمه ولا تخدم أهل طرابلس.
ونبش سلطان في مؤتمر صحفي عقده لهذه الغاية، ملفات كثيرة في تاريخ الصفدي السياسي منذ شكل «التكتل الطرابلسي؛ إلى عمله كوزير للاشغال ثم وزير المال، وقال انه تنقل من موقع إلى آخر طمعا بالوصول إلى رئاسة الحكومة، وموضحا ان رده (أي سلطان) يأتي من كونه انه لا يريد ان يكون شيطان اخرس بوجود الشياطيين التي تحاول ان تشوه مستوى طرابلس، وانه متأكد ان كلام الصفدي لا يخدم الجهة السياسية التي يدعي انه يخدمها، ولا توافق عليه.
وليلا نفى مكتب النائب سمير الجسر ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من ان مجموعة تعود له وللنائب الصفدي قامت بجولة السبق في منطقة القبة، ودعت المواطنين إلى إعطاء اصواتهم التفضيلية إلى الجسر بدلا من النائب محمد كبارة مقابل مبالغ مالية، وأكّد ان لا صحة لهذه المعلومات وهي بعيدة عن اخلاقه، وان العلاقة بينه وبين الوزير كبارة اعمق واقوى من ان تطالها سهام من يحاول زرع الشقاق بينهما.
كباش «امل»- التيار
في هذه الاثناء، انتقل الكباش السياسي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر الى الجنوب بعد الزيارة التي قام بها الوزير جبران باسيل الى عدد من القرى الجنوبية والتي اعتبرتها مصادر مقربة من حركة أمل بأنها استفزازية.
ولفتت المصادر إلى أن أي تنسيق في شأن زيارة باسيل إلى النبطية لم يسجل لا مع فاعلياتها لا سيما منهم المفتي الشيخ عبد الحسين صادق او حزب الله، ما يعني انها جاءت تحدياً لمشاعر ابناء المدينة، في حين زار نائبا الحركة أيوب حميد وعلي بزي بلدة رميش تأكيدا على وحدة الصف مع أهلها، بعد خطاب باسيل في جولته وانتقاد الرئيس نبيه برّي اداء الخارجية في شكل غير مباشر في رسالته إلى المغتربين.
وفيما لوحظ ان عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم وصف باسيل بـ «وزير الفتنة»، كانت لافتة للانتباه زيارة وزير العدل سليم جريصاتي للرئيس برّي في المصيلح، بطلب منه، بحسب ما أوضح، وسط هذا الكباش بين الطرفين، كما كانت لافتة كلام جريصاتي بحق برّي معتبرا اياه بأنه «الضمانة الضرورية اللازمة لاستقرار التسوية الكبرى في البلد التي ترتكز على الاستقرار السياسي والأمني اولا وعلى التفاهم العام بالرغم من بعض التجاذبات في معركة الاستحقاق الانتخابي». ونقل جريصاتي عن برّي اشادته بخطاب الرئيس عون في القمة العربية، معتبرا اياه «نوعيا» ويخرج عن المألوف».
ولم تستبعد مصادر مطلعة ان تكون زيارة جريصاتي مساهمة منه في تهدئة الأجواء بين الرئيس برّي وباسيل، لكنها لفتت إلى ان الغاية الرئيسية منها، كان الوقوف على رأي رئيس المجلس من مسألة الشغور الحاصلة في المجلس العسكري، بعد إحالة اللواء محسن فنيش على التقاعد كمدير للادارة في الجيش.
وكشفت المصادر ان وزير العدل أبلغ الرئيس برّي ان الوزير باسيل لا يمانع في ان يحل اللواء مالك شمص محل فنيش لملء المقعد الشيعي الشاغر، مقابل موافقة برّي على تعيين موظف رفيع في المالية. ولم يعرف موقف رئيس المجلس من الصفقة المطروحة.
لقاء عون- الملك سلمان
وفيما يعقد الرئيس سعد الحريري ظهر اليوم مأدبة غداء تكريمية في «بيت الوسط» على شرف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والمفتيين ورجال الدين المسلمين، بعد عودته أمس من السعودية، حيث شارك رئيس الجمهورية ميشال عون في أعمال القمة العربية في الظهران، وهي القمة التي حقق فيها لبنان ما أراده من القمة، وهو الحصول على ورقة التضامن معه بعناوين اقتصادية وسياسية جامعة.
وأشارت مصادر وزارية شاركت في الوفد اللبناني الى القمة لـ «اللواء» إلى ان ما سمعته من أجواء إيجابية يؤشر إلى تطورات سعودية بارزة تجاه الملف اللبناني، وهو ما كشفه ايضا الرئيس عون في ورشة مع الصحافيين في الطائرة التي اقلته في العودة إلى بيروت حين وصف لقاءه بالملك سلمان بن عبد العزيز بأنه كان ممتازا ومثمرا، متحدثا عن محبة عميقة يكنها الملك للبنان، وانه أكّد ووقوف بلاده إلى جانب لبنان ودعمه في كل ما يتصل بمسيرة النهوض التي بدأتها الحكومة، كاشفا ان الخليجيين سيعودون هذا الصيف إلى لبنان.
وسجلت المصادر الوزارية التي رافقت الرئيس عون إلى القمة ارتياحها للمشاركة اللبنانية خصوصا أن الالتزام كان واضحا بسياسة النأي بالنفس، فلبنان ليس بوارد العودة عما التزم به، وكان الأساس في ترطيب الأجواء مع المملكة أن لم يكن سببا في عودة الحرارة بين البلدين.
وختمت المصادر بالتأكيد أن الأجواء ميالة إلى الإيجابية لكن من المهم أن تميل الأجواء الداخلية الى تحسن.
وكان الرئيس عون قد أبدى ارتياحه للوضع العام في البلاد على الرغم من بعض الصعوبات لأن الأمن والاستقرار تحققا، وهذا أمر مهم في منطقة تغلي.
وأكد الرئيس عون انه لن يوقع على أي عفو عام لمن هم متورطون في قتل عسكريين، مع اشارته إلى حق الرئيس في التوقيع على قانون العفو الخاص. وكشف أن ملف الكهرباء سيحل متوقفا عند عرقلته سياسيا، وقال: «انه سيكون ككرجة مي».
تجدر الاشارة الى ان الرئيس عون ألغى سفره أمس الى قطر للمشاركة في حفل افتتاح المكتبة الوطنية بسبب التطورات، كما جاء في البيان الرسمي الصادر عن قصر بعبدا. وكلف عون وزير الثقافة غطاس خوري القيام بالزيارة التي صرف النظر عنها في اللحظة الاخيرة.