روزانا بومنصف:
النظام السوري ممثلا بالرئيس بشار الاسد قصف شعبه بالغازات السامة، وحلفاؤه ألقوا التبعة على المعارضين من زاوية امتلاكهم مخزونا كيميائيا، كما قالت الرواية الروسية، مما يدفع الى التساؤل عن سبب توقيت مجزرة خان شيخون. والواقع أن للنظام سوابق خلال الحرب التي دخلت سنتها السابعة باستخدام غازات سامة كما حصل مرارا وفق التحقيق الذي اجرته لجنة دولية تألفت باتفاق روسيا واميركا، كما ان هناك اتهامات لفصائل معارضة باستخدام الغاز السام مرة واحدة وفق لجنة التحقيق نفسها. وما يدفع الى هذا الكلام هو نيل النظام ما يشبه التحييد او القبول السلبي باستمراره من المسؤولين الاميركيين الكبار قبل ايام قليلة فقط على المجزرة، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون في انقرة ومندوبة اميركا في مجلس الامن نيكي هالي، ولو انها صححت موقفها لاحقا. ولذلك كان ابرز التساؤلات: لماذا يقدم بشار الاسد على مجزرة ادلب مسلطا الاهتمام مجددا على وصفه بـ”مجرم حرب”، ومحرجا الادارة الاميركية امام الاميركيين وامام حلفائها في الصمت على استمراره في مقابل الاولوية للارهاب ممثلا بتنظيم “الدولة الاسلامية”، وكذلك محرجا روسيا لجهة نسف ما بنته من دعم لاستمراره ووضع صعوبات امام امكان دعمه في ظل ليس فقط خرقه لاتفاق تسليم الاسلحة الكيميائية لديه، بل لجهة امكان قبوله في ظل مطالبات بمحاكمته وعدم امكان القبول ببقائه. يفترض ان تكون هناك اسباب او اهداف سياسية، لذلك ليست واضحة راهنا وربما تحتاج بعض الوقت، لكنها مثيرة للتكهنات انطلاقا من انتقال الوضع كليا بالنسبة الى الاسد من اسبوع الى آخر من عدم كون الاسد اولوية راهنا بالنسبة الى الادارة الاميركية الى “ان خطوات تتخذ من اجل رحيل الاسد”، كما قال وزير الخارجية الاميركي مساء الخميس، ما لم يكن هناك توريط له في شكل او آخر، خصوصا ان جسمه “لبّيس” كما يقول المثل العامي. فمفاعيل ما جرى قد لا تكون قليلة بدءا من رد الفعل الاميركي الذي يعد رسالة قوية، وان كانت رسالة رمزية محدودة في الزمن وفي المضمون كما في الشكل، وليس عدوانا واسعا مفتوحا، اذ تنسجم الرسالة وما قاله تيلرسون من “ان الضربة الصاروخية التي نفذتها واشنطن دليل على استعداد الرئيس الاميركي للتحرك عندما تقوم دول بتجاوز الخط”، معتبرا ان موسكو فشلت في تحمل مسؤولياتها في سوريا. فالرئيس الاميركي يظهر من جهة انه رئيس قوي وليس على غرار سلفه باراك اوباما على رغم ان التدخل في سوريا لم يكن اولويته، وهو من جهة اخرى يظهر النية، ولو تحت وطأة اتخاذه قرارات داخلية غير ناجحة حتى الآن، وارتباكه تحت وطأة عدم تركيز أسس ادارته بعد، بان تعود الولايات المتحدة لترسم حدودا ويكون لها دور في المنطقة من منطلق ملف قوي له أسسه ومبرراته لدى الشعب الاميركي كما في الخارج، على وقع توجيه رسالة تتصل كما قال في كلمته للاميركيين “بمصلحة الامن القومي الحيوية للولايات المتحدة في ردع انتشار الاسلحة الكيميائية القاتلة واستخدامها”، بما يعني ان الضربة التي وجهها محدودة الهدف. والدعم او التفهم الذي حظي به الاجراء الاميركي باستثناء الدول الداعمة للاسد، من شأنه ان يعطيه دفعا قويا على المستوى الرئاسي، خصوصا اذا تبين انه اغضب روسيا الداعمة الاساسية للنظام السوري، مما يبعد شبهة العلاقات المسبقة مع الرئيس الاميركي فلاديمير بوتين وتدخل روسيا لمصلحته في الانتخابات. فهناك جزء لا يستهان به من الاعتبارات الداخلية الاميركية في ما جرى. وباستثناء كلام تيلرسون عن بداية الخطوات لرحيل الاسد وما يمكن ان يترجمه ذلك، فإن الضربة الاميركية تبدو حصرية في اتجاه استخدام الاسلحة الكيميائية لمنع الاسد من استئناف اعماله الحربية ضد معارضيه او مناطقهم، ولو ان المواقف الاميركية تبدو متناقضة بين حصرية الضربة ومحدوديتها والتحرك لتأمين عملية تغيير سياسي في سوريا لم يحبذها ترامب في اي وقت.
مصادر ديبلوماسية مطلعة أكدت توافر معطيات تفيد عن هدف محدد للضربة الاميركية، وليس بداية حرب موسعة، وتبدي اقتناعها أقله وفق قراءة المعطيات بأن ما حصل ليس تغييرا استراتيجيا يمكن ان يؤدي الى تغيير في المعادلات القائمة. لكن الخشية في رأي هذه المصادر أن تتصاعد الحماسة لدى البعض بحيث تنعكس على الواقع الداخلي في لبنان، علما أنه واقع متوتر أصلا على وقع التجاذب القوي حول قانون الانتخاب وجملة مسائل أخرى، ولا يحتاج الى ما يزيد منه. لذلك تحذر هذه المصادر المطلعة من أن يتزايد التوتر في الواقع اللبناني، فيما يتعين على لبنان ان يحافظ على دمه البارد وتحليل ما يجري ومراقبته في الايام المقبلة. ويكفي ان عدم بروز اختلافات بين الدول الكبرى اي الولايات المتحدة وروسيا والافتقاد الى التوافق حول دور كل منهما يمكن ان يؤدي الى مخاطر كبيرة في المنطقة. واذا كانت الاجواء تصعيدية بعض الشيء في الايام المقبلة في ضوء المواقف الروسية وايضا المواقف الايرانية التي تولت الاعلان ان كلا من روسيا وايران “لن تصمتا ازاء الهجوم الاحمق على سوريا” وفق التعبير الذي استخدمه مسؤول ايراني وعلى وقع ترحيب من دول عربية عدة بالضربة الاميركية، فإن الحذر واجب من ان تكون هناك انعكاسات على لبنان حتى لو ان اللبنانيين اعتصموا بالصمت في حين قد تتفاقم الامور مع تبادل الكلام.