نازحون، مغتربون، عقوبات، وجثث… إنها «الوجبة» الدسمة لأسبوعٍ لبناني تَتوزّع عناوينه بين بيروت وواشنطن وأصقاع العالم وتختزل الروزنامة السياسية التي تتشابك فيها الملفات الداخلية والخارجية واضعةً البلاد أمام تحدياتٍ المجهولُ منها أكثر من المعلوم.
وبعدما كان الأسبوع الماضي حَمَلَ عنوان تثبيت صمود التسوية السياسية فوق «حقلٍ من الألغام»، فإن الأيام المقبلة على موعد مع أكثر من «اختبار» لقدرة الأفرقاء اللبنانيين على «تدوير زوايا» القضايا الخلافية، وأبرزها ملف النازحين السوريين، واحتواء «الحصة اللبنانية» من العاصفة الأميركية التي تستهدف إيران ونفوذها في المنطقة مع تَوقُّع صدور الرزمة الجديدة الأكثر اتساعاً وصرامة من العقوبات المالية الأميركية على «حزب الله» وقريبين منه، الى جانب دلالاتِ «السباق» الذي يَرتسم تباعاً على تحفيز واستقطاب اللبنانيين المغتربين وحضّهم على أن يلتحقوا بـ «قطار» الاقتراع في الخارج، في الوقت الذي تستمرّ تفاعلات حكم الإعدام الذي أصدره المجلس العدلي بحق قاتليْ الرئيس السابق بشير الجميل (كلاهما من الحزب السوري القومي الاجتماعي) وما فجّره من سجال غير مسبوق في حدّيته بين «حزب الله» و«القوات اللبنانية».
وفيما انشغلتْ بيروت أمس بزيارة حاكم أستراليا السير بيتر كوسغروف، تتجه الأنظار إلى اجتماع يُرتب عقده للجنة الوزارية المكلفة ملف النازحين السوريين الذي يشكّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه (التيار الوطني الحر) رافعته الأساسية، وسط مخاوف من اتخاذ التباينات حيال هذه القضية أبعاداً طائفية.
ويتم رصْد كيفية التوفيق بين منطقيْن يحكمان ملف النازحين، الأول لوزير الخارجية جبران باسيل (صهر الرئيس عون) الداعي إلى عودة آمنة ولا سيما بعدما جرت إقامة مناطق «خفض التوتر» مستعيناً بأرقام «مخيفة» حول تكلفة النزوح على لبنان، والثاني لفريق رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يتمسك بالعودة الطوعية والآمنة برعاية الأمم المتحدة ومن خارج أي حوار مع النظام السوري، على عكس ما يراه فريق «8 آذار» الذي يدْفع باتجاه مثل هذا التواصل المباشر ولو عبر «قناة وزارية» كما أشار رئيس البرلمان نبيه بري في حديث صحافي قبل أن يقول رداً على سؤال حول «إذا كان موقفه عن استعداده للتواصل مع الحكومة السورية هو التفاف بهدف تواصل الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية»: Oui,Oui,Oui. علماً ان هذا العنوان الإشكالي يُعتبر أحد خلفيات تلويح حزب «القوات اللبنانية» باستقالة وزرائها من الحكومة وهو ما كرره رئيسها الدكتور سمير جعجع من أستراليا معلناً أن «الاستقالة واردة إذا بلغت الخروق حدَّ عودة العلاقات مع نظام الأسد واستمرار محاولات تمرير المناقصات المشبوهة».
وجاء كلام بري «من خارج النصّ» الذي وجّه من خلاله نداءً متلفزاً اكتسب أبعاداً بالغة الأهمية وأطلق عبره «صفارة» تشجيع المغتربين المؤيدين لحركة «أمل» و«حزب الله» على تسجيل أنفسهم في السفارات والقنصليات قبل 21 نوفمبر المقبل للاقتراع في انتخابات مايو 2018.
وكان لافتاً حرص بري، الذي قال في حديثه الصحافي «أنا والسيد حسن نصر الله إنسان واحد في جسديْن»، على التوجّه الى المغتربين، أمس، قائلاً «إن لبنان الجيش والشعب والمقاومة يستدعي أبناءه الخلّص في كل أصقاع الدنيا لمشاركته في انتخاب وصياغة مجلسه التشريعي المقبل ورفض محاولات الإقصاء والتهميش والمقاطعة»، وهو الكلام الذي عكس أن رئيس البرلمان يخوض «معركة» استقطاب المغتربين باسمه وبإسم «حزب الله» غير القادر نظراً الى «العين الخارجية» عليه على إطلاق حملات انتخابية بدول عدة نتيجة العقوبات والحظر المفروض عليه واعتباره من أكثر من بلد «منظمة إرهابية».
ولم يكن ممكناً قراءة «نداء» بري التلفزيوني من خارج سياق الاندفاعة الكبيرة والمبكّرة للأحزاب المسيحية التي أطلقت «ماكينات» استنهاض المغتربين من خلال زيارات لعدد من رؤسائها الى «معاقل الاغتراب»، وسط تعويل على هذه «الكتلة الجديدة» لتحقيق مفاجآت في الصناديق.
ولم يحجب هذا الملف الاهتمام عن ترقُّب صدور سلة العقوبات الجديدة بحق «حزب الله» في واشنطن، وهو التطوّر الذي يخضع لمعاينة كبيرة لكيفية تعاطي الحزب معه، وسط استباق «جمعية المصارف»، بلسان رئيسها جوزف طربيه، ولادة القانون، بالطمأنة الى أن لقاءاتها في العاصمة الأميركية ركّزت على «ألا يكون أي تطبيق للتشريعات الجديدة مضراً أو أن تنتج عنه أضرار جانبية بلبنان وباقتصاده ومصارفه».
في موازاة ذلك، استدعى كلام لنائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بعد حكم المجلس العدلي في ملف الرئيس بشير الجميل والذي اعتبَر فيه «أنّ تبرير التعامل مع العدوّ في حقبةٍ زمنية معيّنة لا يُبرّئ العميلَ، وكلَّ من يُبرّر التعامل معه يُنعَت بشيء من العمالة» رداً نارياً من رئيس جهاز التنشئة السياسية في «القوات اللبنانية» شربل عيد الذي قال: «نعيم قاسم أنتَ تتّهِم بشير بالعمالة وكأنّك ترقص على قبرِه»، وأضاف: «وها أنا أتمنّى لك الموتَ قتلاً لأرقصَ على قبرك…».
وعلى خلفية هذا الموقف، أعلن حزب «القوات»، في بيان مساء أمس، تعليق مهام عيد إلى حين تشكيل لجنة حزبية خاصة للنظر بالمخالفة، مشيراً إلى أن ما صدر عنه «لا يعبر عن الطريقة» التي يقارب فيها الحزب «مواقفه والاختلافات السياسية العميقة التي تفصله عن (حزب الله)».
(الراي)